بعد حديث ترمب المتكرر عن منع «حرب محتملة» بين مصر وإثيوبيا
ترمب خلال استقباله السيسي في واشنطن عام 2019 (الرئاسة المصرية)
القاهرة : عصام فضل
أثار حديث الرئيس الأميركي دونالد ترمب المتكرر عن منع «حرب محتملة» بين مصر وإثيوبيا، تساؤلات بشأن فرص تجدد الوساطة الأميركية في نزاع «سد النهضة» بين البلدين.
وأقامت أديس أبابا «السد» على رافد نهر النيل الرئيسي، وافتتحته رسمياً قبل نحو أسبوعين، وتطالب دولتا المصب (مصر والسودان) باتفاق قانوني ملزم ينظم عمليات «ملء وتشغيل السد». وأعلنت مصر في ديسمبر (كانون الأول) 2023 «فشل» آخر جولة للمفاوضات بشأن «السد»، وإغلاق المسار التفاوضي بعد جولات مختلفة لمدة 13 عاماً.
وقال ترمب إنه تمكن من «تجنيب مصر وإثيوبيا حرباً محتملة بسبب (سد النهضة)»، ونقلت تقارير، الأحد، عن ترمب قوله خلال حفل العشاء السنوي الرابع لمؤسسي معهد «أميركان كورنر ستون» في فيرجينيا، إن «إثيوبيا بنت سداً من أكبر السدود في العالم. وهذا يؤثر على المياه المتدفقة إلى النيل، وهذه مشكلة كبيرة».
وتعد هذه المرة الرابعة التي يتحدث فيها الرئيس الأميركي عن أزمة «سد النهضة» خلال الشهور الأخيرة؛ ففي يوليو (تموز) الماضي، قال في خطاب أمام أعضاء مجلس الشيوخ بواشنطن، في معرض رصده لما وصفه بجهود إدارته في حل الأزمات بالعالم: «لقد تم التعامل مع مصر وإثيوبيا. وكما تعلمون فقد كانتا تتقاتلان بسبب (السد)، إثيوبيا بنت (السد) بأموال الولايات المتحدة إلى حد كبير… إنه واحد من أكبر السدود في العالم».
وفي نفس الشهر، كرر ترمب الحديث عن «سد النهضة» خلال مؤتمر صحافي مشترك مع الأمين العام لـ«حلف شمال الأطلسي»، مارك روته، في البيت الأبيض، قائلاً إن «الولايات المتحدة موّلت (السد)، وإنه سيكون هناك حل سريع للأزمة». ومنتصف يونيو (حزيران) الماضي، خرج ترمب بتصريح مثير للجدل، قال فيه إن «الولايات المتحدة موّلت بشكل غبي (سد النهضة)، الذي بنته إثيوبيا على النيل الأزرق، وأثار أزمة دبلوماسية حادة مع مصر».
سد النهضة الإثيوبي (أ.ف.ب)
سد النهضة الإثيوبي (أ.ف.ب)
مديرة البرنامج الأفريقي في «مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية» بمصر، الدكتورة أماني الطويل، ترى أن تكرار حديث ترمب بشأن «سد النهضة» يعزز فرص تجدد الوساطة الأميركية، وقالت لـ«الشرق الأوسط» إن «فرص الوساطة الأميركية ما زالت موجودة، خاصة مع تصاعد التوترات الإقليمية ودور مصر الحيوي في التهدئة كقوة فاعلة بالمنطقة، وهذا الدور المصري هو ما يدفع ترمب إلى مغازلة القاهرة من خلال تصريحاته المتكررة عن (السد)».
الطويل أكدت أنه من الوارد «وجود دور أميركي في الوساطة بين مصر وإثيوبيا غير معلن عنه، أو عبر المشاورات مع القاهرة، خاصة أن قضية (السد) مطروحة في المحادثات المصرية – الأميركية المتعددة».
وفرضت قضية «سد النهضة» نفسها خلال محادثات مكثفة لوزير الخارجية المصري، بدر عبد العاطي، مع مسؤولين أميركيين وأعضاء بالكونغرس، خلال زيارته لواشنطن الشهر الماضي. وحسب «الخارجية المصرية»، أكد عبد العاطي لعدد من المشرّعين الأميركيين «ضرورة التوصل لاتفاق بشأن الموارد المائية المشتركة يلتزم بقواعد القانون الدولي».
جانب من لقاء السيسي بقائد القيادة المركزية الأميركية بالقاهرة في يوليو الماضي (الرئاسة المصرية)
جانب من لقاء السيسي بقائد القيادة المركزية الأميركية بالقاهرة في يوليو الماضي (الرئاسة المصرية)
وتحدث الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي خلال استقباله قائد القيادة المركزية الأميركية، مايكل كوريلا، في يوليو الماضي، عن «الأهمية القصوى لقضية مياه النيل في مصر، باعتبارها قضية أمن قومي»، وفق بيان للرئاسة المصرية حينها.
وأبدى مساعد وزير الخارجية المصري الأسبق، السفير جمال بيومي، «عدم تفاؤله» من أي دور أميركي في أزمة «سد النهضة»، وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «حديث ترمب مجرد تصريحات لا تنطوي على رغبة حقيقية في الوساطة»، و«إدارته غير جادة تجاه العديد من القضايا خاصة في توترات منطقة الشرق الأوسط»، حسب رأيه. لكن مستشار الرئيس الأميركي لشؤون أفريقيا، مسعد بولس، أشار إلى «استعداد إدارة الرئيس الأميركي لبذل كل الجهود ودعم أي مبادرات سلمية (بشأن السد) من أجل التوصل إلى تسوية عادلة ومستدامة تُرضي جميع الأطراف».
وقال في حديث متلفز، مساء السبت، إن «(سد النهضة) أصبح واقعاً جديداً بعد افتتاحه قبل أيام»، مشدداً على «ضرورة التعامل مع هذا الملف بطريقة هادئة وسلمية بعيداً عن أي خطوات متسرعة». وأوضح أن «الحل الأمثل يكمن في المفاوضات المباشرة بين الأطراف».
واستضافت واشنطن خلال ولاية ترمب الأولى جولة مفاوضات بشأن «السد» عام 2020 بمشاركة البنك الدولي. ورغم التقدم الذي شهدته المفاوضات بين الدول الثلاث (مصر وإثيوبيا والسودان)، فإنها لم تصل إلى اتفاق نهائي، بسبب رفض الجانب الإثيوبي التوقيع على مشروع الاتفاق الذي جرى التوصل إليه وقتها.
أستاذ الجيولوجيا والموارد المائية بجامعة القاهرة، الدكتور عباس شراقي، تحدث عما يجب أن يتضمنه الاتفاق بين القاهرة وأديس أبابا في حال الوساطة الأميركية، قائلاً لـ«الشرق الأوسط» إن «الكثير من التفاصيل الفنية تم تجاوزها عقب اكتمال (السد) وافتتاحه، ويتبقى أن يتضمن الاتفاق قواعد لإعادة الملء السنوي، والتشغيل، ووضع آليات واضحة للتعامل مع فترات الجفاف التي يمكن أن تشكل مشكلة كبيرة لمصر».
وبحسب شراقي، فإنه «يجب الاتفاق على عدم إقدام إثيوبيا على بناء سدود أخرى كما تخطط قبل التشاور مع مصر».