محادثات أمريكا وإيران في مسقط: عنوانها النووي والحقيقة تتعدى ذلك

6

 

 

تعود العاصمة العُمانية مسقط لتلعب دور الوسيط في واحدة من أكثر المحادثات حساسية في الشرق الأوسط، بين واشنطن وطهران. ورغم أن العنوان الرسمي لهذه الجولة هو “الملف النووي الإيراني”، إلا أن الحقائق التي تُناقش خلف الأبواب المغلقة تتعدى بكثير مسألة التخصيب والمفاعلات، وتمتد لتشمل النفوذ الإقليمي، توازن القوى، وخرائط ما بعد غزة واليمن والعراق.

النووي.. الغطاء لا الجوهر

واشنطن تدرك أن طهران لم تعد تشكل تهديدًا لمجرد اقترابها من عتبة السلاح النووي، بل لكونها تدير شبكة من النفوذ عبر وكلاء وأذرع مسلحة في عدد من الدول العربية. لذلك، فإن ما يجري في مسقط هو حوار متعدد المسارات، يحاول تقليص هذا النفوذ دون إشعال حرب جديدة.

مسقط.. الدبلوماسية الهادئة

السلطنة العُمانية، بخبرتها التراكمية في لعب دور “الوسيط الصامت”، وفّرت مرة أخرى مناخًا تفاوضيًا هادئًا بعيدًا عن الضغط الإعلامي. المحادثات الجارية لا تهدف فقط إلى إعادة إحياء الاتفاق النووي، بل إلى رسم خطوط تماس جديدة بين واشنطن وطهران تُراعي التغيرات التي فرضتها حرب غزة، وتبدل المزاج الإقليمي والدولي تجاه إيران.

إسرائيل.. ترقب وتحفّز

من جهتها، تراقب إسرائيل هذه المحادثات بعين القلق. تل أبيب تعتبر أن أي اتفاق لا يشمل تفكيك القدرات الصاروخية الإيرانية ولا يوقف نشاط الحرس الثوري في سوريا ولبنان هو تهديد وجودي مؤجل. ولهذا، تظل إسرائيل في حالة تأهب لاحتمال التحرك المنفرد، إذا شعرت أن واشنطن تذهب بعيدًا في “التهدئة مع طهران” على حساب أمنها القومي.

العراق.. حقل اختبار مبكر

العراق يُعد ساحة اختبار أولى لنتائج محادثات مسقط. أي تهدئة في استهداف القواعد الأمريكية أو انضباط في خطاب الفصائل المسلحة الموالية لطهران، قد تكون أولى المؤشرات على “تفاهم جزئي” بين واشنطن وطهران. الولايات المتحدة تسعى لتحجيم النفوذ الإيراني، دون الانزلاق إلى مواجهة، بينما تحاول إيران الحفاظ على نفوذها في بغداد، ولكن دون تكلفة مواجهة مباشرة.

التناقض الإيراني الداخلي

القيادة الإيرانية بدورها تعيش تناقضًا حادًا. الضغوط الاقتصادية والاحتجاجات الداخلية من جهة، والرغبة في تثبيت نفوذ خارجي من جهة أخرى، تضع صانعي القرار بين خيارين: التصعيد الحذر أو التفاوض المربح. ويبدو أن مسقط هي المنصة الأنسب لهذا التوازن الهش.

 شرق أوسط يُعاد رسمه

ما يجري في مسقط ليس مجرد بحث في نسب التخصيب أو آليات التفتيش، بل هو مفاوضة شاملة حول مستقبل النظام الإقليمي برمّته. خريطة النفوذ، استقرار الأنظمة، وموقع كل طرف في الترتيب الجديد، كلها على الطاولة. وقد لا تُعلن تفاصيل هذه الصفقة قريبًا، لكن آثارها قد تبدأ بالظهور تباعًا في العراق ولبنان وسوريا، وربما في مفاوضات أوسع تشمل اليمن مستقبلاً.

ما يبدو أنه تفاوض نووي هو في الحقيقة محاولة لصياغة “توازن رعب جديد”، 

 ؤأن ما يُناقش في مسقط يتجاوز النووي، ليطال مستقبل النفوذ، وهوية الحلفاء، ومصير الصراعات الممتدة من العراق إلى غزة، ومن بيروت إلى البحر الأحمر.

التعليقات معطلة.