الحديث عن الفساد من الأمور المغرية لدى كثير من الأحزاب والجهات السياسية، حتى أن المواطن نفسه بدأ يشعر بالغثيان، وهو يسمع هذا المسؤول، أو ذاك يكيل التُّهم لخصومه في إشاعة الفساد في البلاد، مع أنه لم يكن بعيدًا عن الحياة السياسية، بل منهم من كان فاعلًا وذات تأثير عبر دورات مجلس النواب السابقة، او أنه جزء من السلطة التنفيذية، الأمر الذي دعا المواطن المسكين إلى التلفت يمينًا ويسارًا، فلم يجد الا نفسه، ليتهمها بالفساد، وهو أمر فعلًا يدعو إلى السخرية، أن أحزابًا أو أشخاصًا، أو وسائل إعلام تدعي علنًا أنها تحارب الفساد، ولكنها في الوقت نفسه تمارسه جهارا نهارا، من دون أن تأخذ بنظر الاعتبار، الصيحات العديدة التي أطلقها السيد رئيس الوزراء، عبر حديث الثلاثاء الأسبوعي أو غير مناسبة، وتحاول بطريقة وأخرى ان تلتف على تلك الدعوات بضرورة إعادة المال العام والرجوع عن فسادها. بعد أن صارت محاربة الفساد حديثا يوميا يتداوله الناس في جلساتهم الخاصة وفي مواقفهم من العملية السياسية
كلها.
إن الفساد لم يكن واحدًا، بل ذا أشكال متعددة، لكنها تتعاون فيما بينها لتصبَّ في بوتقة الفساد المالي، فالذي يغفل الفساد الإداري، لا يتفاجأ بأنَّ يرى الفساد المالي يهز كيان الدولة كلها، والذي يتساهل في وصول بعض الشخصيات الضعيفة إلى مراكز القرار، يكون الحلقة الأضعف في العمل الإداري، ومن ثمَّ يكون بمقدور الأطراف الحزبية الأقوى أن تفرض إرادتها عليه ألا يتفاجأ أن يسود الفساد المالي، والاعتداء على المال العام بحجة واهية، بل بعضهم راح يتكئ على بعض الآراء الدينية ولا أقول الفتاوى الدينية، من أجل التغطية على ذلك النزيف الكبير في الأموال التي تذهب إلى جيوب الفاسدين، في حين يعاني المواطن العراقي الكثير من الازمات الاقتصادية التي تقلل من فرص انسجامه مع التحول السياسي الذي حدث بعد 2003.
ففي الحكومة الحالية، وحتى في ظل الحكومات السابقة، كان هناك بعض الحالات القليلة جدا التي حوكم أصحابها جرَّاء تلاعبهم بالمال العام، ولكن للأسف لم يكونوا هؤلاء من كبار السياسيين أو أصحاب النفوذ، وفي الغالب من صغار الموظفين والعسكر، ما حفز الناس في الوقوف مع دعوات رئيس الوزراء لمحاربة الفساد، فضلًا عن المواقف المؤيدة، والدعوات التي تبنتها المرجعية على مدى الأربع سنوات الماضية في ضرورة التصدي للمفسدين، لا سيما أن كثيرا من الأحزاب بدأت تشعر بخطورة وجود هؤلاء بينهم؛ لأن الشعب العراقي قد وصل إلى نتيجة مفادها أن لا اصلاح ولا بناء ولا ارتقاء بالعملية السياسية ما تواجه مافيات الفساد، واللجان الاقتصادية التي تشكلت في أغلب الأحزاب السياسية، وعلى مرمى من يد الحكومة، والسلطة التشريعية التي لم تحرك ساكنا إذ لم تزل مكبلة بقيودِ المحاصصة والتَّخندقات الطائفية والحزبية، وغير ذلك.
إن تحول محاربة الفساد إلى شعارات تتناقلها وسائل الاعلام على ألسنة المسؤولين والأحزاب، قد ترك أثره في تفاعل الناس مع هذه الشعارات، ومن ثم فقدت فاعليتها وتأثيرها فيهم، ما ولَّد شعورًا بعدم جدية تلك الجهات ومصداقيتها، وقدرتها على مواجهة الفساد؛ لأن الفساد قد تغلغل في بنية الدولة، وصار من الصعوبة فك الاشتباك بين ما هو فساد فعلا، وما هو فساد مغطى بالقانون،
أو هو مفبرك ضد هذا الشخص أو ذاك، بقصد إيذائه وما إلى ذلك.
وبإزاء ذلك التمدد للمفسدين، ينبغي للحكومة، وهي تعيش أشهرها القليلة، أن تفعِّل إجراءاتها، وتحيل كل الملفات التي بين يدها إلى القضاء، ومن ثَمَّ تخلي مسؤوليتها أمام مواطنيها، وتضع الكرة في ملعب القضاء.
ومن جهة أخرى، على الاعلام أيضًا ان يقف بجانب الجهات التنفيذية لفضح الفساد، والتعامل معه بشكل واقع من دون المبالغة في وجود الفساد في مفاصل الدولة، بحيث إن تلك المبالغة تشكل ضغطًا على التنفيذيين أنفسهم، وتحول دون قدرتهم على التعامل مع الأموال، فضلًا عن الخوف الذي تتركه في نفوسهم، وخشيتهم الوقوع في الزلل، ومن ثم التعرض الى المساءلة القانونية، فيتساوى في ذلك المفسد الحقيقي والإنسان البريء.
وبعد، صار من الضروري أن تتحول الأقوال وتلك الشعارات إلى أفعال على أرض الواقع. فالفرصة لما تزل سانحة أمام حكومة السيد العبادي لمحاربة الفساد ومواجهته بكل قوة وشجاعة ، وان تستثمر الدعم الشعبي لها، ودعوات المرجعية في غير جمعة
محاربة الفساد بالأفعال
د. جاسم حسين الخالدي
التعليقات معطلة.