العربي الجديد
من بين المتاحف الموزَّعة في محافظات عراقيّة عدّة، والتي تختصّ غالبيّتها بالمقتنيات الأثرية والتراثية والفنّية، لم يكن هناك سوى متحفين خاصَّين بالأدب؛ هُما “بيت السيّاب الثقافي” الذي افتُتح عام 2015 في بيت الشاعر العراقي الراحل (1926 – 1964) بمسقط رأسه؛ قرية جيكور في محافظة البصرة، ويضمّ آثاره ومنتدىً ثقافيّاً، و”متحف محمّد مهدي الجواهري”، الذي افتُتح في العام نفسه، ويضمّ مقتنيات الشاعر (1899 – 1997) وبعض ما ترك.
افتُتح المتحفان استجابةً لدعوات عددٍ غير قليل من الكتّاب العراقيّين للعناية بما بقي من آثار الكتّاب والشعراء والمفكّرين الراحلين والمحافظة عليها. وفي هذا السياق، يأتي “متحف الأدباء” الذي افتتحه “اتّحاد الأدباء والكتّاب العراقييّن”، الأربعاء الماضي، في مقرّه وسط بغداد.
يشغل المتحف الجديد قاعة واسعة من مبنى الاتحاد، ويشمل “فاترينات” مخصَّصة لكلّ كاتب؛ تحتوي على صورة له وإضاءة على سيرته وأهمّ أعماله، إلى جانب مخطوطات لأعمال شعرية وسردية ونقدية، وتخطيطات فنّية لبعض الكتّاب، إضافةً إلى مقتنيات شخصيّة أُخرى؛ من أقلام ونظّارات وساعات وصُوَر قديمة، وبعض الملابس والقِطع؛ مثل طاقيّة للجواهري، وعبّاءة لمصطفى جمال الدين، وعود للموسيقار محمّد جواد أموري.
مُحاوَلةٌ لحفظ الأدب العراقي والتعريف بصُنّاعه
إلى جانب ذلك، يضمّ المتحف تماثيل وبورتريهات لكتّاب أنجزها عددٌ من النحّاتين والتشكيليّين، بالإضافة إلى مكتبات مصغّرة لكلّ شخصيّة، وهي تشتمل على أهمّ الكتب النادرة بطبعاتها وعناوينها. كما خُصِّصت زاوية منه لـ “الأديب العراقي”؛ ثاني أقدم مجلَّة ثقافية عراقية (بعد “الثقافة الجديدة”) لا تزال مستمرَّة الصدور؛ حيثُ تُعرض، في هذه الزاوية، جميع الأعداد الصادرة على مدى اثنين وستّين عاماً (1961 – 2023).
ومن الأسماء الأدبيّة التي خُصِّصت لها زوايا في المتحف، سواء بالمقتنيات الشخصية أو بلوحات أو تماثيل: مظفّر النواب، وسعدي يوسف، وبدر شاكر السياب، وغائب طعمة فرمان، وبلند الحيدري، ورشدي العامل، وعبد الملك النوري، وعبد الوهاب البياتي.
عن أهمّية المتحف ودوره في حفظ الذاكرة الأدبية، يقول رئيس الاتحاد، الناقد والكاتب علي حسن الفواز، في حديث إلى “العربي الجديد”: إن كان المتحف، بمعناه الواسع، فضاءً لحفظ الأثر الإنساني والحضاري والتعريف به، فإنّه، في السياق الأدبي، محاولةٌ لصنع حياة ووجود آخرَين، من خلال تخليد الأدب وصنّاعه وتعريف الأجيال الجديدة بهم. ما يُعطي لمتحف الأدباء أهميّته هو محاولته الإسهام في صنع تلك الحياة وخلق تقاليد للتواصل المعرفي والثقافي. من شأن هذا أن يؤسّس لثقافة متحفية تؤكّد أهميّة حفظ الأثر، بما يعزّز حفظ الهوية الثقافية العراقية”.
وعن جمْع مقتنيات المتحف الجديد، يقول الفواز: “عملنا في الاتحاد على التواصل مع أُسَر كتّابنا الروّاد، للحصول على بعض مخطوطاتهم ومقتنياتهم الشخصية، بغرض عرضها والتعريف بها، ولفت الأنظار إلى دورهم الكبير في مسار التحوّلات الثقافية العراقية”، مُضيفاً: “سنعمل على جعل هذا المتحف، وهو الأوّل من نوعه في العراق، فضاءً للتعريف بالأجيال الثقافية المتعدّدة، عبر تجديد معروضاته وتحديث تقنيات العرض، كي يكون شاملاً ومفتوحاً أمام الزوّار”.
أمّا عن معايير اختيار الكتّاب لضمّ أسمائهم ومقتنياتهم إلى المتحف، فيقول: “ليس هناك من معيار سياسي أو أيديولوجي لتحديد الأسماء. المعيار الوحيد هو الحضور الأدبي وقيمة الأثر الذي تركه الكتّاب في تاريخنا الثقافي”.