متى تنتهى الحرب يا تُرى؟

1

عبد المنعم سعيد

السؤال الذى لا يكف الناس والأقرباء وممثلو أشكال الإعلام عن طرحه هو متى تنتهى الحرب، التى لم تعد حرب «غزة الخامسة»، أى بعد أربع حروب سابقة؛ وإنما باتت حربًا متعددة الأذرع. ذراعها الأصلية كانت فى غزة شمالًا وجنوبًا ووسطًا فى كل الأحوال؛ ولكنها كانت تتمدد بأشكال مختلفة إلى الضفة الغربية، بينما تقوم إسرائيل بحرب يُقال عنها ما بين الحروب فى سوريا، حيث يتم قصف مخازن للذخيرة والصواريخ وفى القنصليات جنرالات من إيران.

الحرب الرابعة تُعتبر من الناحية العسكرية البحتة هى التى دارت وتدور على الجبهة اللبنانية، التى نجح فيها الطرفان إسرائيل وحزب الله فى إجبار الطرف الآخر على إجلاء سكانها من شمال إسرائيل وجنوب لبنان، وحتى الآن فإن القصف لم يتوقف، حتى بعد نوبة الاغتيالات الكبرى التى جرت لكوادر حزب الله حتى وصلت إلى السيد حسن نصرالله. الحرب الخامسة ذات طبيعة مختلفة، فهى تجرى مع العالم كله عند مضيق باب المندب وداخل البحر الأحمر، حيث عزم الحوثيون على إنقاذ غزة من خلال منع التجارة الدولية وإغلاق الملاحة فى قناة السويس بإطلاق صواريخ- أيضًا- إلى إيلات تسقط فى طريقها على دهب ونويبع فى مصر أو تكتفى بمنع الإبحار من خلال قناة السويس المصرية. فى هذه الحرب فإن إسرائيل لم ترسل أسطولًا لمهاجمة الحوثيين، وإنما أرسلت طائراتها إلى مدى 1800 كم لكى تحرق ميناء الحديدة وما يحيط به من مخازن ومنصات إطلاق الصواريخ. الحرب السادسة ليست فى سخونة الحروب السابقة، وتجرى ما بين قوات الحشد الشعبى، وحزب الله أيضًا فى العراق حيث تطلق الصواريخ على إسرائيل، ويبدو أن إسرائيل قد قررت تأجيل الضرب فيها إلى ما بعد تقرير مصير الحرب السابعة، وهى التى تتم مع القاعدة الأم، ممثلة فى إيران، التى خاضت حروبًا تمثيلية بينها وبين إسرائيل، ووقت كتابة المقال قبل أسبوع، كانت الكرة فى ملعب إسرائيل، التى لا أظن أنها سوف تكون قد انتظرت حتى يصل هذا المقال إلى القراء.

كثرة الحروب على هذا النحو تمنع الإجابة عن السؤال أعلاه، وما حدث فعلًا أن هناك عزمًا شديدًا على استمرار القتال: إسرائيل لأنها تريد تصفية أعدائها مرة واحدة؛ ولأن الولايات المتحدة مشغولة بانتخاباتها الرئاسية، التى لا يبدو أنها سوف تمر على خير لأن السيد ترامب مصمم على الطعن فى نزاهة الانتخابات إذا لم يتيسر له الفوز بها. جميع خصوم إسرائيل فى غزة والضفة وسوريا ولبنان وباب المندب وبغداد استمروا فى القتال، بعد أن فقدوا قيادات مهمة وتاريخية، مع انتظار نتيجة الحرب السابعة، التى أعلنت إسرائيل فيها أنها لن تضرب محطات النفط، ولا محطات الذرة؛ وإنما سوف تضرب القواعد العسكرية. تم ذلك الإعلان بوضوح من خلال التسريب، وهو أمر لم يحدث بهذا الشكل منذ قيام أمريكا بإذاعة أخبار الغزو الروسى لأوكرانيا وتفاصيله قبل وقوعه، بينما يؤكد السيد بوتين أنه لا ينوى عبور الحدود إلى دولة الجوار. الحقيقة الباقية أن هناك زخمًا كبيرًا لدى المقاتلين، الذين لا يفت فى عضدهم اغتيال نصرالله أو الضيف أو السنوار. أما إسرائيل فإن نتنياهو وجميع أركان «اليهودية السياسية»، أى المقابل الموضوعى للإسلام السياسى، مصممون على استمرار الحرب مع تذكير الأطراف الأخرى بأن إسرائيل بدأت وجودها بمحاربة سبع دول عربية عام 1948.

السؤال هكذا تستحيل الإجابة عنه، بل لعله كان دائمًا خلال كل الحروب، حيث كانت الإجابة أحيانًا هى أن وقف إطلاق النار سوف يحدث فى «الكريسماس»، وكأن قرارات الحرب ترتبط بالإجازات السنوية. وفى العموم فإن هناك معضلات فى الإجابة عن السؤال ليس فقط فى الزخم الداخلى، وإنما لأنه من الصعب فى حروب الميليشيات الأيديولوجية أن يقف أحد لإطلاق النار، بينما يباركه الآخرون من الفصائل، وعلى الأرجح أن المزايدة تكون حادة وحارة. وعندما يعتمد طرف على الولايات المتحدة مثل إسرائيل فإنه يشعر بالكثير من الاطمئنان لأنها دائمًا لا تتوقف عن إجراء انتخابات من نوع أو آخر بما يكفى بقاء واشنطن موالية لحلفائها. ما يعنيه ذلك أن الحرب لم تعد قائمة بالمعنى الذى نعرفه تاريخيًّا، حيث يقع السلام أو ينتصر طرف على آخر، وإنما هى مطحنة هدفها إيذاء الآخر إلى آخر المدى الممكن الوصول إليه. على كثرة الحروب العربية الإسرائيلية، فإن حجم التدمير والقتل والنزوح لم يصل إلى ما وصل إليه فى هذه الحرب، التى باتت لها مفرداتها الخاصة من الاغتيالات والغارات والغارات المضادة وانتظار رحمة السماء.

التعليقات معطلة.