اهتمت وسائل الإعلام المصرية بمشاركة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين مع الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي في مشاهدة لحظة صب الخرسانة الأولى في قاعدة وحدة الكهرباء رقم 4 بمحطة الضبعة النووية.
وألقى الرئيسان كلمتين خلال مشاركتهما عبر تقنية الـ”فيديو كونفرانس”، وعبرا عن أهمية المشروع النووي، الذي يعد الأول من نوعه في مصر، وتنفذه شركة “روساتوم” (Rosatom) الروسية. كما حرصا على الإشارة إلى أواصر الصداقة والتعاون التي تربط بين بلديهما منذ عقود.
وقال الرئيس المصري في كلمته: “هذه اللحظة التاريخية ستظل خالدة في تاريخ وذاكرة هذه الأمة، وشاهدة على إرادة هذا الشعب العظيم، الذي صنع بعزيمته وإصراره وجهده التاريخ على مر العصور، وها هو اليوم يكتب تاريخاً جديداً بتحقيقه حلماً طالما راود جموع المصريين، بامتلاك محطات نووية سلمية”.
ولفت الرئيس الروسي إلى أنه “في القرن الماضي شارك الخبراء السوفيات بشكل كبير في قطاعات الاقتصاد والدفاع في مصر، وقدموا عدداً من المشاريع مثل السد العالي”، مشيراً إلى أن “التعاون بين روسيا ومصر مستمر ومتطور. مصر صديق مقرّب منا وشريك استراتيجي”.
متابعة شخصية
وإضافة إلى التقارب المصري – الروسي الذي بدأ منذ تولي السيسي السلطة في عام 2014، تحرص القاهرة على تعدد علاقاتها وتعاونها مع كافة العواصم المؤثرة في العالم.
وتقول أستاذة العلوم السياسية وعضو الهيئة الاستشارية للمجلس المصري للفكر والدراسات الاستراتيجية الدكتورة نهى بكر إن “تدشين المحطة، اليوم، بمشاركة الرئيسين هو استمرار وتأكيد على تعددية علاقات مصر الخارجية، وتعددية التعاون الاقتصادي مع القوى الدولية والإقليمية، وهي أحد محاور استراتيجية مصر في السياسة الخارجية منذ تولي الرئيس السيسي الحكم”.
واعتبرت أستاذة العلوم السياسية أن “مشاركة بوتين في ظروف حرب روسيا وأوكرانيا تؤكد علي أهمية المشروع، وأهمية العلاقات المصرية – الروسية لموسكو، في فترة تمر الأخيرة بوضع تجد معارضة دولية بسب الحرب الدائرة (في أوكرانيا)”.
وأشارت بكر إلى أن “مشروع محطة الضبعة النووية ينال اهتمام القيادة السياسية في البلدين، إذ يتابعه الرئيس الروسي متابعة شخصية، ويحظى باهتمام شخصي من الرئيس السيسي، ولذلك كان قرارهما توقيع مصر وروسيا عقد محطة الضبعة النووية، بـ4 مفاعلات نووية من الجيل “الثالث+”، بقدرة للمفاعل الواحد 1200 ميغاواط،
حلم مصري قديم
بدأ طموح المصريين في الدخول إلى مجال الاستخدام السلمي للطاقة النووية في خمسينات القرن الماضي، حينما وقع الرئيس المصري جمال عبد الناصر اتفاقية الذرة من أجل السلام مع الاتحاد السوفياتي، عام 1955. وفي العام 1961 أنشأت مصر محطة “أنشاص” للأبحاث والتدريب، بدعم روسي.
وبعد تولي الرئيس محمد حسني مبارك السلطة، شرعت مصر في إنشاء محطة لتوليد الطاقة الكهربائية عام 1983، لكن كارثة التسرب الإشعاعي التي وقعت في محطة تشيرنوبل عام 1986 دفعت مصر إلى إرجاء المشروع.
وعاد الطموح يتجدد في عام 2002، وأعلنت القاهرة نيتها إنشاء محطة ذرية في غضون 8 سنوات بالتعاون مع الصين وكوريا الجنوبية. وبقى المشروع معلقاً لسنوات، ثم عاد الرئيس مبارك وأعرب عن نيته في إنشاء المحطة بتكلفة 4 مليارات دولار بمنطقة الضبعة.
وبعد تنحي مبارك عن الحكم على خلفية تظاهرات شعبية في 25 كانون الثاني (يناير) 2011، داعبت “جماعة الإخوان المسلمين” التي صعدت إلى السلطة، مشاعر المصريين عبر تصريحات للرئيس الإخواني محمد مرسي، وعد خلالها أهالي الضبعة بتعويضهم مالياً عن قطعة الأرض التي سوف يقام عليها المشروع النووي، لكن المواطنين تظاهروا ضد قراره ورفضوا التخلي عن الأرض.
وبدأ السيسي الذي تولى السلطة في حزيران (يونيو) عام 2014 في اتخاذ خطوات عملية لتنفيذ المشروع، الذي طال انتظاره، ووقع اختيار الدولة المصرية على الشركة الروسية التي قدمت أفضل عرض لتنفيذه، بعد التنافس مع 5 شركات أخرى من الصين وفرنسا واليابان والولايات المتحدة وكوريا الجنوبية.
مصيدة قلب المفاعل للوحدة النووية الثانية خلال وصولها لموقع المحطة نهايات عام 2023
وتم توقع عقد التنفيذ في عام 2017 مع الجانب الروسي، وأكملت القاهرة خطواتها نحو تحقيق حلمها القديم الذي يتكلف قرابة 25 مليار دولار أميركي، رغم الأزمة الاقتصادية الطاحنة التي تمر بها، وربما ساعدها على ذلك الليونة في عملية الدفع والتي تمتد لنحو 22 عاماً.