المركبة مصنوعة من نفس صنف بلاستيك لعبة “ليغو” وتتضمن قطعاً أقل من الدراجة الهوائية
التصميم الغريب لسيارة “سيتروين آمي” يعني أن أبوابها تفتح في اتجاهات مختلفة (سيتروين)
في ثلاثينيات القرن العشرين، كان المهندس الفرنسي بيير جول بولانجيه يقود سيارته في طريق ريفي ضيق عندما وجد نفسه عالقاً خلف حصان وعربة. تركه البطء في حركة المرور مستاء جداً إلى حد أنه عندما عاد إلى باريس سلم فريقه مهمة محددة وغير عادية. طلب المهندس ابتكار سيارة تستطيع أن “تقل فلاحين اثنين وتنقل في الوقت نفسه 50 كيلوغراماً من البطاطا أو برميلاً من النبيذ… وأن تكون كذلك قادرة على أن تحمل في الجزء الخلفي منها سلة بيض من دون أن تكسرها”. وجاء في المواصفات المطلوبة أيضاً ضرورة أن تتميز السيارة بالكفاءة في توفير الوقود المستهلك، وسهلة القيادة، وزهيدة الثمن.
بعد مرور عقد من الزمن، خرج من خط الإنتاج سيارة “سيتروين 2 سي في” Citroën 2CV، وهي مركبة أثبتت شعبية كبيرة، ليس بين أوساط المزارعين فحسب، إلى حد أن إنتاجها استمر على مدى 40 سنة، مع بيع أكثر من تسعة ملايين وحدة منها في مختلف أنحاء العالم. هكذا صارت أيقونة في عالم السيارات، ليس بالنسبة إلى شركة “سيتروين” فحسب، بل بالنسبة إلى البلد [فرنسا] برمته، معروفة بهويتها الفرنسية المميزة شأنها شأن “البيريه” (قلنسوة) أو رغيف الخبز (باغيت) الفرنسيين.
ولكن خلافاً لشركات صناعة السيارات الأخرى، التي مضت في إعادة تصنيع إصدارات حديثة من سيارات كلاسيكية على غرار “ميني” Mini أو “بيتل” Beetle، اختارت “سيتروين” ألا تعيد أبداً تصميم سيارتها الأكثر نجاحاً. بدلاً من ذلك، يبدو أن “مميزات” “2 سي في” انتقلت إلى طراز جديد تماماً. إنها “سيتروين آمي” Citroën Ami.
اقرأ المزيد
- الكلف الحقيقية للسيارات الكهربائية أعلى بكثير من المعلن
- الصين تصدم سوق السيارات الكهربائية بتقييد تصدير الغرافيت
- هل تنخفض كلف السيارات الكهربائية؟
- التحول العالمي إلى السيارات الكهربائية يصطدم بـ”حلقة النار”
مع دخولها عجلة الإنتاج عام 2020، أي بعد مرور 30 عاماً تقريباً على إطلاق السيارة الأخيرة من طراز “2 سي في”، تشهد “آمي” فعلاً مساراً مشابهاً من النجاح، إذ أصبحت بشكل متزايد جزءاً مألوفاً من المشهد على طرق البلدات والقرى الفرنسية فيما تمتد أوقات الانتظار من أسابيع إلى أشهر. ومع بدء طرحها عالمياً الآن، تأمل الجهات المصنعة في أن تصبح ذات يوم متفردة على شاكلة سابقتها الأسطورية.
قانوناً، ليست “سيتروين آمي” سيارة. إنها عبارة عن دراجة رباعية كهربائية مصممة ليقودها الناس دونما الحاجة إلى رخصة قيادة. لما كان هيكلها متماثلاً تماماً، فإن أي دليل على اتجاه سير “آمي” يبقى رهناً بلون الأضواء وشكل النوافذ. لذا يتسم أداؤها بالديناميكا الهوائية أو التحريك الهوائي كما الغسالة، ولكن لا يبعث ذلك على أي قلق عندما تكون السرعة القصوى 45 كيلومتراً فقط في الساعة.
تحت إشراف بيير إيكارد جاء تصميم “آمي” (أطلق عليها توصيف السيارة الكهربائية “إي- كار” E-car هو نموذج ممتاز لحالة التسمية الحتمية أو تأثير الاسم على المسمى) لتكون ميسورة التكلفة ومستدامة وبسيطة، وقادرة على تلبية حاجات جيل جديد من مستخدمي الطرقات.
في تصريح أدلى به إلى “اندبندنت”، يقول أنطوان غايو دريفون، أحد مصممي سيارة “سيتروين آمي” إن “قصة ’2 سي في‘ والبيض تتوجه إلى المجتمع القديم. أما بالنسبة إلى ’آمي‘، فقد دمجت مواصفات التصميم مع المشكلات الحالية للمجتمع. في بلدان عدة، خصوصاً في فرنسا وأوروبا، من غير المسموح دخول كثير من السيارات الملوثة إلى مراكز المدن. ولكن باستخدام ’آمي‘، لديك حرية التنقل لأنها كهربائية، وليست سيارة”.
سيارة “سيتروين آمي” الكهربائية بالكامل بجوار قوس النصر في سبتمبر 2020 (غيتي)
ربما تكون مواصفات التصميم أكثر حداثة مقارنة بتلك الموجودة قبل 80 عاماً مضت، ولكنها تقدم بالمثل ميزة فريدة في “2 سي في”، ما ساعد في امتداد جاذبيتها إلى مجموعة متنوعة من العملاء، بدءاً من كبار السن الذين يبحثون عن طريقة سهلة للتنقل، وصولاً إلى المستخدمين الذين لا يملكون رخصة قيادة، أو فقدوها بسبب حصولهم على كثير من مخالفات القيادة.
حتى بين مجتمع منتدى “رديت” Reddit الشهير “آر فاك كارز” الذي يجمع الأشخاص المصابين برهاب السيارات لآثارها الضارة على المجتمعات والبيئة والسلامة والصحة العامة، ويضم قرابة نصف مليون عضو، فقد أشادت منشورات معروفة بسيارة “آمي” لأنها جعلت في متناول الأشخاص ذوي الإعاقة العاجزين عن المشي أو ركوب الدراجة الهوائية أو استخدام وسائل النقل العام حلاً آمناً لا يترك أي تلوث بيئي. ويمتد هذا العامل الجاذب إلى عشاق السيارات، إذ وصفها برنامج “توب غير” Top Gear في أحد عروضه، وإن متردداً، بأنها “الحلقة المفقودة في عالم السيارات”.
وفيما يزداد عدم اهتمام الشباب بالسيارات، تراجعت نسبة المراهقين القادرين على قيادة هذه المركبات في المملكة المتحدة إلى النصف على مدى السنوات العشرين الماضية. عليه، أثبتت “آمي” أيضاً نجاحاً مفاجئاً في أوساط جيل جديد من الأشخاص المحبين للقيادة.
في بداية ونهاية كل يوم دراسي في مدينة دوفيل الفرنسية، يبدو المتنزه خارج المدرسة الثانوية في بلدة نورماندي الثرية وكأنه مشهد من فيلم [عام 1969] “المهمة الإيطالية” Italian Job [شهير بمشاهد السيارات الصغيرة]، حيث تتحرك سيارات صغيرة الحجم، يقودها أولاد لم يتخطوا الـ14 سنة، من وإلى مواقف لركن السيارات على الرصيف.
هيكل “سيتروين آمي” متماثل تماماً (سيتروين)
وفي منطقة ليزيو المجاورة، يدفع جيرالد ماري البالغ من العمر 48 سنة 40 يورو شهرياً لاستئجار سيارة “آمي” إذ سئم الاعتماد على الحافلات المحلية في تنقلاته. الرجل الذي لا يملك رخصة قيادة كاملة الصلاحية [لا تشوبها أي قيود بسبب قلة الخبرة أو السن]، أصبح واحداً من أوائل سائقي “آمي” بعدما اختارها كبديل لمركبة ذات عجلتين [الدراجة النارية].
يخبر “اندبندنت”: “على عكس ’السكوتر‘ [دراجة نارية خفيفة]، لا تبللني أي مياه عندما أقود ’آمي‘، إضافة إلى أنها تحتوي على مكان لأضع فيه مشترياتي. إنها أيضاً ممتعة حقاً في القيادة، فيما تبلغ تكلفة الشحن الكامل 1 يورو فقط، تكفيني لأقطع 75 كيلومتراً”.
ولكن على رغم كل ما سبق ذكره، ليست “آمي” مثالية، إذ أشار جيرالد إلى أنه بسبب عدم وجود مرآة تسمح بالرؤية الخلفية اضطر إلى شراء مرآة خاصة به. ويقول: “إن التدفئة فيها ليست كافية أيضاً لفصل الشتاء، إذ تحتاج إلى ارتداء معطف. إضافة إلى ذلك، قد يصبح الجو في السيارة ضبابياً جداً، وتكون النافذة العلوية مزعجة عند سطوع الشمس في حال لم تضع [على النافذة] مادة واقية من أشعة الشمس.”
كذلك تحوي السيارة ميزة أخرى في التصميم تتمثل في وجود أغطية للنوافذ، مشابهة للأغطية الموجودة في “2 سي في” الأصلية. ولما كانت النافذة لا تفتح سوى بضع بوصات، لا بد من أن يفتح السائق الباب بالكامل كي يتمكن من استلام الطلب عند نافذة طلب الطعام من السيارة (درايف ثرو).
وتتميز هذه الأبواب بخصائصها الخاصة، ذلك أن التصميم المتناسق يعني أن كل باب يفتح في اتجاه مختلف. وتساعد تلك الميزات كافة في خفض تكلفة تصنيع “آمي” بشكل أكبر، ويتطلب أدوات أقل وما يقل عن 300 قطعة لتجميعها، أي تقريباً ما تحتاج إليه دراجة هوائية متوسطة.
صمم طراز “للجميع” من سيارة “سيتروين آمي” مُعدلاً خصيصاً لمستخدمي الكراسي المتحركة كما يتوافر أيضاً إصدار “كارغو” لسائقي التوصيل (سيتروين)
كذلك لا تحتاج السيارة إلى أي طلاء، إذ يصار إلى حقن اللون مباشرة في بلاستيك من نوع “أي بي أس”ABS ، شأن المادة البلاستيكية المستخدمة في تصنيع مكعبات “الليغو”، وذلك قبل قولبته في الهيكل. عليه، تأتي السيارة بلون الإسمنت الرطب فحسب، يسمى “آمي الأزرق”، والذي يخفي جميع الخدوش باستثناء العميقة جداً منها.
في الوقت الحالي، أمام “سيتروين آمي” عدد قليل من المنافسين. وقد حصدت في انطلاقتها حصة مقدارها 75 في المئة من سوق الدراجات الرباعية الكهربائية في فرنسا، بحسب ما علمت “اندبندنت” من متحدث باسم شركة “سيتروين”، ولكن سيارات أخرى تتجه إلى تحقيق هذا أيضاً. وكانت “فيات” قد كشفت عن سيارة “توبولينو” Topolino المصغرة في وقت سابق من العام الحالي، والتي ستشهد المملكة المتحدة إطلاقها العام المقبل، في حين كشفت شركات مصنعة أخرى عن نماذج مماثلة.
مع بيع حوالى 50 ألف سيارة حتى الآن، أمام “آمي” طريق طويل تقطعه قبل أن تنال النجاح الذي حصدته “2 سي في”، ولكن المصممين الذين يقفون وراء ابتكارها يعتقدون أنها في طريقها فعلاً إلى تحقيق هذا النجاح.
مركبات “سيتروين آمي” مركونة خارج مدرسة في دوفيل، فرنسا، في 1 ديسمبر (أنتوني كاثبيرتسون)
يقول المصمم غايو-دريفو إن “ابتكار منتج أيقوني كان خطوة غاية في الأهمية بالنسبة إلينا لأنه جزء من الحمض النووي الـ’دي أن أي‘ DNA [أساس وجودها واستمراريتها وتطورها] لـ’سيتروين‘، إنه جزء من تراثنا. يكفي أن ترى صورتها الظلية لتدرك إنها ’2 سي في‘. أردنا أن تجسد سيارة “آمي” الشعور نفسه، وأعتقد أننا حققنا هذا الهدف بشكل جيد”.
وأضاف “نحلم دائماً بصنع الأيقونة التالية من ’سيتروين‘ و’آمي‘ واحدة من أيقوناتنا تلك فعلاً. إذا كان المنتج يتسم بالقوة ويستخدمه الناس، سيبقى أيقونة إلى الأبد”.
© The Independent