اتهامات تلاحق إسرائيل وتسريب المدعية العسكرية قدم 5 متهمين للمحاكمة
عز الدين أبو عيشة مراسل
روت أسيرة فلسطينية محررة أهوال تعرضت لها في المعتقل الإسرائيلي (أ ف ب)
ملخص
تعرضت سيدة غزية للاغتصاب في السجون الإسرائيلية، وقدمت تل أبيب خمسة متهمين للمحاكمة، وطالب المرصد الأورومتوسطي بإدراج إسرائيل ضمن القائمة السوداء.
أمر جنود الجيش الإسرائيلي نهى (اسم مستعار) بخلع ملابسها وكبلوها واغتصبوها، وضربوها على ظهرها ورأسها وهي معصوبة العينين، خرجت السيدة من السجن مهزومة النفسية وحالتها الصحية غير مستقرة.
عندما كانت نهى (جرى استبدال الاسم الحقيقي لدواع اجتماعية وأمنية) في شمال مدينة غزة اقتحم الجيش الإسرائيلي المكان، وأمر جميع السكان بالإخلاء الفوري عبر حاجز عسكري خلال نوفمبر (تشرين الثاني) عام 2024، وأثناء مرورها اعتقلها الجنود واقتادوها إلى السجن.
خلال اليوم الرابع من اعتقال نهى، استيقظت السيدة عند الفجر لأداء الصلاة كما تقول في حديث لـ “اندبندنت عربية”، لكن الجنود صرخوا “الصلاة في الصباح ممنوعة” ثم أمسك أربعة عسكريين بها ونقلوها إلى مكان مجهول، تقول “كنت معصوبة العينين وأمروني بخلع ملابسي، ووضعوني على طاولة معدنية وضغطوا على صدري ورأسي، وكبلوا يداي واعتدوا علي”.
بدأت نهى بالصراخ لكنها تعرضت للضرب مجدداً، وهنا تقول “ظللت أصرخ وأتعرض للضرب، بينما سمعت صوت كاميرا، أيقنت أنهم كانوا يصورونني”.
لقطة من فيديو مسرب لجنود إسرائيليين يعتدون على أحد المعتقلين الفلسطينيين (إعلام إسرائيلي)
تركت السيدة لمدة ساعة في الوضع نفسه على طاولة حديدية مقيدة الأيدي معصوبة العينين، بينما كانت مجردة من ملابسها تماماً، ثم جاء جندي آخر وكرر الأمر مجدداً. وتتابع “تعرضت للضرب وأنا أصرخ، لقد سمعت صوت كثير من الجنود يضحكون بينما يلتقطون الصور بالكاميرات”.
مرة ثالثة، تُركت السيدة في الغرفة مجردة من ملابسها لساعات طويلة، فيما عاود الجنود اغتصابها. وتروي “دخل جندي ملثم وأزال العصابة عن عيني ورفع الغطاء عن وجهي، كان أبيض البشرة وطويل القامة، سألني إن كنت أتحدث الإنجليزية، قلت لا، وقال إنه روسي، طلب مني ممارسة العادة السرية فرضت، ضربني على وجهي واغتصبني”.
أُفرج عنها أخيراً
ضمن صفقة تبادل الأسرى الفلسطينيين والرهائن الإسرائيليين التي جرت بموجب اتفاق وقف إطلاق النار في غزة، وفقاً لخطة الرئيس الأميركي دونالد ترمب للسلام والازدهار، أُطلق سراح هذه السيدة التي روت تفاصيل مروعة عن الاغتصاب والعنف الجنسي داخل السجون الإسرائيلية.
وخلافاً للاغتصاب تعرضت نهى للتهديد، إذ أبلغها أحد الجنود أنهم سينشرون صورها على مواقع التواصل الاجتماعي، مشيرة إلى أنها تعرضت للتعذيب والصعق بالكهرباء والشتم بألفاظ نابية.
حتى الرجال
بعد الإفراج عن الأسرى الغزيين الذين اعتقلهم الجيش الإسرائيلي من القطاع أثناء الحرب، انكشفت قصص وشهادات مروعة للعنف الجنسي والاغتصاب، ولم يقتصر ذلك على قصة نهى بل طاول رجالاً ومراهقين.
أثناء وجود أحمد (جرى استبدال الاسم للحفاظ على الخصوصية) داخل معتقل سيدي تيمان الإسرائيلي جُرد من ملابسه وأحضر الجنود كلباً تسلق ثم بال على جسده، يقول “بعد ذلك اعتدى أحد العسكريين علي… سال الدم من جسدي”.
يعتقد الشاب المراهق أن الكلب تعمد التبول عليه فهو مدرب جيداً على هذه الأفعال، وأثناء اعتداء الجندي عليه كان فريق آخر يرش رذاذ الفلفل على وجهه، ويضيف “تعرضت للاعتداء بألعاب جنسية”.
مشهد من فيديو آخر لمحتجزين فلسطينيين تعرضوا للتعذيب في السجن (رويترز)
قصص أخرى أشد مرارة تعرض فيها أسرى غزيون لاعتداءات باستخدام زجاجة أو عصا خشبية، ويقول أحدهم “من شدة القهر حينها فقدت وعيي لدقائق، حتى جاءت ضابطة للمكان وأجبرتهم على التوقف عن ضربي وقامت بفك المرابط عن يديَّ”.
تسببت حوادث الاغتصاب بضجة كبيرة داخل إسرائيل على رغم أنها ليست الأولى، إذ سبق أن سربت المدعية العسكرية المستقيلة يفعات تومر يروشالمي فيديو لاغتصاب غزي داخل سجن سيدي تيمان، وعلى خلفية ذلك اعتُقلت لكن محكمة الصلح الإسرائيلية أفرجت عنها، وأمرت بوضعها تحت الإقامة الجبرية في منزلها.
حوادث ممنهجة
الشهادات المروعة تكشف الانتهاكات التي تعرض لها الأسرى الغزيون، وبحسب المركز الفلسطيني لحقوق الإنسان فإن حوادث الاغتصاب كانت ممنهجة، ومنظمة لإلحاق إذلال نفسي متعمد بحق الغزيين.
يؤكد المدير التنفيذي للجنة العامة لمناهضة التعذيب في إسرائيل تال ستاينر أن ظروف المعتقلين الفلسطينيين في جميع السجون كانت مروعة عمداً، ولا يستبعد ارتكاب السجانين جرائم الاغتصاب ضد الأسرى الذين اعتقلوا أثناء الحرب في غزة.
تعمد الاحتلال تجريد الأسرى الفلسطينيين من ملابسهم خلال نقلهم للسجن (وسائل التواصل)
مركز العودة الفلسطيني لحقوق الإنسان والذي يتمتع بصفة استشارية لدى المجلس الاقتصادي والاجتماعي للأمم المتحدة، قدم إحاطة حقوقية مفصلة إلى البعثات الدبلوماسية المعتمدة لدى جنيف، كشف فيها عن انتهاكات جسيمة ترتكبها السلطات الإسرائيلية بحق الأسرى الفلسطينيين تشمل حوادث اغتصاب.
محاكمة خمسة متهمين
نتيجة تلك الشهادات انقلب الرأي العام داخل إسرائيل وغزة ومؤسسات حقوق الإنسان والأمم المتحدة، ولتهدئة الوضع قدمت تل أبيب خمسة جنود إسرائيليين للمحاكمة بتهم ارتكاب جرائم اغتصاب بحق الأسرى والأسيرات الفلسطينيات.
يقول مدير مركز دراسات الأسرى الفلسطينيين رياض الأشقر “ما جرى من عمليات اغتصاب وتعذيب وقتل بحق الأسرى سياسة ممنهجة ومتعمدة، الهدف منها سحق إنسانية الأسير وكسر إرادته”.
ويضيف “محاكمة الجنود الذين نفذوا جريمة الاغتصاب ما هي إلا محاكم شكلية، الهدف منها تضليل الرأي العام وإظهار أن تلك الجرائم تمت بصورة فردية وليست بتوجيهات رسمية، والتخفيف من آثار الجريمة”.
استجواب إسرائيل
تؤكد مديرة نادي الأسير الفلسطيني أماني سراحنة تلقيهم معلومات عن اعتداءات جنسية، وتفيد الباحثة في منظمة هيومن رايتس وتش ميلينا أنصاري بوقوع حادثة اغتصاب جماعي بحق سيدة غزية.
نتيجة تلك الشهادات، خضعت إسرائيل للاستجواب داخل الأمم المتحدة في شأن حوادث الاغتصاب، ويقول مقرر لجنة مناهضة التعذيب بيتر فيديل كيسينغ “التعذيب الجنسي أصبح أداة متعمدة ومنتشرة على نطاق واسع في سياسة إسرائيل”.
اقرأ المزيد
سلاحه الاغتصاب… “سديه تيمان” سجن إسرائيلي سيئ الصيت
“سديه تيمان” معتقل الموت البطيء في إسرائيل
عودة الغزيين لبيوتهم تعوقها براميل وروبوتات ملغمة
وأكدت المقررة الخاصة للأمم المتحدة المعنية بحقوق الإنسان داخل الأراضي الفلسطينية المحتلة فرانشيسكا ألبانيزي أن إسرائيل ما زالت تتصرف بمنأى تام عن المساءلة، على رغم أن المعطيات التي جمعتها بعثتها ومؤسسات حقوقية محلية ودولية تظهر نمطاً من سوء المعاملة الممنهجة للأسرى.
“اتهامات باطلة”
يدافع السفير الإسرائيلي لدى الأمم المتحدة دانييل ميرون عن بلاده قائلاً “هذه مجرد اتهامات ومعلومات مضللة، إسرائيل متعهدة الوفاء بالتزاماتها بما يتماشى مع قيمنا ومبادئنا الأخلاقية، حتى في مواجهة التحديات التي تفرضها منظمة إرهابية”.
المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان طلب من الأمم المتحدة إدراج إسرائيل ضمن القائمة السوداء للكيانات المتورطة في العنف الجنسي جراء النزاعات، ويقول رئيس المرصد رامي عبده “ترفض إسرائيل التعاون مع جميع تحقيقات الأمم المتحدة في العنف الجنسي”.
ويضيف “تنص المادة 27 من اتفاق جنيف الرابع، على أنه يجب حماية الأشخاص من أي اعتداء على كرامتهم، ولا سيما من الاغتصاب أو أية صورة من صور العنف الجنسي، وتصنِّف حوادث الاغتصاب كجريمة حرب وفقاً للمادة الثامنة من نظام روما الأساس للمحكمة الجنائية الدولية”.

