ما هو السيناريو الذي نتوقعه بعد تفاهمات الشرع ـ ترامب “السرية” التي طُبخت في الجانب الخلفي للبيت الأبيض؟

2

كتب / عبد الباري عطوان

ان يتعرض “حي المزة” الشهير في قلب العاصمة السورية دمشق لقصف بصواريخ “الكاتيوشا” مما أدى الى إصابة العديد من الأشخاص بالإضافة الى اضرار مادية بالمنزل المستهدف، فهذا تطور “خطير جدا” يطرح العديد من الأسئلة حول “الجهة المجهولة” التي تقف خلفه، وهويتها أولا، والانعكاسات المتوقعة على أمن العاصمة، والتطورات الأمنية المستقبلية ثانيا، واختيار هذا التوقيت بالذات لتنفيذها، وأخيرا، علاقته بعودة الرئيس المؤقت احمد الشرع (الجولاني سابقا) من زيارته “التاريخية” للولايات المتحدة الامريكية، ولقائه برئيسها دونالد ترامب ثالثا.

قبل الإجابة عن هذه الأسئلة المطروحة آنفا، لا بد من التوقف عند احتمالات الاربعة التي قد تحدد الجهة، او الجهات، التي يمكن ان تقف خلف هذا الهجوم حسب التكهنات العديدة التي وردت في وسائل الاعلام التقليدية منها مثل محطات التلفزة الاقليمية والعالمية، او على منصات وسائل التواصل الاجتماعي:
أولا: ان تكون الجهة المنفذة حركة “مقاومة معارضة” مسلحة تعارض النظام الحاكم المؤقت في دمشق، سواء مستقلة، او تابعة للنظام السوري السابق، بسبب علاقات الشرع “التطبيعية” المتسارعة مع دولة الاحتلال الإسرائيلي، والانضمام كليا الى التحالف الأمريكي المناهض لمحور المقاومة ضد الاحتلال الإسرائيلي، والداعم لتوسيع منظومة السلام الابراهيمي عربيا واسلاميا.

ثانيا: عدم استبعاد اقدام خلية تابعة للعدو الإسرائيلي بشكل مباشر، او غير مباشر، بالوقوف خلفه، خاصة ان هذا التفجير تزامن مع تجدد الاشتباكات في مدينة السويداء السورية ذات الأغلبية الدرزية، بين قوات الحرس الوطني التابعة لرجل الدين الدرزي حكمت الهجري المدعوم إسرائيليا، وقوات الأمن العام التابعة لنظام دمشق، هي الاشتباكات التي أدت الى وقوع قتلى ومصابين في صفوف الجانبين.
ثالثا: هناك نظرية رائجة حاليا تتحدث عن حدوث انقسام داخل “التحالف الإسلامي” الذي تتزعمه “حركة تحرير الشام” الحاكمة التي يتزعمها الرئيس الجولاني، وجاء هذا الهجوم من قبل عناصر تابعة لفصيل متمرد مهدد بالتصفية والإجتثاث بعد “تفاهمات” واشنطن.
رابعا: احتمال وقوع خلل او خطأ ناجمين عن تدريبات للجيش السوري في المنطقة، ولكن وزارة الدفاع نفت هذه الفرضية، وقالت في بيان انه لا توجد لها قوات او تدريبات عسكرية في المنطقة.
بعد متابعتنا، وتعمقنا في تحليل الاحتمالات الأربعة السابقة، لا نستبعد بالمطلق أيا منها، ولكننا نرجح الاحتمال الأول، ان يكون هذا الهجوم ربما تقف خلفه حركة معارضة مسلحة ضد النظام السوري الحاكم حاليا “حديثة التكوين”، لعدة أسباب، أبرزها ان صواريخ “الكاتيوشا” انطلقت من منصات “بدائية” متحركة وليست من موقع ثابت متواجدة في اطراف العاصمة السورية، ونحن ننقل هنا عن البيان “الرسمي” السوري.
المعلومات المتوفرة لدينا تؤكد ان خلايا تابعة، او متعاطفة مع النظام السابق بدأت تتحرك سياسيا وميدانيا، اقليما ودوليا، ضد السلطات الجديدة في دمشق في الأيام والاسابيع الماضية، وبدعم غير مباشر من دول عربية وعالمية معارضة للرئيس الشرع ونظامه، بسبب ماضيه الإرهابي، ووجود منظمات إرهابية متحالفة معه، وتشكل جزءا اصيلا من نظامه، وخاصة بعض العناصر والجماعات الإسلامية المتشددة مثل “الايغور” في الصين، والشيشان في روسيا، وتتناقل مصادر تابعة للنظام السابق انباء قيام بعض ممثليه، بزيارة “سرية” لعواصم عربية “معارضة” لنظام الرئيس المؤقت احمد الشرع، وما يضيف الكثير من المصداقية لهذه المعلومات مطالبة الرئيس الشرع من الرئيس الروسي فلاديمير بوتين اثناء زيارته الأخيرة لموسكو “عدم دعم فلول النظام السابق عسكريا”، ولا يمكن ان يتم طرح مثل هذا الطلب لولا وجود معلومات مؤكدة عن وجود هذا الخطر على الأرض.
سورية “الجديدة” بعد زيارة رئيسها المؤقت “التاريخية” لواشنطن هي غير سورية ما قبلها، بالنظر الى الاتفاقات والتفاهمات التي جرى التوصل اليها، في اللقاء الذي تم بين الرئيس الأمريكي ترامب، وضيفه السوري في البيت الأبيض، والتعهدات التي قدمها الأخير بتبني المطالب الامريكية الاستراتيجية في التنسيق الأمني كمقدمة للتطبيع مع دولة الاحتلال، ومحاربة محور المقاومة، انطلاقا من إقامة اكبر قاعدة عسكرية أمريكية في قلب العاصمة السورية، وفي مطار المزة تحديدا، المنطقة التي وقع فيها هجوم الكاتيوشا الأخير، فهل هذا الهجوم وفي هذا المكان، وفي هذا التوقيت، جاء من قبيل الصدفة؟
نشرح اكثر ونقول ان البيان الذي نشره توم برّاك المبعوث الأمريكي الى سورية ولبنان والسفير الأمريكي في انقرة، “مقر” المخطط الأمريكي التركي الذي أدى الى اطاحة “النظام السوري السابق”، على صفحته في منصة “اكس” كان خطيرا وفاضحا جدا حيث قال فيه حرفيا “ان سورية الجديدة بانضمامها الى التحالف الدولي لمحاربة داعش تعهدت بإعلان الحرب باجتثاث وتفكيك الشبكات الإرهابية في المنطقة، وخاصة حزب الله وحماس والحرس الثوري الإيراني، وبقايا تنظيم داعش”، ولان “حماس” بعيدة، والحرس الثوري الإيراني لم يعد موجودا في سورية، و”داعش” ضعفت وشبه اختفت ميدانيا، فان الهدف من تفاهمات واشنطن هو اعلان سورية الجديدة الحرب على لبنان للقضاء على “حزب الله”، وهي المهمة التي فشلت في تحقيقها دولة الاحتلال في هجومها الدموي على لبنان، ولا نستبعد ان “حزب الله” الذي “استعاد عافيته” العسكرية والسياسية، وأعاد ترتيب بيته الداخلي، مثلما اكد امينه العام الشيخ نعيم قاسم اكثر من مرة يعي هذا المخطط، وبات على أهبة الاستعداد لمواجهته، فلا خيار آخر امامه، وربما يكون هو البادئ في إطار الدفاع عن النفس.
سورية الجديدة تقف الآن على سطح حديد ساخن، ورفع اسم رئيسها عن قائمة الإرهاب، وتجميد “عقوبات قيصر” من قبل حكومة ترامب لأكثر من 190 يوما، لن يكون مجانا وبدون ثمن كبير، وقد تكون صواريخ الكاتيوشا التي ضربت حي المزة هي إنذار اولي، وبداية الرد، والضربة التحذيرية الأولى، والأيام القادمة قد تكون حبلى بالأحداث والمفاجآت، وشدوا الاحزمة من قبيل الاحتياط.. والله اعلم.

التعليقات معطلة.