نقترب هذه الأيام من الذكرى الثمانين لحادثتين غيرتا تاريخ البشرية في المجالين العسكري والمدني، الأولى: إجراء أول تفجير نووي اختباري أمريكي في 16 يوليو (تموز) 1945، وذلك بعد ظهور السلاح النووي أثناء الحرب العالمية الثانية حين نجح العالم الفزيائي الأمريكي ـ من أصل إيطالي ـ “إنريكو فيرمي” (1901ـ 1954)، الحاصل على جائزة نوبل في الفيزياء عام 1938ــ في إجراء تجارب مكّنته من تحويل الذرة إلى قوة تدميرية هائلة، وعلى إثر ذلك بدأ المشروع الأمريكي المسمى – منهاتن – لصنع القنبلة النووية، وذلك في العام 1942.
والحادثة الثانية: إسقاط أول قنبلة نووية على اليابان في 6 أغسطس (آب) 1945 على مدينتي “هيروشيما” و”نجازاكي”، وكان من النتائج المباشرة لتلك الجريمة قتل ما يصل إلى 140 ألف شخص في الأولى، و80 ألف شخص في الثانية، وأرفقت على طول العقود الثمانية الماضية بإشعاعات نووية على البشر والشجر والمخلوقات الأخرى، بما فيها التراب والحجر.
ورغم تلك الكارثة النووية، التي أصابت البشرية ممثَّلة في الشعب الياباني، فقد استمرت الدول في إجراء التجارب النووية، بانطلاقة أمريكية ـ لم يعبأ أصحابها بما سنتعرض له من فناء وآلام وأوجاع ـ من ذلك أنه في 1950 وافق الرئيس الأمريكي هاري ترومان (1884- 1972) على إجراء تجارب للقنبلة الهيدروجينية، وتم إنتاج تلك القنبلة في 1952، ثم لحق بها الاتحاد السوفييتي في 1953.
بعدها تواصل السباق النووي بين قوتين متنافستين، فظهر الصاروخ الروسي العابر للقارات الحامل لرؤوس نووية عام 1957، في مقابل الطائرات الأمريكية القادرة على نقل السلاح النووي إلى الأراضي السوفيتية، ثم التحقت بريطانيا بالنادي النووي عام 1952، ولحقت بها فرنسا عام 1960 والصين عام 1964، والهند في العام 1974، ثم باكستان، وإسرائيل التي تعدّ ضمن الدول النووية في العالم، كونها نجحت في إقامة مفاعل ديمونة بدعم فرنسي في العام 1957، لكنها لا تعترف رسمياً بامتلاك السلاح النووي، متبعةً “سياسة الغموض النووي”.
دول النادي النووي، تعيش في تجاربها المتواصلة عبر صراعها المستمر لأجل امتلاك القوة، منذ خمسينيات القرن الماضي وإلى الآن في “العصر النووي”، ما يعني أنها بِنْت زمانها، وكونها لم تتعرض بشكل مباشر ـ إلا في حالات نادرة نتيجة أخطاء داخلية ـ للإشعاع النووي على خلفية إسقاط قنابل عليها من الأعداء، واحتمال حدوث ذلك في المستقبل ضئيل، فإنها ترى نفسها في مأمن، غير أنها في الوقت ذاته تخشى تملّك قوى أخرى للسلاح على غرار إيران، حيث شكل برنامجها النووي حالة رعب لدى الغرب، ولا يزال حتى بعد تدميره من الولايات المتحدة الأمريكية في الحرب الأخيرة.
بالمقابل، هناك دول أخرى تعيش في زمن واحد مع قوى النادي النووي، لكنها تختلف معها في “العصر”، وهي تظهر في مخاوف يبديها معظم دول العالم، لكن بشكل خاص تَعْني دولتيْن، الأولى: اليابان، وقد سبق الحديث عنها، والثانية: الجزائر التي أجرت فيها فرنسا سنة 1960 تجاربها النووية، وتحديداً في منطقة” رقان”، حيث تمّ تحويل أكثر من 42 ألف مواطن من سكان المنطقة ومجاهدين حكم عليهم بالإعدام إلى فئران تجارب، في عملية إجرامية بشعة، أطلق عليها اسم “اليربوع الأزرق”، وكانت بتمويل تحصلت عليه فرنسا بعد الاتفاقية المبرمة بينها وبين إسرائيل في المجال النووي.
وانطلاقاً من التجربتين السابقتين اليابانية والجزائرية لجهة دفعهما التكلفة البشرية والبيئية والمالية لاستعمال القنابل النووية، نيابة عن دول العالم ـ بما فيها النووية منها ـ فإنه من الضروري النظر إلى سباق التسلح النووي في سياق “ما بعد العصر النووي”، وليس في العصر النووي، الذي يستمر اليوم على ما فيه من أخطار محدقة بالمصير البشري، ويصرّ أصحابه على عدم تذكر الجرائم التي قاموا بها في اليابان والجزائر.