ويقولون في الدرامي: موش آنه الك بوهات.. ول ول يدكره.. اشلون أكول هواي.. وشلون انكره؟ ولا يمكن أن يفهم هذا الدرامي دون معرفة معنى “البوه” و”الدكره” معجميا ثم دلالتهما في السياق وفي الثقافة
الاجتماعية. هنا نقول إن الـ”بوه” يعني التبن الملتصق بالرز، وهو يفصل أثناء عملة درس الرز بوساطة آلة “الدكره” التي يقول التراثيون إنها عبارة عن خشبة لها ذراع طويله تنتهي بإصبعين طويلين وتستخدم لذلك الغرض، فصل التبن عن الرز.
والطريف أنهم، من هذه العملية بالذات، اشتقوا كناية تقول: فلان دكرة، أي أنه ماشة نار تستخدم كواجهة للقيام بأمر سيئ يتحرج أصحابه من القيام به.
تراهم يقولون تحذيرا لمن يندفع ليكون ملقط نار: لا تصير ماشة نار، بمعنى أن لا تضع نفسك بوجه المدفع. كذلك يقولون بالمعنى عينه: فلان وجه كباحة، أي انه صار واجهة لإبراز القبيح من المواقف بدلا عن أناس ما قد يكونون وراء دفعه ليكون كذلك، أو لعله هو من يتبرع بلعب هذا الدور، دور وجه القباحة، الذي يكون مكروها في الغالب وقد يلام بسبب لعبه. لماذا يلام “وجه القباحة”؟ لأن المتوقع دائما أن يتصالح الطرفان اللذان دخل بينهما وبات ماشة نار لهذا على ذاك. وهنا يحرج “الدكره” و”يطلع بالوجه الأسود والمصخم” كما
يقولون.
شبيه بهذا أيضا وأيضا ما يقولونه في كناية أخرى جد بليغة تتعلق بالوجوه “القبيحة” نفسها. إنهم يقولون: “ فلان لبس وجه الجينكو”، أي إنه أظهر أسوأ ما فيه ووارى أفضل ما يملك، خلف قناع معدني ساكن
وبارد.
بلاغة الكناية آتية من استخدام فعل التقنع لإبراز دلالة إظهار القبح وإخفاء الحسن. لكأن مشتقي الكناية لحظوا مقدار صعوبة تحكم المرء بمشاعره وانفعالاته المتبدية على قسمات وجهه، لهذا شبهوا الأمر بلبس القناع المعدني، لأن لابس القناع لن يظهر من انفعالاته
شيئا.
والملاحظ بهذا الخصوص أنهم يكررون استخدام الوجه كونه الباب الأبرز المفضي لباطن النفس، وعن طريقه يتبين ما فيها.
إن غضبت ظهر ذلك على الوجه وإن فرحت ارتسم الفرح في المحيا، ولذا قالوا لمن يتبدل حاله فجأة ـ أشو انكلب وجهك؟ أو ـ أشو اليوم كالب وجهك؟ بل بالمنطق عينه قالوا عمن يأتي غاضبا إن وجهه “ما يكصه السيف”، بمعنى أن ملامحه تبدو متصلبة متجمدة ولا حياة فيها، وهذا آت من مقدار احتقانها الداخلي.
لذا يعجز السيف عن تقطيع تلك الملامح. مجاز يلهث خلف مجاز، ومجاز يمسك بعنق مجاز وصولا إلى لحظة نبين فيها ما نريد إيصاله بأدق صور البلاغة وأشكالها فتأمل.