مقالات

ماهو الفرق بين الانتقاد والانتقاص والتخريب والتهديم

شروق العبايجي
المشروع المدني العراقي ومقومات نهوضه او تهديمه
اعترف باني كنت صاحبة احلام وردية جدا عندما صعدت الى قبة البرلمان في 2014، اذ كنت احلم باننا سنضع اسس بناء المشروع المدني الوطني بمنظومة متكاملة من توزيع الادوار بين كافة عناصره التي نشكل نحن النواب الثلاثة احدى مقوماته. لنبد بهدم منظومة متكاملة من الفساد والخراب الذي ابتلع العراق منذ عقود واستبدالها بمنظومة قادرة على بناء البلد وتحقيق دولة المواطنة والعدالة الاجتماعية. وكنت اعتقد واؤمن انها البداية الصحيحة للتغيير المطلوب ، لكنني الان اعترف بالاخفاق الذي شاب تحقيق هذا المشروع كما كنت احلم واخطط بافكار قد يكون فيها الكثيرمن المثالية فيما يتعلق بعملنا كمدنيين بشكل عام.
احلامي الوردية كانت ترسم لي ادوارا متناغمة للنواب المدنيين مع نخبة المثقفين من كتاب واعلاميين وادباء وحقوقيين، ومع منظمات المجتمع المدني الواعية، ومع الشخصيات السياسية البارزة وايضا مع القاعدة الاجتماعية المدنية وفي مقدمتها الشباب والمرأة ومن ثم الجمهور المدني الواسع. كنت افكر بادوار متكاملة مابين هذه المقومات جميعا لمواجهة اشرس منظومة سياسية صنعتها نخبة سياسية وضعت مصالحها فوق كل شيئ، وكانت ولاتزال تستقتل للحفاظ على مواقعها، وتمنع اي بديل ممكن ان يهدد مصالحها وامتيازاتها بوسائل قد لا تعرف اي حد او خط احمر.
لا اريد شخصنة الامور ولكن لابد من تبيان بعض التفاصيل التي قد تساعد على مراجعة الاداء المدني بشكل عام، وتحديد مواقع الخلل والنجاح لمنظومة كاملة من العناصر التي يفترض انها تكمل احدها الاخر كفريق كرة القدم الذي يريد تحقيق الهدف بتعاون واداء كل لاعبيه، عسى ان نتمكن من لملمة قوانا المبعثرة وفق رؤية صحيحة للعمل القادم وعلى ارضية واضحة وثابتة ، وليس عبر المؤتمرات والشعارات التي لم تقدم لحد الان ما يعزز الثقة بنجاح هذا المشروع المدني الذي هو حبل النجاة الاخير للعراق للخروج من كارثة المحاصصة الطائفية وانعدام سيادة الدولة واستشراء الفساد وغيرها.
واحدة من الاخفاقات التي يتحمل مسؤوليتها الجميع دون استثناء كل من موقعه وتاثيره، هو الاخفاق بتحويل التحالف المدني الديمقراطي، من تحالف انتخابي موقت الى تحالف سياسي دائم، وفق اطار تنظيمي يسعى الى استقطاب القوى السياسية والاجتماعية المؤمنة بهذا المشروع. تخيلوا لو تم العمل على ذلك منذ 2014 بشكل ممنهج ومدروس، لكان قد اصبح لدينا الان مرجعية سياسية مدنية واضحة، تفرض نفسها على المشهد السياسي وتكون قادرة على التعامل والتاثير على معطيات الواقع والعملية السياسية بكل تفاصيلها باسم المدنية، بدلا من المحاولات التي تجري حاليا لتجميع قوى مختلفة قديمة وحديثة، معروفه وشبه معروفة اوغير معروفة، لخلق مثل هذه المرجعية المدنية المطلوبة.
القضية الاخرى والتي هي اشكالية كبيرة وتتعلق بدور المثقفين والاعلاميين المحسوبين على القوى المدنية، وهنا تسكب العبرات وهنا تكمن السكاكين التي ستوجه لي بالتاكيد لمجرد تطرقي لكلمة المثقف او الاعلامي، ومع هذا سامضي بتشخيص الخلل الكبير الذي شاب دور المثقف العراقي كفرد وكمؤسسات في اسناد فكرة المشروع المدني الوطني ودعم عناصره الاساسية، وفي مقدمتها دور النواب المدنيين داخل المؤسسة التشريعية وامتدادات عملهم في الميادين المختلفة، والنقص الكبير بتسليط الضوء على جهودهم الاستثنائية داخل مؤسسة محاصصاتية مسيطر عليها من قبل القوى المتنفذة والمستحوذه على خناق البلد بكل الوسائل، لكنهم وعلى قلة عددهم تمكنوا من احداث تغييرات نوعية يعترف بها القاصي والداني. لا ادعي ان عملنا كان مثاليا وخالي من النواقص، الا ان مثقفينا لم يتعبوا انفسهم في البحث والاستقصاء عن مكامن القوة والضعف لهذا الاداء كي يسندوها ويصححوها من داخل المنظومة المدنية نفسها، واكتفوا بترويج عبارات جاهزة تشيع مفهوم خاطئ عن النواب المدنيين، وكونهم جزء من السلطة وعلينا انتقادهم كما ننتقد اي شخص يمثل السلطة بغض النظر عن اي شيئ اخر. وهذه فكرة بائسة تعكس سطحية وسذاجة مروجيها اذ تجعل من المثقف العراقي كالمتفرج على مباراة كرة قدم يهتف مع الهاتفين ويسب مع الشاتمين لان الكرة لم تدخل الهدف حسب مزاجه. بالاضافة الى غياب هذا الدور الهام في الدعم والاسناد، تاثر البعض منهم بعقدة المقعد التي انتجت عقدة الكوتا، بحيث وصل الامر بهم الى تكرار الطعن بي كنائبة وصلت عبر الكوتا وكانما الكوتا هي عورة نسائية وليست منجزا لنضال المرأة العراقية التقدمية قبل غيرها، والادهى والامر ان هذا الطعن ياتي من من يعتبر نفسه ثوريا ويساريا، وهناك من يتناسى او لايعلم ان عقدة المقعد هي وليدة المساومات على اصوات المدنيين التي اكلت اصواتي الحقيقية وهذا امر اخر.
اما على صعيد العمل المدني خصوصا الذي تزامن مع الحراك الجماهيري الذي هز الارض ( ولو بشكل موقت) تحت اقدام النخبة السياسية العراقية، فقد كان من الممكن ان يكون لهذا العامل الاثر الحاسم في تشكيل الجبهة السياسية – الاجتماعية للقوى المدنية الحقيقية والتي كان من الممكن ان تفرض نفسها كبديل او كمؤثر مباشر في مسيرة الاصلاح المطلوبة، ولكن للاسف نجح البعض ولاغراض شخصية بحتة، من اشاعة مفهوم عدم التعاون مع السياسيين خصوصا من النواب، (علما ان النواب هم ممثلي الشعب ومن الطبيعي ايصال صوت الشعب لهم)، مع تناقض صارح من نفس هذا البعض بالتعاون مع قوى مشاركة في المنظومة السياسية السائدة ، وبهذا تم سحب البساط من تحت اقدام القوى المدنية الحقيقية وجعلها مجرد مكملات لقوى اخرى لانعرف لحد الان ماهية توجهاتها الحقيقية في بناء الدولة المدنية والمشروع المدني الوطني.
اما الجماهير والنشطاء فقد ظلوا لمدة طويلة يظنون ان الاستقلالية التي تحفظ لهم صفة الناشط او المتظاهر هو بالابتعاد عن الاحزاب وعن السياسيين بكل اختلافاتهم والادهى والامر انهم صبوا جام غضبهم على النواب المدنيين وقطع الكثيرون منهم كل الخيوط مع من كان يفترض ان يتعاونوا معه ليكون التاثير متكاملا وفعالا. ولاتزال هذه الاشكالية تطغي على سلوك وتفكير البعض من نشطاء الحركات الاحتجاجية في حين سارع البعض منهم للالتحاق ببعض الاحزاب مؤخرا كنتيجة طبيعية لمثل هكذا حركات احتجاجية كبرى تضم طيفا واسعا من الناشطين والجماهير. ولكن المؤسف ان هذا الامر قد خضع لتاثيرات مقصودة في بدايته مما فوت الفرصة على القوى المدنية الحقيقية لتكون هي المستقطبة لكل فئات الجماهير المنتفضة.
وهناك بالتاكيد الكثير مما يمكن مراجعته في مسيرة العمل السياسي المعني بالمشروع المدني الوطني العراقي، مما يمكن وضعه تحت خانة النقد البناء للتصحيح والمضي السليم بالمشروع، ولكن للاسف الذي ساد وطغى هو ما يصنف تحت باب الانتقاص والتخريب والتهديم.
ساكتفي بهذه النقاط التي اتمنى ان تثير النقاش بعيدا عن الاحقاد التي تعمي القلوب والابصار لاصحاب النرجسيات العالية والمصالح الشخصية بعيدا عن الهم الاساسي في تعزيز وتقوية مقومات المشروع المدني صاحب المصلحة الحقيقية في بناء دولة المواطنة والعدالة الاجتماعية وانقاذ العراق من كارثة الطائفية والمحاصصة والفساد.