بعد سنوات من محاولات ضبط الإيقاع السياسي في العراق، تتجه واشنطن إلى خطوة مفصلية قد تغيّر قواعد اللعبة بالكامل. التلميح بغلق السفارة الأميركية في بغداد لا يبدو مجرد خطوة دبلوماسية عابرة، بل هو إعلان غير مباشر بأن العراق دخل مرحلة جديدة؛ مرحلة عنوانها النار والبارود، حيث تسقط الأقنعة، ويعلو صوت السلاح فوق صوت التفاوض. فهل نحن أمام التهيئة لضربة كبرى تستهدف الوكلاء الإقليميين لطهران؟ وأي دور سيلعبه زلماي زاد والمشرف الجديد دي فانس على المفاوضات بين واشنطن وطهران لرسم ملامح الساعات القادمة؟
في تطور لافت ومتسارع، عاد زلماي خليل زاد إلى بغداد، في مهمة مفصلية تحمل في طياتها أكثر من رسالة. زيارة خليل زاد، المعروف بصلاته المعقدة مع الفاعلين الإقليميين، تتزامن مع مؤشرات خطيرة، أبرزها تلويح الرئيس الأميركي دونالد ترامب بإمكانية غلق السفارة الأميركية في بغداد، وهي خطوة تعني ضمنياً أن الحسابات الأميركية دخلت مرحلة الخيارات المفتوحة.
الإشارات لم تتوقف عند هذا الحد؛ فواشنطن دفعت بمشرف جديد على خط التفاوض غير المباشر مع طهران، حيث حلّ “دي فانس” المعروف بتشدده مشرفا على “فيدكوف”، ما يعني أن إدارة التفاوض قد دخلت مرحلة أكثر حزما مع إيران، في ظل تصاعد التوترات إقليمياً ودولياً.
هذا التحول الأميركي المفاجئ لا يمكن قراءته بمعزل عن التصعيد المتوقع ضد الفصائل المسلحة الموالية لطهران في العراق. فإغلاق السفارة، سواء أكان تهديداً أم واقعاً، يهيئ المسرح لعمل عسكري منظم قد يستهدف مراكز قوة تلك الفصائل، وهو ما تحاول واشنطن أن تمهّد له بإخلاء البعثة الدبلوماسية وتخفيض المخاطر على رعاياها قبل بدء العمليات.
بالمقابل، لا تزال الفصائل حتى الآن تحافظ على صمت نسبي، وسط تكهنات بأن الاستعدادات الأميركية تضعها في موقع الدفاع، خصوصاً في ظل تزايد الاستطلاعات الجوية والتحركات الاستخبارية الأميركية المكثفة فوق مواقعها.
في هذا السياق، يبدو أن زلماي خليل زاد لا يسعى فقط لإجراء محادثات سياسية مع القادة العراقيين، بل أيضاً لرسم خريطة تفاهمات جديدة قد تضمن استمرار الوجود الأميركي في العراق بشكل أكثر أماناً، أو تهيئ لانفصال منظم مع الحد الأدنى من الخسائر.
ومع تغير واختلاف لهجة التهديد الأميركي، يبقى السؤال معلقاً: هل تدخل بغداد مرحلة صدام مفتوح يشبه ما جرى في مراحل سابقة من الاحتلال، أم أن هناك ما يكفي من أوراق الضغط والاتصالات الخلفية لضبط الإيقاع قبل الانفجار الكامل؟
في كل الأحوال، بات واضحاً أن العراق مقبل على مرحلة مفصلية حاسمة. إغلاق السفارة الأميركية، وزيارة زلماي لبغداد، ليست تفاصيل متفرقة، بل خيوط متصلة في مشهد إقليمي معقد. الزمن القادم هو زمن النار والبارود بحق، وما ستشهده بغداد والمنطقة لن يكون مجرد أزمة عابرة، بل ربما بداية لإعادة رسم موازين القوى، ليس في العراق فحسب، بل في عموم الشرق الأوسط .