بقلم : سركيس ابو زيد
على جبهة سوريا، ثمة اختلاف كبير لا بل “تحول وانقلاب” في صورة الجغرافيا السورية وخارطة القوى العسكرية بين بدايات العام 2017 وبداية العام 2018. في بدايات العام 2017 كانت قوى الصراع على الأرض موزعة على الشكل التالي:
– تنظيم “داعش” يتصدر السيطرة بنسبة بلغت 51.48% من الجغرافيا السورية.
– تلتها قوات سوريا الديمقراطية من حيث سيطرتھا بنسبة 19 % .
– فيما كانت قوات النظام في المرتبة الثالثة بنسبة 17 % من مساحة الأرض السورية.
– بينما جاءت الفصائل في المرتبة الرابعة حيث سيطرت بنسبة 12.4 % من سوريا.
– فيما فصائل درع الفرات سيطرت على مساحة بنسبة 1.2 %.
– في حين جاء جيش خالد بن الوليد في المرتبة الأخيرة، بنسبة 0.13 % من الجغرافيا السورية.
بداية 2018: الجيش السوري ھو المتصدر من حيث النفوذ والرابح الأكبر
لكن مع بداية العام 2018 يتبين ان الجيش السوري قد استعاد مساحات واسعة جدا، وھو المتصدر من حيث النفوذ والرابح الأكبر. ما أدى الى تغيير في موازين القوى: في وقت حددت روسيا وإيران استراتيجية إنھاء الحرب والانطلاق في التسوية على أساس أستانة وسوتشي، ما زالت استراتيجية أميركا غامضة. ماكغورك، وهو مبعوث الرئيس الأميركي الخاص للتحالف الدولي لمواجھة “داعش”، قال: “إن الحرب في سوريا لم تنته بعد، خصوصاً أن “داعش” ما زالت لديه أماكن محصنة يحتمي فيھا، فلم يحن بعد وقت الاحتفال بالانتصار، ما زال الطريق طويلا وما زالت الحرب مستمرة…”. وتابع مؤكداً على “أن بقاء القوات الأميركية في سوريا ضروري حتى لا يتمكن “داعش” من العودة إلى المدن التي فقدھا. فنحن موجودون في التنف وسنبقى ھناك لضمان عدم عودة “داعش” حيث نشرف على الوضع الإنساني”.
يبدو من هذا التصريح أن إدارة ترامب تعتمد على ابحاث “مؤسسة راند” وهي من أھم مراكز الأبحاث الأميركية المتعاونة مع الجيش الاميركي، والتي نشرت مؤخراً دراسة في عنوان “خطة سلام من أجل سوريا”، يمكن تلخيصها بالنقاط التالية:
– إنشاء ثلاث مناطق آمنة في الأراضي السورية: واحدة للعلويين تمتد على طول الساحل حتى الحدود اللبنانية، ومنطقة للأكراد في الشمال، ومنطقتان للمعارضة المعتدلة في حلب وحولھا، وأخرى في درعا وما حولھا.
– منطقة حرب فيما تبقى من أراضٍ تسيطر عليها “داعش” واخواتها، على أن تتولاھا قوى دولية.
-الاتفاق على صيغة لامركزية من اجل تسيير شؤون بعض المناطق، لا سيما في الرقة وتحت إشراف دولي.
– البدء بمفاوضات بين كل القوى المحلية والإقليمية تمھد لإصلاح سياسي.
تأخذ الدراسة في الاعتبار عدم التوافق على رئيس واحد لسوريا أو على حدود ھذه المناطق الآمنة فتقترح تأجيل عملية الانتقال السياسي الشامل، إلى حين التوصل إلى اتفاق. ولم يكن إفشال مؤتمر سوتشي الذي تعول عليه موسكو كثيراً سوى محاولة من واشنطن لتطبيق خطتھا، بالتعاون مع الحلفاء، وعدم السماح لبوتين بالتفرد في الحل، مراھنة على أن ضعف روسيا اقتصادياً سيدفعھا في نھاية المطاف إلى الرضوخ وتقديم تنازلات، وبالتالي القبول بالقواعد العسكرية الأميركية في الشمال، مقابل قاعدة طرطوس، وتقاسم النفوذ في سوريا المقسمة إلى أقاليم ومحافظات ومكوّنات تتكفل “الجيوش” الدفاع عنھا، بدعم دولي وإقليمي.
هذه السيناريوهات الاميركية لم تعد واقعية مع التطورات الميدانية الاخيرة لمصلحة الجيش السوري وحلفائه. كما ان كرد سوريا لا يثقون بالدعم الأميركي ويحتاطون بالتقرب من روسيا. وهم يتخوفون من تكرار تجربة كرد العراق، فتدير إدارة ترامب ظھرھا لھم وتتركھم لمصيرھم يواجھون تھديدات عدة، بدءا من بقايا “داعش” وخلاياه النائمة، وصولا الى تھديدات تركيا التي تنظر الى كرد سوريا على أنھم من نتاج حزب العمال الكردستاني وامتداد له. وهذا بالفعل ما حصل، فمع تقلص مناطق سيطرة “داعش”، أعلنت واشنطن إجراء تعديلات على دعمھا الأكراد، وسحبت 500 من قوات مشاة البحرية الى بلادھم، في موازاة تأكيدھا احتفاظھا بوجود عسكري طالما كان ذلك ضروريا.
ھذا الانسحاب الجزئي أثار قلق الكرد الذين يقول أحد مسؤوليھم: “نتخوف من أن تستخدمنا أميركا كورقة في يدھا، وحين تنتھي من عملھا تنسانا”، مشيراً إلى تجربة كردستان العراق.
أما على جبهة العراق فهو يقف أمام وقائع جيوسياسية جديدة، بعد تفكيك “دولة الخلافة” وھزيمة “داعش” واستعادته جميع أراضيه، وبعد استعادة المبادرة بإسقاط المشروع الانفصالي الكردي. يعمل رئيس الحكومة حيدر العبادي على استثمار ھذه الوقائع من أجل العودة الى السلطة بعد الانتخابات المقبلة في أيار 2018، مع أكثرية نيابية جامعة للسنّة والشيعة والكرد من أجل تشكيل حكومة قادرة على تحقيق العدالة والاستقرار لعراق موحد وقوي.
فقد ساھمت مبادرة إقليم كردستان بتجميد نتائج الاستفتاء ودعوة الحكومة العراقية الى حوار غير مشروط بين الإقليم والحكومة تحت سقف الدستور، في بدء عملية إعادة رسم خطوط التماس العسكرية والجغرافية بين ھيمنة الطرفين في المناطق المتنازع عليھا، وأسست لشكل جديد من العلاقات السياسية في العراق.
في الواقع، إن القرار العراقي السياسي الراھن، الاستراتيجي والتفصيلي، يتأثر بتحالفه مع ايران.
لكن، ثمة عامل مھم سيكون دوره مركزيا في تحديد مسارات الأزمة، ويتمثل في العلاقة بين إيران وتركيا: ھل يستمر البلدان في رؤية مصلحة مشتركة في تحجيم معسكر البارزاني، أم أن تركيا التي تخشى ھيمنة إيرانية كاملة على الإقليم الكردي باتت مستعدة لتغيير موقفھا؟ وقد بدأت تظھر مؤشرات في الأيام الأخيرة على أن تركيا لا تريد ھزيمة كاملة لمعسكر حليفھا السابق البارزاني، لأن ھذا يعني فعليا سيطرة إيرانية كاملة في شمال العراق.
ولكن العامل الأھم الذي يراقب الجميع تحركاته ھو الموقف الأميركي الذي سيكون له تأثير في تحديد توجھات الأزمة خلال الفترة المقبلة. فالأنظار شاخصة الى ما يمكن أن تعتمده إدارة الرئيس دونالد ترامب من مقاربات لحل الأزمة بين بغداد وأربيل، وبالتالي منع الانزلاق نحو حرب أھلية جديدة.
فصناع القرار في الولايات المتحدة يعرفون أن العراق أصعب المناطق التي يمكن أن تحدث فيھا المواجھة الأميركية -الإيرانية المتوقعة. حيث تسيطر الولايات المتحدة على أجواء العراق، بينما إيران حاضرة فعليا، عبر الجيش العراقي والحشد الشعبي على الأغلبية المطلقة من الأراضي.
لذلك تعمل الولايات المتحدة على ثلاثة خطوط استراتيجية لإعادة بناء قدراتھا السياسية في العراق:
أولا: تعول أميركا على دور رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي، ودعمه سياسيا في مواجھة مناوئيه.
-ثانيا: إعادة الثقة للعلاقة مع إقليم كردستان العراق.
-ثالثا: السعي إلى خلق تآلف صعب بين قوى سياسية تراهن عليها .
بھذا المعنى، فإن العراق سيعود لما كان عليه من قبل، منطقة تصارع بين القوتين الأكثر نفوذا، إيران والولايات المتحدة، حيث ستتوزع القوى السياسية والأھلية ضمن ھذا الصراع. وھناك اعتقاد بأن الأشھر المقبلة ستشھد صراعا حتميا بين إيران والولايات المتحدة على العراق، ولا ننسى هنا موقع سوريا ودورها في التوازنات مع تطور الوضع الميداني فيها، بعد ان اصبحت سوريا والعراق جبهة واحدة في مواجهة المخططات الاميركية. وفي هذا المجال سيكون لجبهة المقاومة الشاملة التي دعا اليها الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله دور اساسي في حسم .