مبدأ ترامب

1

 

علي عقلة عرسان

هناك قضايا عادلة، تتعلق بأشخاص وفئات وشعوب ودول، تلقى دعما واهتماما ودفاعا عنها، وهناك قضايا عادلة مثلها تلقى إهمالا تاما، بل وسوء تفسير وتدبير.. وهناك قضايا غير عادلة تتلقى من الدَّعم والدفاع عنها أضعاف أضعاف ما تتلقاه قضايا عادلة.. إن هذا مثير وخطير من جانب، ومعبِّر عن مدى سوء التفكير والتقدير والظلم، والانحدار الأخلاقي والانحطاط السياسي في عالمنا. القوة والمال والإعلام، في عصابة من العنصريين يقودها مجرمون معاتيه، يلعب دورا كبيرا في زلزلة العدل والقيم والمجتمعات والدول، بل يلعب دورا أكثر خطورة حيث يدمِّر الذاكرة والوجدان والإرادة والمعايير السليمة، ويقلب أمورا رأسا على عقب.. فيصبح صاحب الحق مبطِلا وضحية، ومَن يتمسك بالعدل والحق والحرية المسؤولة متهما ومدانا وملاحقا بتشويه وافتراء وتواطؤ مقصود وعدوان.. ويصبح الإرهابي الدولي، والمجرم والقوي الأحمق الخارج على القانون والدين والعُرف السليم، الآخذ بالباطل بغرور وفجور.. يصبح عاقلا عادلا حاكما مدعّما بكل أنواع الدعم والإسناد والاهتمام، ومزوَّدا بوسائل العدوان والقتل بذريعة الدفاع النفس، وعن الأمن والعدل والسلم”؟!؟!”، وتبدو صفحته ناصعة البياض، ويُعلَن شمسا يلاحق نورُها الظلام؟!.. عالم مقلوب، يصنع منه المعاتيه جهنم للناس، ويسوطونهم بالقوة والمال والإعلام والفساد الفكري والروحي؟!
وفي هذا العالم “الجهنم” الذي يصنعه المعاتيه البُغاة، يبقى السؤال، سؤال الحكم والحكمة والخلاص، معلقا برقاب الضحايا، توصلهم الإجابات الصحيحة عليه إلى فكر وفعل وتقدير وتدبير.. يصلهم إلى اقتناع تام بأن الحقيقة قوة منقذة، ينبغي أن تدعمها كلُّ قوة، وأنها تنطوي على العدل وينطوي عليها العدل، وأنها يجب أن تُرْفَع فوق كل الاعتبارات والمصالح والصلات والقرابات والمنافع.. عندها يتمكن العادلون الشجعان الواعون المظلومون والضحايا من الوصول إلى أحكام قيمة سليمة على السياسات والممارسات، على الأفعال والأشخاص والإنجازات والأفكار والإبداع.. وعندها يبدؤون الخطو نحو بناء عالم ليس هو جنة الناس بالضرورة، ولكنه ليس جحيمهم بكل تأكيد.
منذ بداية الأزمة في سوريا عام ٢٠١١ كان الهدف إدخالنا الجحيم، وجعلنا نقيم هناك إقامة طويلة.. هذا كان هو الهدف الخفي لمن يحركون الأيدي القذرة ويشعلون النار.. وبدأ تدمير مواقع الدفاع الجوي، ومحطات الرادار، والثكنات العسكرية و.. و.. كان الهدف إدخال الشعب والبلاد والأمة العربية إلى جهنم الفتنة، إلى التدابر والتآكل والتقاتل.. وصولا إلى المآل والقرار اللذين عمِلت عليهما كتلة التآمر والشر والعنصرية القذرة، دولة الإرهاب “إسرائيل” ومن خلفها الولايات المتحدة الأميركية، وهما المآل والقرار اللذان أعلنتهما مؤخرا بلسان “دونالد ترامب” يوم ٢٥/٣/٢٠١٩: “جعل سوريا مشلولة، وجيشها “ليس موجودا؟!”، حسب تعبير عسكريين وسياسيين “إسرائيليين”، قالوا هذا ورسخوه مرارا وتكرارا.
ففي عام ٢٠١٥ قال جنرالات “إسرائيليون”، منهم الجنرال يائير جولان: “الجيش السوري لم يعد موجودا”.. وفي وقت لاحق، قال الوزير السابق “دان مريدور” لـجريدة يديعوت أحرونوت: “ضعف سوريا، وانشغال أغلبية الدول العربية بشؤونها الداخلية، ينطويان على تطوّر إيجابي بالنسبة إلى إسرائيل”/ عن ناحوم برنياع/.. وقال ساسة صهاينة محتلون “الظروف تغيَّرَت، الجولان صار لنا، وعلينا أن نسعى لاعتراف الولايات المتحدة وروسيا بذلك “.. وبدأ العزف على هذا الوتر بمقالات وتصريحات لسياسيين وعسكريين إسرائيليين، وبجهود برلمانيين صهاينة أميركيين، وبضغط اللوبي اليهودي في الولايات المتحدة الأميركية على صناع القرار هناك.. ووصل الأمر إلى حدِّ أن طالب نتنياهو من موسكو وواشنطن علنا، في زيارات متكررة له لهما، طالب بإعلان الموافقة على ضم إسرائيل للجولان، وبدأ يطالب حلفاء دولة الإرهاب الصهيوني “إسرائيل” علنا أيضا، بالموافقة على ضم الجولان رسميا إلى “إسرائيل”، ويطلب من عرب مرتبطين معه بعلاقات من فوق الطاولة ومن تحتها، بالسكوت على ذلك الأمر، إن هم لم يستطيعوا تأييده رسميا وعلنا.. وطالب نتنياهو الولايات المتحدة وروسيا الاتحادية “الاعتراف بالأمر الواقع” فالجولان ضمته “إسرائيل” إليها منذ عام ١٩٨١، وهي هناك تسيطر وتبني..؟! كما طالب الساسة الأوروبيين بالأمر ذاته، من دون ردع معلن من أي طرف.. وجاءت لحظة المندفع ترامب ليفعل ذلك، بعَمَهٍ وتطرف وانسياق أعمى لا مثيل له وراء الصهيونية ومطالب نتنياهو.. فأعلن عن “الاعتراف بضم الجولان السوري المحتل إلى إسرائيل؟!”، في سابقة أكثر من خطيرة، سابقة رفضتها سوريا ورفضها العالم أجمع، قائلا بصلف وغطرسة: “إنني أتخذ اليوم خطوة تاريخية لدعم قدرات إسرائيل في الدفاع عن ذاتها، والتمتع بمستوى عالٍ من الأمن الذي تستحقه.. إسرائيل سيطرت على مرتفعات الجولان عام 1967 لحماية نفسها من التهديدات المقبلة”… وأخذت الأوساط الصهيونية والأميركية والاستعمارية تروِّج لهذه السابقة الخطيرة، بوصفها مبدأ دوليا جديدا، و”ثورة فكرية في كل ما كان دارجا التفكير فيه في العالم على مدى عشرات السنوات الأخيرة، عن تثبيت الحدود السياسية.”؟!، بجعل أي احتلال يخلق واقعا جديدا في أن يغير الجغرافيا السياسية للدول.. وهذا يجيز أخذ أرض الغير بالقوة؟! وهو يهدم ميثاق الأمم المتحدة، ويناقض القانون الدولي وينقضه. ولا تستغربوا إذا ما أعلَن في يوم من الأيام المتبقية لولاية ترامب أو بعد انتهاء ولايته، عن “مبدأ ترامب” كفتح في السياسة الدولية والتاريخ الأميركي ـ الصهيوني.. فشأن هذا الرئيس هو ومعاتيه كثر في التاريخ أوردوا العالم موارد الفوضى والهلاك، أن يكرَّموا على جرائمهم وحمقهم وقوتهم العمياء، وأن ترسَّخ ممارساتهم الشاذة “مبادئ دولية وقواعد وقوانين؟!”، وتنشر مبادئ من طرف مزوِّري التاريخ والحقائق والوقائع عبر العصور، وعلى رأسهم “اليهود”، والصهاينة من بين اليهود.
وقد بدأ نزيز الصديد السياسي العفن بإعلان نتنياهو في ٢٣ نيسان الماضي، أنه سيقيم مستوطنة في الجولان باسم «ترامب» تكريما له.. وذكر موقع مجلة «ماكور ريشون» العبرية، في ٨/٥/٢٠١٩ “أن نتنياهو سيضع حجر أساس بناء المستوطنة الجديدة باسم ترامب في الجولان، بداية أو منتصف الشهر المقبل.. وأنها ستبنى قرب مستوطنة «كيلع ألون» شمال الجولان”. وكيلع ألون هذه بُنيت على أراضي قرى ومزارع سورية في الجولان السوري المحتل، دمَّرها العدو الصهيوني، وهي: “واسط ـ السمك ـ الظاهرية ـ القنعبة ـ زغرتا ـ خربة بيدا”.. شأنها في ذلك التدمير شأن قرى ومزارع كثيرة دمرها الصهاينة في الجولان، حيث أقام هناك أكثر من ٢٣ مستوطنة حتى الآن.
ألا .. فتبصروا وتدبروا أموركم واعتبروا يا مَن تؤزون النار تحت جسد أمتكم، وتشعلون نار الحرب في بلدانكم، وتوالون أعداءكم، وإرهابيين مجرمين يستهدفون هويتكم ودينكم وثرواتكم ومصالحكم ووجودكم ذاته.. ألا وتداركوا نارا تكرج في جغرافيا الوطن العربي والعالم الإسلامي، وقودها أنتم، وحطبها أنتم، وزيتها أنتم.. والثمار لعدوكم العنصري المحتل البغيض.

التعليقات معطلة.