إذا كانت تربية الأطفال مسؤولية كبرى هي الأهم في حياة الأهل، يبرز التواصل معهم كتحد لا يمكن الاستهانة به في هذا المجال. إذ يشكل هذا ركناً أساسياً في مسار تربية الأطفال، علماً أنهم يختلفون في ما بينهم في أساليب التعبير عن مشاعرهم. في مختلف المراحل العمرية تشدد الاختصاصية في التقويم التربوي والسلوكي وفي تدريب الأهل ميرنا جراب أهمية التواصل والمعنى الفعلي لوجود الأهل في حياة الأطفال وإلى جانبهم، سواء كانوا في سن صغيرة أو في مرحلة المراهقة، حيث يمكن أن تختلف حاجات الأطفال وسبل الحضور في حياتهم بين مرحلة وأخرى.
ما المعايير الأساسية التي يمكن أن يستند إليها الأهل في حضورهم الفعلي إلى جانب أطفالهم؟
لا بد من الاستعداد أولاً ليكون الحضور فعلياً إلى جانب الأطفال. فهذا الحضور الحقيقي يتطلب الحضور ككيان روحياً وجسدياً. وغالباً ما يقع الأهل في هذا الخطأ بحسب جراب، حيث إنهم يكونون مع أطفالهم بالجسد فقط. فإذا بهم قد يفكرون بأمور أخرى أو ينجزون مهام أخرى أثناء التواصل أو عند الحضور مع أطفالهم، فلا يتمكنون من إعطاء أنفسهم بالكامل لهم. عند الحضور بالكامل مع الطفل يمكن التواصل فعلياً معه وليس جزئياً. علماً أن هذا ليس من المسائل السهلة بل يتطلب تدريباً ووقتاً وجهداً من الأهل حتى يتمكنوا من تحقيقه، خصوصاً في ظل عجقة الحياة العصرية. عندها ينجح التواصل مع الأطفال وتتأمن جودة الوقت الذي يمكن تمضيته معهم، وإن كان هذا الوقت قصيراً.
من الشروط الأساسية التي تدعو إليها في مثل هذه الحالة التنظيم في برنامج النهار وفي الأوقات التي يمكن تمضيتها مع الأوقات. بهذه الطريقة يمكن تدريب الأطفال على ذلك فيحسنون التعامل مع هذا البرنامج ويتعلمون الحدود التي
يجب أن يحترموها في تعاملهم مع أهلهم في أوقات معينة هي مخصصة لهم.
ما الأخطاء التي يقع فيها الأهل حالياً في تواصلهم مع أطفالهم؟
لدى الكل مشكلات لم يتم حلّها من الطفولة، ولو بنسب متفاوتة. وهذا ما يجب العمل على حلّه للتعافي من هذه المشكلات حتى تتحسن العلاقة مع الأطفال وطرق التواصل معهم. فغالباً ما يتم التعامل مع الأطفال بطريقة خاطئة بسبب مشاعر لم يفرغها الأهل من طفولتهم، هي سلبية عادةً. وقد يكون هنا سبب غضب الأهل بشكل غير مبرر لدى التعامل مع الطفل أو الانفعال الزائد عندما لا يستدعي الوضع ذلك. علماً أن ثمة طرقاً عديدة لتفريغ هذه المشاعر السلبية لتتحسن العلاقة مع الأطفال وتتحسن طريقة التواصل معهم.
في حياتنا العصرية، ما الذي يمكن أن يؤثر سلباً على جودة التواصل مع الأطفال؟
يُحكى الكثير عن سلبيات الهاتف الخلوي في حياة الأهل والأطفال وفي علاقتهم مع بعضهم البعض. في الواقع، لا يمكن إلغاؤه ويجب عدم التفكير بذلك، لأن وجوده له أهمية كبرى في حياة الكل ولا يمكن الاستهانة به. لكن يبقى الأهم أن نتحكم به وتبقى السيطرة بين أيدينا ونتحكم به في كل وقت نستخدمه فيه. فاستخدامه يجب أن يكون لسبب حتى يصبح من الممكن التحكم بالوقت المخصص له، سواء للتسلية أو للعمل أو للتواصل أو للحصول على معلومات. هذا ما يمنع الهاتف من التحكم بنا كما يحصل في كثير من الأحيان، وهذا يتطلب الوعي، بما يسمح بتحديد الأولويات وتنظيم الأوقات ليكون حضور كل فرد في حياة الآخر أكثر فاعلية ومتعة وتأثيراً.
توضح جراب أن تربية الأطفال تمتد خلال 15 عاماً لا أكثر، ومن بعدها يصبح المراهق أكثر استقلالية، ويكفي أن نكون إلى جانبه عندما يحتاجنا في أي ظرف من الظروف. أما في ال15 سنة الأولى فالمطلوب من الأهل أن يخصصوا الجهد الكافي والوقت والوعي لبناء التواصل اللازم. يحتاج الطفل الأهل في هذه المرحلة الأولى ومن الممكن أن تكون هناك تجارب وأخطاء، وليس هناك مشكلة في ذلك، لأن لكل طفل حاجات مختلفة وشخصية خاصة به.
هذا، مع الإشارة إلى أنه في كل مرحلة يحتاج الطفل إلى الأهل بنسبة معينة وبطريقة مختلفة، ولا بد للأهل من أن يدركوا ذلك ليحسنوا التعامل معهم على هذا الأساس، بحسب شخصية الطفل وعمره، وما إذا كان النوع الذي يتواصل بمعدلات عالية. هذا، على أن يضع الأهل تربية أطفالهم ووجودهم في حياتهم كأولوية لأنها مسؤولية تقع على عاتقهم ولا يمكن التغاضي عنها.
ما النصائح التي يمكن أن تساعد على إرشاد الأهل في تعاملهم مع أطفالهم؟
– على الأهل أن يبدأوا بالعمل على أنفسهم ويبحثوا عما يزعجهم وعما يعانونه في حياتهم. عموماً لا بد من حل المشكلات وتحديدها أولاً حتى لا تنعكس على العلاقة مع الأطفال، لأنه لا تكون لهم علاقة بها عادةً.
– على الأهل الاعتذار عند القيام بخطأ في التعامل مع الطفل في ما ليس له علاقة به.
– في حال وجود مشكلة ما غير معالجة بعد ولا علاقة للطفل بها، يجب الابتعاد من الطفل إلى حين الشعور بالهدوء والتحسن. هذا ما يزيد من ثقة الطفل بأهله ويحسن العلاقة معه
– يجب تحديد أوقات معينة تخصص بالكامل للطفل، لكن يجب أن يعتاد الطفل على عدم تخطيها. بهذه الطريقة يمكن للأهل أن يعطوا أنفسهم للطفل بالكامل في هذه الأوقات، وأن يخصصوا الطاقة الكاملة لذلك من دون الشعور بالإرهاق أو بالانفعال في أوقات معينة. هذه الحدود تساعد على تحسين العلاقة مع الطفل.
– على الأهل تجنب السلطوية مع الطفل.
– يجب على الأهل التخلص من المشاعر السلبية وحل المشكلات المرتبطة بطفولتهم أولاً حتى لا تتأثر علاقتهم بأطفالهم سلباً.
– يجب أن يساعد الأهل الأطفال على إدراك المبادئ الأساسية والحدود المطلوبة احتراماً لهذه المبادئ، لأنها تشكل قواعد مهمة في حياتهم.