ما تداعيات عسكرة الفضاء على الأمن والسلم الدوليين؟

1

الرأي

مها محمد الشريف

مها محمد الشريفكاتبة سعودية مختصة بقضايا الشرق الأوسط والعالم، كتبت في العديد من الصحف الرسمية السعودية وصحيفة «الرؤية» الإماراتية، وتكتب بشكل دائم في صحيفتَي «الجزيرة» و«الشرق الأوسط». لها اهتمامات بالرسم والتصميم الاحترافي.

بموجب معاهدة الفضاء الخارجي الموقعة عام 1967 تعهدت الدول الأطراف في المعاهدة بعدم وضع أجسام تحمل أسلحة نووية، أو أي نوع آخر من أسلحة التدمير الشامل حول الأرض، أو وضع الأسلحة على أجرام سماوية أو في الفضاء الخارجي.

واليوم سباق الفضاء نقض المعاهدة، فكل له أهداف خاصة من بداية الحرب الباردة إلى يومنا هذا، فالقوتان؛ الولايات المتحدة والصين تسعى كل منهما إلى الهيمنة وعسكرة الفضاء وفق سياستها وغاياتها، وما يحدث في العالم أمور لم تعد تخفى على أحد، فالدول الكبرى تخوض صراعاً من أجل مصالحها لتتصدر المشهد وحدها، وتعتمد أغلب الاتصالات العالمية بقوة على وجود الأقمار الصناعية في مدارات حول الأرض.

فهل ينذر هذا التصعيد بحرب فضاء دولية ومستقبل ملئ بالصراعات؟ في ظل غياب قواعد تحكم سلوك الدول في هذا المجال، وتتجاهل متعمدة حمل مسؤولية حماية العالم من نشر العديد من الأسلحة الفضائية، خاصةً في حالة الصراعات التي تحدث بين الدول المتقدمة التي تستطيع الوصول إلى الفضاء.

وتحت وطأة التنافس الدولي حول الفضاء سيبقى السباق مستمراً خلال السنوات المقبلة، ولعل السبب هو تقدم الصين في تكنولوجيا الفضاء وذلك له بعد آخر منذ الحرب الباردة بين القوتين، خصوصاً منذ 2007 عندما أجرت الصين اختباراً لتدمير الأقمار الصناعية باستخدام أسلحة مضادة كرد فعل للطوارئ المتوقعة في مضيق تايوان.

لذا تعتبر واشنطن أن الصين تشكل تهديداً على نحو متزايد في سباق الفضاء العسكري. بما أن هذه الاختبارات لها تأثير كبير على العاملين بالفضاء، وتشير بعض الأخبار إلى أن خطة الصين هي من أجل اللحاق بإنجازات أميركا الفضائية والتفوق عليها، ويعتبر هذا الاختبار بأنه أسهم في تطوير الفضاء كمجال حربي في حقبة ما بعد الحرب الباردة، ودفع الدول الأخرى لزيادة تسليحها لأنها أدركت ضعف نظامها الفضائي.

لذا، لجأت الدول التي ليست لديها قيادة فضائية مخصصة إلى الاستثمار في التطبيقات العسكرية بالفضاء، وهذا ما سنرى له أشكالاً عميقة مع هذه الدول في برامجها الفضائية التي تدعم أفكارهم وتجاربهم، حيث أجرت الهند تجربة أسلحة مضادة للأقمار الصناعية في مارس (آذار) 2019.

وكذلك إيران تجسد شيئاً أكبر بأن لديها المقدرة على شن هجمات إلكترونية يمكن أن تتداخل مع أنظمة الأقمار الصناعية، وأطلقت أول قمر صناعي عسكري لها في أبريل (نيسان) 2019، من هنا والسباق حاضر في قلب الحياة السياسية النابضة بالضجيج، ومن المتوقع أن تزداد هذه التداعيات حيث تعمل كوريا الشمالية أيضاً من خلال تجاربها على تشويش إشارات التردد اللاسلكي المرسلة من وإلى الأقمار الصناعية. وتنجز بناء أول أقمارها التجسسية، حيث أعلن الزعيم الكوري الشمالي كيم جونغ أون أن بلاده أنجزت بناء أول قمر صناعي تجسسي، وأعطى الضوء الأخضر لإطلاقه في موعد لم يحدد بعد.

ويمكن التحدث بشكل موسع حول عسكرة الفضاء وذكر الأسباب لنشاطات بعض الدول، وخاصة بعدما دخلت الصين وروسيا والهند والولايات المتحدة في سباق تسلح فضائي بمجال إنتاج واختبار واستخدام الأسلحة المضادة للأقمار الصناعية خلال السنوات الأخيرة، فالتقدم السريع في القدرات العسكرية الصينية يشكل مخاطر متزايدة على التفوق الأمريكي في الفضاء، حسبما أعلنت رئيسة قوة الفضاء بالجيش الأمريكي.

إذ لا عجب، أن يكون السباق محتدماً كما ذكرنا سابقاً بين الولايات المتحدة وروسيا والصين، بما أن الحروب تحولت من ساحة المعركة إلى فضاء المعركة، وعبر تقارير ومعلومات أميركية أوروبية تقول إن روسيا أصبحت قادرة على تطوير أسلحة جديدة بإمكانها تدمير أنظمة اتصالات وملاحة أرضية وأنظمة إنذار مضادة للصواريخ في الفضاء.

وخاصة بعد تجارب موسكو لإسقاط الأقمار الصناعية كجزء من خطة لتعزيز القدرات الدفاعية الروسية لمنع التهديد المفاجئ للأمن القومي الروسي في الفضاء وعلى الأرض من خلال تكنولوجيا الفضاء الحالية والمستقبلية للدول.

فهل عاد العالم مجدداً إلى سباق التسلح وحرب النجوم؟ وما تداعيات عسكرة الفضاء على الأمن والسلم الدوليين؟ وهل سنشهد سباقاً محموماً مدمراً في المستقبل؟

بلا شك هي تفاعلات بالغة التعقيد كل يوم تفاجئنا الأحداث بأخبار جديدة محيّرة ومذهلة تصدم العقول، فلماذا يستمر النزاع والعداء حول كل شيء؟ على أية حال معظم الأسئلة ستبقى دون إجابات في خضم هذه التوترات والصراعات، فالصين تعمل على تطوير ترسانتها النووية وتعزيز قدراتها العسكرية بشكل عام، وذلك أثار قلق واشنطن. وموقف الغرب الضاغط جعلها تأخذ موقفاً ضد روسيا فيما يخص الحرب في أوكرانيا، حيث إنها تتحرك وفق حياد إيجابي وقدمت مبادرة لإنهاء الحرب، وهو ما فاقم الارتياب الغربي أكثر حول حقيقة موقفها من الحرب، إضافة إلى الصراع التجاري بين بكين وواشنطن، فإن تطوير الصين صناعاتها الفضائية ووجودها في الفضاء يقترب من أن يجعلها المنافس الرئيسي للريادة الأميركية مثلما كان الاتحاد السوفياتي خلال الحرب الباردة في القرن الماضي.

وعسكرة الفضاء موازية لاقتصاد حديث يتوقع أن يبلغ حجمه ستة تريليونات، ألا وهو اقتصاد الفضاء، ولا يمكن فصل الأمرين عن بعضهما فقد تلقي الأزمات بظلالها على العالم، إذا لم يكن الأمن والسلم الدوليين من أولويات الدول المتناحرة، وعليها التريث في هذا السباق، فالأرض والفضاء من أجل الحياة لكي تُعاش بسلام وليست بحرب.

التعليقات معطلة.