اخبار سياسية

ما الذي يمكن استنتاجه من نتائج انتخابات ولاية أيوا؟

الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب يفوز بولاية أيوا في الانتخابات التمهيدية الجمهورية (أ ب)

جرت العادة ألّا تخلو انتخابات أيوا التمهيديّة من بعض المفاجآت. سنة 2016، كان المرشّح الجمهوريّ دونالد ترامب متقدّماً على منافسه تيد كروز بنحو 4 نقاط مئويّة في معدّلات استطلاعات الرأي. تمكّن كروز ليلة الانتخابات من تحقيق نحو 8 نقاط إضافيّة عن التوقّعات فكسب المرتبة الأولى. على الضفة الديموقراطيّة، كان باراك أوباما متعادلاً مع هيلاري كلينتون عشيّة الانتخابات في الولاية سنة 2008 فحقّق تقدّماً بسبع نقاط بعد التصويت. فهل تحقّقت مثل هذه المفاجآت يوم أمس؟

ترامب… القطار ينطلق

حقّق الرئيس السابق فوزه في تلك الولاية بـ51 في المئة من الأصوات. يمثّل هذا رقماً قياسيّاً لأيّ مرشّح لا يشغل منصبه في التاريخ الحديث. أقرب رقم هو ذاك المسجّل باسم الرئيس الأسبق جورج بوش الابن مع 41 في المئة من الأصوات. كذلك، تغلّب بوش على منافسه حينها ستيف فوربس بنحو 10.5 نقاط مئويّة فقط. والفارق الأوسع مسجّل باسم بوب دول سنة 1988 بنحو 13 نقطة مئويّة.

تغلّب ترامب على صاحب المركز الثاني بـ30 نقطة. مع كلّ الاتّهامات التي تلاحقه – وربّما بسببها – وبالرّغم من أنّه لا يخوض السباق عن أقصى يمين المحافظين بالنسبة إلى ولاية يشكّل فيها هؤلاء نسبة كبيرة، نجح ترامب في مهمّته بسهولة محقّاً 51 في المئة من الأصوات (20 مندوباً). لكن تبقى بعض النقاط.

بالقياس مع معدّلات استطلاعات الرأي، لم يكن أداء ترامب مفاجئاً بشكل خاصّ. في الواقع كان أقلّ بقليل من المتوقّع. وضعته معدّلات “فايف ثيرتي أيت” عند 52.7 في المئة، بزيادة 1.7 في المئة عن أرقامه شبه النهائيّة، وبزيادة 34 في المئة عن صاحب المركز الثاني. بالتالي، لم يُسجَّل بروز فئة خفيّة متردّدة قرّرت الظهور في اللحظات الأخيرة لمصلحة ترامب. وهذا يعني أنّ الزخم والحماسة لترامب موجودان بقوّة لكنّهما ليسا استثنائيّين. وصحيحٌ أنّ ترامب لا يشغل منصبه حاليّاً، لكنّه يترشّح بهذه الصفة تقريباً. بالتالي، لا تستقيم تماماً مقارنة ترامب ببوش الابن.

ديسانتيس: الجهد لم يذهب سدى… تقريباً

جال ديسانتيس طوال أشهر في المقاطعات الـ99 للولاية. خاض حملته بناء على كونه محافظاً متشدّداً و”مقاتلاً” من دون العبء القانونيّ والفوضويّ الذي يقيّد ترامب. كلّ ذلك، وفي جعبته انتصار ساحق على منافسه الديموقراطيّ في انتخابات الحاكميّة سنة 2018 في فلوريدا (فرق 20 نقطة). وحصل ديسانتيس على تأييد مسؤولين رفيعي المستوى الولاية في مقدّمهم حاكمتها كيم رينولدز والزعيم الإنجيليّ الأبرز في الولاية بوب فاندر بلاتس. كلّ ذلك ليحلّ في المرتبة الثانية بفارق 30 نقطة عن ترامب الذي بالكاد زار الولاية في الآونة الأخيرة. لكن على الأقلّ، حلّ في المرتبة الثانية. وربّما هنا يمكن الإشارة إلى مفاجأة بسيطة.

وضعت معدّلات استطلاعات الرأي الأخيرة ديسانتيس في المرتبة الثالثة خلف نيكي هايلي بثلاث نقاط مئويّة تقريباً، عند عتبة 15.8 في المئة. لكنّه كسب 21.2 في المئة من الأصوات (8 مندوبين) بزيادة تفوق 5 نقاط. باستثناء هذه الأرقام القليلة، لم تكن ليلة ديسانتيس ممتازة. صحيحٌ أنّه سيصعّب على هايلي فكرة الترويج للسباق الثنائيّ بينها وبين ترامب، لكنّ ذلك قد ينتهي بخدمتها في نهاية المطاف. أبعد من ذلك، لا يزال من الصعب رسم مسار لنجاح ديسانتيس في المدى المنظور.

هايلي حقّقت المطلوب… وأكثر

حقّقت السفيرة السابقة إلى الأمم المتّحدة نيكي هايلي المركز الثالث بـ19.1 في المئة من الأصوات (7 مندوبين) متفوّقة على معدّلات “فايف ثيرتي أيت” بـ0.4 نقاط. المرتبة الثانية كانت أفضل لها لكنّ هايلي لم تركّز أساساً على الولاية، بالتالي هي حقّقت المطلوب. للتذكير، في تشرين الأوّل (أكتوبر) بلغ معدّل استطلاعاتها نحو 10 في المئة. وفي كانون الأوّل (ديسمبر)، 15 في المئة تقريباً. بالتالي، ظلّ الزخم (المتواضع نسبيّاً) يعمل لمصلحتها، حتى أنّها كسبت 4 نقاط في نحو أسبوعين من الشهر. أمّا لماذا يمكن لبقاء ديسانتيس في السباق أن يخدمها فالأمر يعود إلى سببين.

أوّلاً، هو لا يزال بعيداً جداً عنها في نيو هامبشير (5.8 مقابل 30 نقطة مئوية)، ويصعب أن يشكّل خطراً عليها في الولاية الأساسيّة التي ركّزت حملتها فيها. السبب الثاني وهو الأهمّ أنّ معظم مناصري ديسانتيس سيختارون ترامب عوضاً عنها لو انسحب من السباق. ثمّة أرقام كثيرة ينبغي انتظارها لمعرفة من صوّت لهايلي علماً أنّ غالبيّتهم على الأرجح من الجمهوريّين المعتدلين أو المستقلّين. وربّما يكون بعض الديموقراطيّين قد صوّتوا لها بما أنّ الولاية تسمح بتغيير الانتماءات الحزبيّة في السجلّات الرسميّة ليوم واحد ثمّ العودة إلى مواقعهم السياسيّة الأساسيّة. في جميع الأحوال، تبقى الأنظار شاخصة إلى نيو هامبشير لمعرفة ما إذا كانت هايلي قادرة على تحقيق المفاجأة.

راماسوامي… ماذا عن الـ”ميني ترامب”؟

حقّق رجل الأعمال فيفيك راماسوامي نتيجة مقبولة بـ7.7 نقاط (3 مندوبين) بعدما وضعته المعدّلات عند 6.4 في المئة. بطبيعة الحال، حين توقّع (وعلى الأغلب تمنّى) صاحب منصّة “أكس” إيلون ماسك فوزاً لراماسوامي يتخطّى “بكثير” ما تظهره الاستطلاعات، كان يقصد هامشاً يفوق 1.3 في المئة بأضعاف عدّة. بنى ماسك توقّعاته على الحركة الكبيرة التي يسجّلها المرشّح عبر حسابه على المنصّة، مع عشرات الآلاف من الإعجاب وإعادات النشر لتغريداته وهي أكبر بكثير من تلك التي تسجّلها حسابات ديسانتيس وهايلي (والمؤيّدة لهما). لكنّها إلى حدّ كبير “حركة بلا بركة”، وثمّة سبب وجيه للتمييز بين الواقع الفعليّ والواقع الافتراضيّ.

ظلّ راماسوامي لفترة طويلة يشيد بترامب ويتبنى سياساته حتى أنّه اعتبره أفضل رئيس في القرن الحادي والعشرين. ردّ ترامب الجميل فقال إنّه يحب المرشّح الشابّ. لكن قبل ساعات من الانتخاب، سُمع راماسوامي وهو يقول لناخبة إنّ “المؤسّسة” لن تسمح لترامب بالفوز ومن الأفضل لها بالتالي اختياره هو. كما هو متوقّع، عاد ترامب ليصبّ غضبه على راماسوامي. لكن بعد صدور النتائج، أعلن راماسوامي انسحابه ودعمه للرئيس السابق. سيجيّر على الأرجح ما نسبته 4 في المئة من الدعم الجمهوريّ العامّ لترامب وهذه نسبة مقبولة في ولايات قد تكون حسّاسة لترامب مثل نيو هامبشير وربّما ساوث كارولاينا. بهذا المعنى، كانت خطوة راماسوامي الأخيرة مفاجأة سارّة أخرى للرئيس السابق.

ما الذي يمكن استنتاجه؟كان ترامب مرتاحاً بالنتائج حتى أنّه هنّأ ديسانتيس وهايلي وراماسوامي على أدائهم. بعد أيوا، بات ترامب أقرب إلى الفوز ببطاقة الترشيح الحزبيّ مع تحييده أيّ مفاجآت سلبيّة. مع ذلك، لم يحقّق أيضاً مفاجآت إيجابيّة وكأنّه أكّد توقّعات سابقة بأنّه اصطدم بسقف معيّن في شعبيّته. لكنّ هذا السقف هو على الأغلب كافٍ لضمان الترشّح عن الجمهوريّين، خصوصاً أنّ معدّل تأييده العامّ بين الجمهوريّين يتخطّى 60 في المئة. في الوقت نفسه، وبما أنّ نيو هامبشير تلعب دوراً أبرز من أيوا في منح بطاقة الترشيح الحزبيّة، لا تزال هايلي المرشّحة المفضّلة لكي تحظى بفرصة خطف الجائزة من ترامب. لكنّها بالتأكيد فرصة ضئيلة للغاية.