في ظل الأزمات المتلاحقة التي يعاني منها العراق، تصدّرت الأخبار مؤتمرًا جديدًا حمل عنوان “مبادرة للحوار الوطني”، يُروَّج له على أنه خطوة نحو التغيير والإصلاح. لكن في الواقع، لا يبدو هذا المؤتمر سوى محاولة يائسة أخرى لتلميع وجوه من ذات الطبقة السياسية التي أغرقت العراق في مستنقع الفساد والانقسامات.
وعود مكررة بلا أثر
على مر السنوات، عُقدت عشرات المؤتمرات والندوات تحت شعارات رنانة عن الإصلاح، وكلها تنتهي إلى نفس النتيجة: لا شيء يتغير. بل على العكس، يتفاقم الوضع سوءًا. هذه الطبقة السياسية، التي تمارس المحاصصة كعقيدة والفساد كنهج، تسعى دائمًا لإعادة تدوير نفسها في المشهد السياسي، مُتناسية أن الشعب العراقي فقد ثقته بها تمامًا.
حوار لا يمثل الشعب
من هم الحاضرون في هذا المؤتمر؟ نفس الوجوه، نفس الأحزاب، نفس الأصوات التي لم تقدم شيئًا سوى الخطابات الجوفاء. لا وجود لممثلين عن الحراك الشعبي، ولا صوت للشباب الذين قادوا احتجاجات أكتوبر، ولا مكان لخبراء مستقلين أو شخصيات وطنية قادرة على تقديم رؤية جديدة. كيف يمكن لهذا المؤتمر أن يدّعي أنه خطوة نحو الإصلاح وهو يعزل كل القوى الحقيقية التي تمثل تطلعات الشعب؟
إصلاحات شكلية ومصالح ضيقة
الحديث عن الإصلاح من داخل منظومة فساد راسخة هو عبث محض. فهذه الطبقة ليست مستعدة للتنازل عن امتيازاتها أو تقاسم السلطة مع قوى وطنية مستقلة. الإصلاح الحقيقي يتطلب إرادة وطنية جادة ورغبة في كسر القوالب القديمة، وليس مجرد تكرار نفس السيناريوهات تحت مسميات جديدة.
ما هو المطلوب؟
الشعب العراقي بحاجة إلى مبادرات حقيقية، تبدأ من الاعتراف بالواقع وتقديم حلول جذرية. بتفعيل الخطاب الوطني بديلا عن الخطاب الطائفي الذي مزق وحدة الشعب، والعمل على تكريس السيادة الوطنية للعراق وتحرير قرارة الوطني من الهيمنه الخارجية وتمكين الشباب والكفاءات الوطنية وإطلاق حوار وطني شامل بعيدًا عن هذه النخبة الفاسدة. أما المؤتمرات الشكلية مثل هذا، فهي ليست سوى “فرصة ضائعة” أخرى تُضاف إلى سجل طويل من الإخفاقات، وتُعد مسرحية للضحك على ذقون الشعب الذي اختبرهم جيدا وبات يدرك تماما فشلهم السياسي على مدى عقدين من عمر العراقيين .
رسالة إلى الشعب
الكرة الآن في ملعب الشعب. المطلوب هو الإصرار على التغيير الحقيقي، ورفض هذه المسرحيات السياسية المكشوفة. العراق لا يحتمل مزيدًا من الفرص الضائعة، وأي تأخير في مواجهة هذه الطبقة الفاسدة يعني المزيد من المعاناة والانحدار نحو المجهول.
“مبادرة الفرصة الضائعة” ليست إلا عنوانًا جديدًا للمأساة ذاتها. والدرس الذي يجب أن نتعلمه جميعًا هو أن التغيير لن يأتي من داخل تلك الطبقة السياسية، بل من إرادة شعبية صادقة تفرض نفسها على المشهد السياسي مهما كانت التحديات.
هذا المؤتمر لا يعدو كونه محاولة يائسة لتلميع وجوه من نفس القوى السياسية التي أوصلت العراق إلى هذا الواقع البائس .