حسن فليح / محلل سياسي
يبدو هناك متغيير جدي في قادم الايام بالسياسة الامريكية وطريقة تعاملها مع منظومة الحكم في بغداد ، وان استبدال السفيرة رومانسكي دليل على تبدل المرحلة القادمة وانتهاء مرحلة الخالة رومانسكي التي جائت من أجلها ، تلك المرحلة التي اتسمت بالمهادنة ومحاولة تنقية الاجواء وترصين العلاقة مع حكومة الاطار التي باركت السفيرة بتشكيلها واعلنت تعاونها مع حكومة السوداني ، ضنا منها ان تلك السياسة هي الافضل التي ستقطف ثمارها دون عنف وبعيدا عن المواجهة العسكرية، بالنتيجة لم تفلح تلك السياسة بالنجاح ولن تأتي بنتائجها الايجابية حسب رغبة واشنطن ولن تستطيع رومانسكي مواجهة الثقل والهيمنة الايرانية على القرار السياسي في العراق المثقل بالفصائل المسلحة الموالية لحكومة طهران ، وقد فشلت رومانسكي في محاولاتها المتكررة بسياسة العصى والجزرة بأجبار السوداني على اتخاذ موقف طالما حلمت به امريكا منذُ احتلالها للعراق ان يتخذهُ رئيس وزراء عراقي يتسم بقوة الموقف ضد ايران وفصائلها المسلحة فيه ، وهذا دليل على فشل الامريكان من الاتيان بحكومة موالية لها على حساب ايران ومواليها !! ليس عيبا ان تعترف الولايات المتحدة بفشلها الذريع في ادارة الملف العراقي بعيدا عن ايران صاحبة المشروع المختلف كليا عنها ، وعبثا حاولت امريكا مع ايران بتخادمهما المشترك للسيطرة وفرض سياسة الامر الواقع على العراقيين بوجود احتلالين بشكل متزامن وفي آن واحد على ارضه واستباحة ثرواته وتهديد مستقبل شعبه، في تجربة فريدة من نوعيها مخالفة للمنطق ، ولم يحدثنا التاريخ عن تجربة مماثلة حصلت لشعب مثلما هو الحال في العراق ، حتى أصبح مرشحا قويا ان يكون ساحة صراع دامي لا ناقة لنا فيه ولا جمل، حيث تركت امريكا جميع المحاولات والخيارات الاخرى التي كانت متاحة بعيدا عن ايران عدوة العراق التقليدية ، لذلك نجد الولايات المتحدة اليوم تدفع ثمن سياسة تخبطها هذا وخاصةً بعد تغييرها للمعادلة التي كانت قائمة قبل احتلالها للعراق !! الامر الذي اخل تماما بتوازنات المنطقة لصالح ايران دون حسابات دقيقة ودون اكتراث لما يحصل نتيجة الغباء السياسي المفرط وتخبطها المشين ، ايران لم تحلم يوما بما تقدم لها من فرصة وحظوة حصولها على بسط وبناء نفوذها بعلم ودراية الامريكان في العراق والمنطقة ، بعد ان كان عصيا عليها من تحقيق ذلك الحلم في ضل المعادلة السابقة التي كانت حين ذاك ، أن اعلان الرئيس الأمريكي جو بايدن عن نيته ترشيح تريسي آن جاكوبسون، لمنصب سفيرة فوق العادة ومفوضة للولايات المتحدة الأمريكية لدى جمهورية العراق، بدلا عن الينا رومانسكي لم يأتي من فراغ ، فهل تنجح السيدة آن جاكوبسون بمعالجة فشل سياسة الخالة رومانسكي بمهمتها السياسية، وتقويض النفوذ الايراني وفصائلها المسلحة بالمنطقة؟ على قدر أهمية وقوة الولايات المتحدة العسكرية والاقتصادية فأن المهمة ليست سهلة بالطرق الدوبلوماسية ألتي انتهت بنهاية وجود رومانسكي وان تبدل المرحلة يقتضي تبدل شخوصها وتبدل ادواتها وطريقة تعاملها مع ملف مُعقد ومتشعب ، وأن النجاح فية يعد امراً ليس سهلا يتطلب المزيد من الجدية والحسم ، علما كثيرا ما تجنبت ادارة بايدن التصعيد وعدم الانزلاق في مواجهة عسكرية حاسمة مع الفصائل ، والتي باتت حتمية لامفر منها بعد الان ، وأن المطالبة برحيل القوات الامريكية من العراق لم يعد خيارا عراقيا بحتا دون الاخذ بالاعتبار موقف الولايات المتحدة الراعية للعملية السياسية ونظام الحكم فيه، ومدى تاثير الانسحاب على مجمل الصراع الدولي حول الشرق الاوسط ومدى تاثير ذلك على مصالح الولايات المتحدة بالمنطقة والعالم ، ان سياسة واشنطن وطهران خلال العقدين الماضية جعلتا من المنطقة برميل بارود قابل للانفجار في اية للحظة ، وان مايجري الان في غزة وفي البحر الاحمر وتبادل القصف والنيران بين الجيش الامريكي والفصائل المسلحة في العراق وسوريا وبدعم من ايران يزيد من احتمالية انفجار الوضع في عموم المنطقة وانهيار السلام الهش القائم حاليا ، ومؤشرات ذلك واضحة للعيان .