بقلم : شارل ابي نادر
ربما كان من المستبعد امكانية قيام حدث لافت ومهم في المنطقة والعالم، يُبعد الانظار والاهتمام عن موضوع داعش ومساره منذ الولادة حتى بداية انتهائه، كظاهرة غريبة مع ما انتجته من تأثيرات وتداعيات، الى ان جاء موضوع تبني الرئيس الاميركي دونالد ترامب لاعتماد القدس عاصمة اسرائيل ونقل السفارة الاميركية اليها، ليخطف الاضواء ويحوز على كامل اهتمام المحيط والعالم، فهل يوجد تشابه بين الموضوعين واين يمكن تحديده إذا وجد؟
صاحب المشروعين هو نفسه
– لقد تبنى الرئيس الاميركي دونالد ترامب او الادارة الاميركية الحالية، القانون الذي كان قد أقره الكونغرس عام 1995، والقاضي بنقل سفارتهم في اسرائيل الى مدينة القدس، اي إعتبار القدس عاصمة “اسرائيل” بالمعنى الديبلوماسي والاداري كما يرعاه القانون الدولي، ويكون بذلك الرئيس الاميركي كممثل للولايات المتحدة االميركية، قد ضرب جميع اسس التفاوض والتسويات التي واكبت مسار القضية الفلسطينيية والحقوق العربية والاسلامية المغتصبة من قبل الاحتلال الاسرائيلي.
– من ناحية اخرى، لقد اصبح خارج البحث موضوع اثبات مسؤولية الولايات المتحدة الاميركية في خلق ورعاية وتوجيه داعش، وحتى هم الاميركيون اعترفوا ضمنيا بهذه المسؤولية، ولم يعودوا يبحثون أو يناقشون في الاتهامات الواسعة التي توجه ضدهم في هذا المجال، وحيث خلقوا التحالف الدولي وقادوه “لمحاربة الارهاب” كما إدعوا كاذبين، فقد استعملوا هذا التحالف لتوجيه داعش وتحديد مساراته الميدانية والارهابية في الاتجاهات والتوقيتات التي تناسب مخططهم.
المستهدفون هم أنفسهم
– صحيح ان داعش قد تمدد في انتشاره وفي عملياته الارهابية، من حيث نما وترعرع وقوي عوده في الاقليم والمحيط، الى اغلب دول العالم، ولكن لا شك ان المستهدف الاساس من وجوده و”نشاطاته” هو العالم العربي والاسلامي، والمرتبط في نزاعٍ تاريخي ضد اسرائيل، حول الارض المغتصبة والحقوق الضائعة والمصالح الاقتصادية والثقافية المتضاربة.
– بالمقابل، فان المستهدف الاساس من اعتماد القدس عاصمة اسرائيل هو ايضا المجتمع العربي والاسلامي وتحديدا فلسطين والدول المجاورة لها كلبنان وسوريا والاردن، وفي الوقت الذي ما زال فيه هناك نزاعا وخلافا مفتوحا بين اسرائيل والعرب على الاراضي والحقوق التي إغتصبها العدو الاسرائيلي، في القدس وفي الضفة الغربية وفي اغلب الاراضي المحتلة في لبنان وفي سوريا، جاء هذا الاعلان الاميركي ليقضي على اغلب اسس ومفاهيم المفاوضات ومراحلها المتتابعة بين الطرفين، والتي ترعاها “مبدئيا” المؤسسات الرسمية الدولية (منظمة الامم المتحدة ومجلس الامن)، وقراراتها ذات الصلة.
المتواطئون هم أنفسهم
– من ناحية اخرى، صحيح ان الولايات المتحدة الاميركية قد انشأت ورعت داعش، ولكن بأموال دول وحكومات وانظمة اقليمية معروفة، (اعترف بذلك قسم منهم والاخرون على الطريق)، وهذه الاموال أمنت للتنظيم الارهابي السلاح ووسائل التحريض والتكفير والاعلام المسموم، وهذه الاطراف الممولة والداعمة، ساهمت ايضا بسياساتها البغيضة على تسعير النزعة المذهبية الفتاكة، والتي سهلت للارهاب التمدد والانتشار الصاعق كالنار في الهشيم.
– ايضا هم انفسهم اليوم، والذين يتباكون “رياءً وكذباً” على القدس، من رعى وواكب وضغط وهدّد وسهّل لقرار ترامب بنقل السفارة الاميركية الى القدس، وهم انفسهم من عمل على إبعاد الانظار عن اسرائيل كعدو تاريخي للعرب والمسلمين، وتوجيه الضعفاء ومحدودي النظر منهم “وهم كثر في الواقع”، الى ايران واعتبارها العدو الاساس الذي يجب مواجهته ومعاداته، وهم انفسهم اليوم من هرولوا زاحفين للتطبيع مع اسرائيل، يحضّرون الارضية العربية والاسلامية لهضم قرار ترامب والقبول به، ولضرب القضية الفلسطينية من جذورها ودفنها مع الحقوق المغتصبة.
المقاومون للمشروعين هم انفسهم
اخيرا … وكما واجه محورُ المقاومة الارهاب، وانتصر عليه في الميدان والامن والسياسة والاعلام والتوجيه، حيث نشهد اليوم بداية افول وهزيمة داعش، هذا التنظيم الغريب، بالرغم من المستحيل الذي فعلوه رعاتُه وداعموه لتأخير سقوطه، فان هذا المحور – محور المقاومة – هو الذي سيواجه قرار ترامب وادارته في ضرب القضية الفلسطينية وقضية العرب والمسلمين، وهو الوحيد – محور المقاومة – المؤهل فعليا للوقوف بوجه هذا القرار الجائر غير العادل، اولا لانه الوحيد القادر بين هؤلاء المتواطئين او الخانعين او المرتهنين، وقد اثبت ذلك فعلا، وثانيا لانه الوحيد الملتزم بين هؤلاء العرب او المسلمين، بقوة وبثبات، بمواجهة العدو الاسرائيلي حتى النهاية، وحيث أخذ على عاتقه محاربة الارهاب ورعاته ونجح، فقد أخذ ايضا على عاتقه، وسينجح باذن الله، محاربة ومواجهة القرارات الاميركية والاسرائيلية الجائرة بحق العرب والمسلمين، جميع العرب والمسلمين بما فيهم الكسولين والمتواطئين.