تحدثت مجلة أمريكية عن تداعيات تضحية الولايات المتحدة بالكورد، خاصة بعد أن سمحت واشنطن العام الماضي للحكومة العراقية بالسيطرة على المناطق المتنازع عليها والمنافذ الحدودية والمطارات في اقليم كوردستان.
جاء ذلك في مقال للسفير الأمريكي السابق في كرواتيا، ومؤلف كتاب “نهاية العراق: كيف أدى العجز الأمريكي إلى حرب بلا نهاية”، بيتر دبليو غالبريث ويناقش فيه التحالفات في العراق اليوم، ودور الكورد فيه، حسب مانشرته مجلة “فورين بوليسي” الامريكية.
وجاء في مقال غالبريث أنه “في السياسة الخارجية، كما في الحياة، فكرة جيدة أن تكون جيدا لأصدقائك فأنت لا تعرف متى ستحتاجهم، ففي الشهر الماضي دعا وزير الخارجية مايك بومبيو زعيم أكبر حزب في كوردستان العراق مسعود بارزاني لمساعدته في تأمين ولاية ثانية لرئيس الوزراء العراقي، وبالتالي عرقلة مسار الكتلة التي تدعمها إيران”.
ويقول الكاتب في مقاله، إنه “في الماضي كانت الإجابة المتوقعة من الكورد هي نعم، لكن الإدارة الأمريكية لدونالد ترامب سمحت في تشرين الأول العام الماضي، لقائد مليشيا شيعية باستخدام مصفحات وفرتها الولايات المتحدة في عملية ضد الكورد، وجهها قائد فيلق القدس قاسم سليماني، وليس من المستغرب ألا يستجيب الكورد لمطلب حليف فقدوا الثقة فيه”.
ويشير غالبريث إلى أن “الفرق واضح عن السنوات الماضية، ففي عام 2010 عندما طلبت الولايات المتحدة دعم ولاية ثانية لنوري المالكي، استجاب بارزاني حالا، وهو قرار سيندم الكورد والولايات المتحدة عليه، وفي حزيران عندما قام وزير الخارجية جون كيري بزيارة مفاجئة إلى إربيل، عاصمة إقليم كردستان، ليطلب من بارزاني تأجيل خطة الاستفتاء على الإقليم لحين الانتهاء من مواجهة تنظيم داعش، ووافق الكورد على الطلب”.
ويبين الكاتب أنه “بوجود كتلة من 50 نائبا في البرلمان المنتخب جديدا، بالإضافة إلى مقاعد حلفائهم السنة، فهم في وضع ليقرروا من هو رئيس الوزراء العراقي المقبل، والسبب لأن الانتخابات التي جرت في 12 أيار انتهت بطريق مسدود بين الكتلتين الشيعيتين؛ الأولى مشتركة بين رئيس الوزراء الحالي حيدر العبادي ورجل الدين مقتدى الصدر، والثانية قادها رئيس الوزراء السابق نوري المالكي وزعيم الحشد الشعبي هادي العامري، وكلاهما لديه علاقات قوية مع إيران، بل قاتل العامري مع إيران في الحرب العراقية الإيرانية في ثمانينيات القرن الماضي، وفي الوقت الذي يعادي فيه الصدر إيران، إلا أنه قضى فيها أربعة أعوام، في الفترة ما بين 2007- 2011، والعبادي هو عضو في حزب الدعوة المقرب من إيران، إلا أنه ليس لصيقا بها مثل المالكي والعامري، وتخشى إدارة ترامب من نجاح هذين في تشكيل الحكومة المقبلة، ما سيكون نكسة لسياسة تهدف لتحقيق العكس”.
ويقول غالبريث: “هنا يأتي دور الكورد، فبعد الانتخابات شكل زعيم الحزب الديمقراطي الكوردستاني مسعود بارزاني تحالفا مع الأحزاب الكوردية الأخرى، مثل الاتحاد الوطني الكوردستاني، وقام الحزبان بعقد صفقة مع الكتلة السنية (تحالف المحور الوطني) للاختيار بين الكتلتين الشيعيتين، ويمنح هذا التحالف الكورد والسنة ما بين 60-90 مقعدا في البرلمان العراقي الجديد، وهذا يعتمد على التزام أعضائه في التعامل مع الكتلتين، أو يقوم بعضهم بعقد تحالفاتهم الخاصة مع واحدة منهما”.
ويجد الكاتب أنه “أيا كانت الحال، فإن السنة الكورد هم صناع الملك الآن، وكونه زعيم أكبر الأحزاب الكوردية فإن بارزاني سيكون في وضع يقرر فيه الطريقة التي سيمضي فيها الكورد، والمشكلة التي تعاني منها إدارة ترامب هي أن بارزاني لم يعد يؤمن أنه يستطيع الاعتماد على الولايات المتحدة، فبعد استجابتهم لطلب كيري تأجيل الاستفتاء في وقت كان يواجه فيه العراق انهيارا تاما عام 2014، فإنهم قرروا العام الماضي، مع هزيمة تنظيم داعش، تحقيق حلم الاستقلال الذي انتظروه”.
وينوه غالبريث إلى أن “مفوضية الانتخابات أعلنت في حزيران عن موعد الاستفتاء في 25 أيلول/ سبتمبر 2017، وظلت إدارة ترامب صامتة طوال الصيف، لكنها قامت بحملة في أيلول للضغط على بارزاني لتأجيل الاستفتاء أو إلغائه، وقدم وزير الخارجية الأمريكي في حينه ريكس تيلرسون، وقبل يومين من موعد الاستفتاء، عرضا يدعو إلى تأجيل الاستفتاء مقابل مساعدة الولايات المتحدة على حل المشكلات العالقة بين بغداد وإربيل، و”لو ظلت الأمور عالقة فعندها ستعترف واشنطن بالحاجة للاستفتاء”.
ويفيد الكاتب بأن “بارزاني تردد في تصديق كلام وزير كان في طريقه للخروج من الإدارة، ومن الناحية العملية كان من الصعب إلغاء استفتاء يريده الكورد بقوة قبل يومين من موعده، وصوت الكورد بنسبة 93% لصالح الاستقلال، وقرر العبادي تلقين الكورد درسا، حيث أغلق الاجواء الجوية لكوردستان، وقطع النظام المصرفي عنها، وأمر بالهجوم على مدينة كركوك، التي سيطر عليها الكورد بعدما تركها الجيش العراقي لتنظيم داعش عام 2014، وبدلا من الاعتماد على الجيش العراقي النظامي، المعروف بعدم فاعليته، فإن العبادي سمح لمقاتلي الحشد الشعبي بقيادة الهجوم”.
ويقول غالبريث إن “العبادي كونه زعيم حرب هزم تنظيم داعش، ووضع الكورد في مكانهم، اعتقد أنه سيضمن له ولاية ثانية، بل سمى تحالفه باسم (النصر)”.
ويبين الكاتب أن “هذا الحادث ترك بارزاني والكورد بشكل عام غاضبين ومصدومين، حيث تركز معظم غضبهم ولا يزال على العبادي، وكما أخبرني أحد قادة الكورد، قائلا: (قطع المالكي عنا الميزانية، أما العبادي فهاجمنا)، إلا أن الهجوم أضعف من ثقة الكورد في الولايات المتحدة بصفتها حليفا لهم وبدلا من متابعة ما تريده أمريكا منهم، فإن السنة الكورد يقومون بالتفاوض مع الكتل الشيعية؛ لمعرفة أي منهما ستعطيهم الصفقة الجيدة”.
ويوضح غالبريث قائلا إن “السنة يريدون إعادة إعمار مناطقهم، وانسحاب المليشيات الشيعية منها، أما الكورد فيريدون قائمة من المطالب التي ضمنها لهم الدستور، بما فيها حصة مضمونة من الميزانية الفيدرالية، واعتراف بحقوقهم من الثروة النفطية، وإحصاء وطني لتحديد حصة كوردستان من الميزانية الفيدرالية، واستفتاء شعبي لتحديد وضعية مدينة كركوك، ورفض العبادي المطالب الكوردية كلها، باستثناء دفعات من الميزانية.