كتب/ د. باسل عباس خضير
الموضوع الذي سنتحدث عنه في مقالة اليوم متفرد في معناه محتواه لأسباب عديدة أبرزها إننا لم نسمع بطرحه أو تطبيقه في المؤسسات التربوية في العالم كما انه غير واسع التطبيق في بلدنا ، وخلاصته إن السيد محافظ بغداد سمح بموجب كتاب المحافظة 3373 بتاريخ 6 \ 11 \ 2017 بتعيين ( محاضر بالمجان ) في مدارس المحافظة على وفق آليات وتعليمات تم تحديدها لهذا الغرض ، وأبرزها أن يكون عمل المحاضر بالمجان وعلى سبيل التطوع وان تعيينه وعمله بالمجان لا يمكن أن يكون وعدا بالتعيين في حالة إطلاق أو فتح التعيينات ، وان يكون التعيين حسب الحاجة الفعلية لاختصاصات معينة ويكون التعيين لتغطية الحاجة في التعليم الابتدائي والثانوي بما يناسب التأهيل الدراسي ، وتتضمن التعليمات أيضا سلسلة طويلة من الإجراءات بين إدارة المدرسة ومديرية التربية تنتهي بموافقة محافظ بغداد عل التعيينات باعتبار إن دوائر التربية باتت ترتبط بالمحافظ حسب القانون 21 لسنة 2008 .
ولا نعلم كيف سيكون حال التعليم بعد أشهر أو سنوات إذا كانت العملية التربوية تسير اعتمادا على محاضرين مجانيين ، فواقع الحال يؤشر وجود بعض الحالات السلبية لأداء ملاكات تعليمية معينة على الملاك الدائم ، كضعف الانجاز وممارسة التدريس الخصوصي أو الوقوع ببعض حالات الفساد وسوء العلاقة مع إدارة المدرسة والزملاء وقلة الخبرة والولاء وغيرها من الظواهر التي كانت واحدة من الأسباب التي أدت إلى انخفاض نسب النجاح وانتشار الغش الفردي والجماعي واضطرار وزارة التربية لإعطاء مزيدا من الفرص للطلبة من خلال وضع امتحانات للدور الثالث في المناطق المستقرة والساخنة ، ومما لاشك فيه إن العلاقة التطوعية بالمجان لا يمكن الاعتماد عليها لدى المتطوعين في بناء وتكامل العملية التربوية وإكمال المناهج وإيجاد علاقات ايجابية بين الإدارة والمشرفين من جهة وبين الطلبة وذويهم من جهة أخرى ، سيما وان نوعية العلاقة التعاقدية ضعيفة من حيث الموقف القانوني للمتطوع المجاني ، إذ يتعذر إخضاعها لقانون انضباط موظفي الدولة والقطاع العام ( المعدل ) رقم 14 لسنة 1991 لأنها علاقة غير تعاقدية لعدم تحقق المصلحة أو المنفعة للمعلمين المتطوعين ، كما إن المعلم المتطوع ليس موظفا ولا مكلفا بخدمة عامة لكي تطبق عليه إحكام القوانين ذات العلاقة بالوظيفة العامة فعمله هو أشبه ب ( السخرة ) وان كانت لفترة لم تحددها التعليمات .
وإذا كان المتطوع لا يتقاضى أجرا أو عوضا عن خدماته ولا يتمتع بأية التزامات مادية أو معنوية حاضرا أو مستقبلا كإعطائه الأسبقية في التعيين عند فتح التعيينات فمن يضمن استمراره وديمومته لأشهر أو أسابيع أو أيام ؟ ، فتعليمات محافظة بغداد لم تحدد تفاصيل مهمة منها أحقية تمتعه بالإجازات والعطل الربيعية والصيفية إسوة بأقرانه على الملاك الدائم والإجراء عند المخالفة والغياب ، والسؤال الذي يتبادر للذهن إذا كان المتطوع قد تنازل عن أجوره بسبب الظرف المالي فلماذا لم يعطى الأسبقية بالتعيين للاستفادة من خبرته التي ستتراكم سيما بالنسبة للملتزمين الكفوئين ومن يظهرون اداءا وولاء بمستوى يفوق المقبولية بموجب معايير تقويم الأداء ، ولماذا لم يمنحوا هذه الأسبقية لكي يطمأن المجتمع إلى الهدف من التطوع لأنه من الصعوبة إن نفسر العمل مجانا دون أية مردودات مادية أو معنوية في الحاضر والمستقبل فأي نوع من تلك المردودات من شانها أن تكون حافزا للالتزام ، وإذا كان المتطوعون سوف لا يمنحون هذه الأولوية فلمن ستمنح الدرجات عند فتح التعيينات أو السماح بالتعيين من حركة الملاك ، فالانطباع الأولي إن تلك الدرجات ستكون محجوزة لفئات معينة على درجة اقل من الخبرة ولم تقدم أية خدمات للتربية في وقت العوز ، ولا نعلم هل وصلت الدولة إلى هذه الدرجة من ( الإفلاس ) بحيث تكون محافظة بغداد عاجزة عن دفع كلا أو جزءا من أجور المحاضرات بحيث نضطر إلى تحويله إلى متطوعين في قطاع مهم وحيوي وهو قطاع التربية الذي يريدونه بالمجان من قبل متطوعين غير معروفي الدوافع والغايات للانخراط بالعمل التطوعي فالدولة لم تصل إلى هذه الدرجة من العسر لا سمح الله .
إن ما يقلق اتجاه هذا الموضوع هو انتقاله من محافظة بغداد إلى المحافظات الأخرى بعد أن إن انتقل ارتباط مديريات التربية بالمحافظات استناد لقانون المحافظات غير المنتظمة بإقليم ، فوزارة التربية التي تعد المسؤولة عن التربية رغم تغيير جهة الارتباط لم تبدي رأيها في موضوع تعيين المعلمين كمتطوعين بالمجان وهو موضوع فيه العديد من المحاذير التي قد تنعكس على الواقع التربوي الذي يعاني العديد من الحالات التي تستوجب الحلول بدلا من إدخال تجارب غير مطبقة محليا أو خارجيا وغير محسوبة النتائج لكي تعلن للجمهور انطلاقا من مبدأ الشفافية كونه احد مظاهر الدول الديمقراطية والتي نص عليها الدستور ، وقد عكس تطبيق هذا الأسلوب خيبة أمل للبعض ممن يعولون على إدخال التقنيات الحديثة في طرائق التدريس والتدريب وتوفير البيئة التعليمية التي تعالج تراجع المستوى العلمي لتقليل التسرب من المدارس وخفض الأمية وتحسين مستويات الأداء بما في ذلك رفع نسب النجاح وتكامل الفعاليات التعليمية والتربوية لإعداد جيل متعلم قادر على تجسيد المواطنة الصالحة والإسهام الفعال في بناء الوطن وإعادة الاعمار والتخلص من جميع المظاهر السلبية التي تؤثر على البناء الايجابي لشخصية الطالب كونه مواطن نعول عليه كعنصر فعال في كل مجالات الحياة .
إن ما يثير العديد من التساؤلات المشروعة حول الموضوع ، هو كيفية إصدار مثل هذه التعليمات وإدخالها إلى حيز التطبيق بالتزامن مع دعوات السيد رئيس مجلس الوزراء في القضاء على الفساد وإعادة الأموال من المفسدين ، فهناك احتمالات كبيرة لان تتحول الأعمال التطوعية بالمجان في قطاع التربية إلى باب من أبواب الفساد أو تستشرع الفساد عندما يفكر البعض للحصول على أجور النقل أو مصروف الجيب من العمل التطوعي وبطريقة الفساد ، في ظل عدم وجود ضابطة لمساءلتهم ومحاسبتهم لان بعض المتطوعين بإمكانهم أن يتركوا العمل بأية لحظة لأنه ليس لهم مزايا أو مستحقات يتشبثون بها في البقاء ، فضلا عن الموقف القانوني الضعيف الذي ربما لا يسمح بتوجيه العقوبات للمتطوع وحتى وان صدرت فانه ليس لها آثارا مادية أو معنوية لان اغلب آثارها تنعكس على الرواتب والترقيات وغيرها التي لا يشمل بها المتطوع لأنه لا يستلم أية مردودات وليس هناك أي التزام من قبل مديرية التربية اتجاهه ، لذا نرى انه من الواجب والضرورة أن يعاد النظر بهذه التعليمات من خلال إيقافها وربطها بمحفزات معينة حتى وان كانت رمزية ، لكي ننشأ أساسا رسميا وقانونيا للثواب والعقاب باتخاذ الإجراءات الرادعة بحق المخالفين ومكافأة جهود المتميزين والكفوئين والمبدعين ، ومن الأمور التي يجب الاهتمام بها هو أن لا تكون الظروف المالية التي يمر بها بلدنا مسوغا لخسارة ما بناه العراقيون خلال عشرات أو مئات السنين ، فالمتراكم من الخبرات والتقدم في الممارسات العراقية بمختلف المجالات عند المقارنة بالدول الأخرى ليست من صناعة الأنظمة والحكومات ، وإنما هي من جهود وتضحيات أبناء شعبنا المبدع والمتألق عبر العصور ، كما إن الأزمة المالية يمكن أن تزول في حين إن ترسيخ تجارب غير متوافقة مع واقعنا ولا تخدم مسيرة التطور للأمام من الصعب إزالتها بنفس الزمن والأساليب .