اخبار سياسية محلية

ما الذي يمنع من إقامة شراكة سياسية؟

امجد بشكار

القوى السياسية العربية لا تريد شراكة سياسية

أثبتت التيارات الإسلامية السياسية أنها الأكثر استعدادًا للمشاركة والتعاون، إلا أن المشكلة تكمن في التيارات العلمانية التي ترفض الالتزام بقواعد اللعبة الديمقراطية، وقد ثبت ذلك بما لا مجال للشك معه عندما كانت تلك التيارات في الحكم، وحتى عندما كانت خارج الحكم، وانحازت إلى الثورة المضادة في مواجهة ثورات الربيع العربي، والسبب في ذلك أن هذه الأحزاب العلمانية تخشى ألا تكون الديمقراطية لمصلحتها، وذلك أن المجتمعات العربية حينما أتيحت لها فرصة الاختيار الحر أعربت عن ثقتها بالتيارات الإسلامية، وعلى رأسها تلك التي تنتسب إلى مدرسة الإخوان المسلمين الفكرية.

كل من الليبرالية والاشتراكية وليد ظروف مرت بها مجتمعات غير مجتمعاتنا. وهذه ليست مجرد آليات، بل فلسفات ورؤى للحياة والإنسان والعالم، في بعض جزئياتها تتفق مع الفطرة، ولكنها في جلّها مخالفة لها، وبذلك تتناقض مع قيمنا وتعاليمنا، ما نحن بحاجة إليه هو تطوير منظومة ديمقراطية آلياتها يمكن أن تكون محلية أو مستوردة، أما فلسفتها ورؤيتها فينبغي أن تنبع من ديننا وثقافتنا، وما لدينا على الصعيد الفلسفي والفكري يغنينا، بل هو أكثر ثراء وأعظم تراثًا مما لدى الآخرين.

فالأحزاب العربية لا تحتاج لأن تخترع ما هو قائم ومجرب، كل ما عليها هو أن تبدأ من حيث انتهى الآخرون في المجتمعات الديمقراطية، لو لم تنقض الثورة المضادة على عملية التحول الديمقراطي وتجهضها في شهورها الأولى لربما رأينا تطور نماذج ديمقراطية فريدة من نوعها، حيث يحدث تزاوج بين قيمنا الإسلامية وثقافة المجتمعات المحلية وبين الآليات الديمقراطية المتعارف عليها من انتخابات وسيادة القانون والمساواة أمام القانون وخضوع للأغلبية، مقابل ضمانات بصيانة حقوق الأقلية، والفصل بين السلطات، ومنع تنفذ كيانات في المجتمع لا تخضع لسلطة المجالس المنتخبة مباشرة من قبل الشعب.

الأحزاب القومية العربية، إشكاليتها أنها حكمت بواسطة الانقلابات العسكرية وبواسطة العسكر، فمارست الاستبداد ضد التيارات والأحزاب السياسية الأخرى، الأحزاب الليبرالية والعلمانية نوعان من الإعجاب بالتغريب واستمداد الرؤية التغريبية في أطروحاتها وفي نظرتها، هذه الأحزاب جميعًا: القومية والليبرالية والعلمانية تعاني من الضعف في الشارع، وهذا الضعف يجعلها حساسة أكثر من اللازم في الشراكة مع التيارات الإسلامية على وجه الخصوص، أما إذا اتفقت كل هذه الأحزاب على صيغة الجبهة الوطنية التي كانت حيّة ومتألقة في فترة الصراع ضد الاستعمار، أتصور أن الجبهة الوطنية تستطيع أن تجمع كل هذه الأحزاب العربية القومية منها والليبرالية والعلمانية والإسلامية للشراكة حقيقية في الواقع الذي نعيش فيه.

أعتقد أن هناك أربعة أسس رئيسة من الممكن أن تنطلق منها الأحزاب العربية:

الأساس الأول: مقاومة الاستبداد؛ لأن الاستبداد هو الداء الذي يفسد علينا كل نواحي الدين والدنيا والفكر والثقافة والفلسفة.

الأساس الثاني: هو مقاومة التبعية للغرب؛ لأن الغرب منذ قرنين وهو يحاول أن يكون مركزه الحضاري أو مركزيته الحضارية هي القبلة، وان يذيب الهوية العربية الإسلامية في التغريب وفي العلمانية الغربية.

الأساس الثالث: التأكيد على النهج الديمقراطي والتبادل السلمي للسلطة.

الأساس الرابع : العدالة الاجتماعية لأن هذه هي الفريضة المنشودة والمفقودة في واقعنا الذي نعيش فيه، ولا يمكن أن تكون هناك حيوية لدى الأمة وطموح لدى الأمة وحراك حقيقي لدى الأمة، إلا إذا كان هنالك قدر كبير من العدالة الاجتماعية بالنسبة للجماهير.

لذلك توجد أمراض عدة في ثقافة الأحزاب السياسية العربية اليوم، أخطرها داء الأنانية السياسية الذي جعل بعض القوى العلمانية والليبرالية العربية تحرص على حرمان الإسلاميين من السلطة، ولو بحرمان الشعب كله من الحرية. وهو أمر رأيناه – في أبشع صوره – في الأسابيع السابقة على انقلاب السيسي واللاحقة به، بينما رأينا عكس ذلك في الهبَّة الشعبية الشجاعة في تركيا ضد الانقلاب، واعتراض قيادات فعالة في الجيش التركي عليه، والدور الرائد الذي قامت به الشرطة والقوات الخاصة في وأده، وتنديد كافة القوى السياسية به منذ البداية؛ مما يدل على وجود إرادة جمعية وثقافة سياسية عميقة في تركيا، على عكس الحال في مصر ومجتمعات عربية أخرى.