محتوى بناء الإنسان

3

عصام محمد عبد القادر

 

الطبيعة الإنسانية، وما تتحلى به من فطرة، وما تتفرد به من عقل، وما تستطيع أن تحدثه من تغييرات في بيئتها، لها احتياجات خاصة دون غيرها من المخلوقات؛ فهناك دومًا طموح يقوم على فلسفة الكمال، الذي نرصدها في محاولات التحسين والتطوير المستمر، من خلال أفكار تسعى لتحقيق جودة الحياة ورفاهيتها، وهذا ما نطالعه في مسيرة النهضة، التي قامت عليها الحضارات العريقة منذ بدء الخليقة؛ ومن ثم يضاف إلى بني البشر ماهية الإنتاجية في إطارها المستدام لمجالات الحياة قاطبة.

محتوى بناء الإنسان لا يفارق نسق قيمي ينظم له شؤونه الحياتية؛ حيث تمكنه من أن يعمل في إطار من التعاون والشراكة، كونه كائنًا اجتماعيًّا يعشق تكوين العلاقات، وتضمن له أن يجد ويجتهد ويتمكن من أن يتقن ما يقوم به من أداءات، وتجعله يمارس السلوكيات الحميدة الدالة على، الصدق، والأمانة، والعدل، والمساواة، وتحضه على أن يتراحم مع غيره؛ فيقدم المعونة، والمساعدة، والخدمات، بشتى تنوعاتها برضا ومحبة ووجدانٍ راقٍ صافٍ، وفي إطار ذلك تتشكل لديه قوة الضمير، الذي دومًا يحضه على فعل الخيرات، وهجر ما يضير النفس والآخرين.

تباين أنماط التفكير التي خصها الله – تعالى – للإنسان من النعم العظيمة، التي تمكن بني البشر من استثمار أقصى ما لديهم من طاقات، في إحداث نقلات نوعية في الحياة بمختلف مكوناتها، وهنا نتحدث عن غذاء العقل، الذي يسهم في تنمية مهاراته المختلفة؛ إذ إن المعرفة تتمخض عن نتائج العلم في مجالاته المختلفة؛ لذا يعد المكون المعرفي المتغير الرئيس في بناء الفرد في مختلف المستويات؛ فعبر بوابة المعرفة يوجه السلوك في مساقه، ومساره، وإطاره القويم، ومن خلال التعمق في بحورها نستطيع أن نحصد الخبرات، التي من شأنها أن تغير أنماط الحياة، وسيناريوهات المستقبل القريب والبعيد على السواء.

الطبيعة البشرية تنحو دومًا إلى مناخ الطمأنينة والاستقرار، الذي يُعَدّ الأمنُ والأمانُ أساسًا له، وهذا يؤكد مدى الحاجة لتغذية الوجدان بالمعتقد الوسطي ومفاهيمه المتعلقة بالإيمان؛ فالحياة المادية مهما بلغ ترفها لا تشبع الإنسان؛ فرغم متطلبات الجسد الرئيسة، إلا أن الروح تحتاج لعوامل، تؤدي إلى تحقيق التوازن؛ ومن ثم الوقوف على عتبة الرضا، أو ما نسميه السكينة الداخلية، وهنا نفقه أهمية قيم الوجدان كمحتوى لا غنى عنه في البناء؛ فلا عاطفة بشرية تتأتى بعيدًا عن الرحمة، والوصال، والتسامح، والسلام، والتعايش، والاحترام، في إطاره المتبادل؛ ومن ثم تصبح المشاعر متقاربة، ولغة التفاهم سهلة المنال، بين المجتمعات وفي داخلها.

اكتساب الإنسان محتوى أنماط الوعي المتمثلة في العقدي، والفكري، والاجتماعي، والصحي، والسياسي، والاقتصادي، والبيئي، والعلمي، والثقافي، والإعلامي، والتكنولوجي، والمهني، والوطني، والأمني، والعسكري، والقيمي، والجمالي، والإنساني، والنفسي، والتربوي، يُعدّ من مستلزمات البناء، التي ترتقي به إلى مرحلة السمو؛ حيث امتلاك الذات الواعية الساعية وفق فلسفة الإيجابية، في تحقيق غاياتٍ عُليا يعود أثرُها على البشرية قاطبةً، وهذا بالطبع يقوم على نقاء السريرة، والقناعة بالرسالة الإنسانية الكامنة في الاستخلاف، الذي تتوارثه راية الأجيال، وهنا نوقن أهمية التربية الجمالية، ودورها في تقويم الوجدان، الذي يتذوق الفنون، ويدرك رقي الفكرة والتفكر، باعتبارهما أداتين فاعلتين للبناء.

ندرك أهمية البناء القائم على تعزيز فطرة حبِّ الوطن، ونعي الفلسفة التي تقوم على تعضيد الهُوِيَّة الوطنية لدى الإنسان؛ حيث ترسخ في ذاته ووجدانه، الانتماء، والعزة، والشموخ، وفقهِ التاريخي، وعمقِ تفهمِ الجانب الثقافي، الذي يزخر بإرث مشرف؛ ومن ثم لا تؤثر فيه تحديات العولمة، التي يتمخض عنها العديد من المتغيرات والتغيرات الثقافية الناجمة عن قوة التلاحم المجتمعي، الذي صار واجبًا لإحداث التكامل الإنساني، خاصة عند تناول قضايا ترتبط بهذا الكوكب ومستقبله، فضلًا عن أطر التعاون الرامية إلى تحقيق مصالح الشعوب والمجتمعات؛ لذا بات من الضروري العمل على ترسيخ خريطة الوطن في الأذهان منذ المهد.

في خضم هذا الغرس الطيب، يمكننا أن نبني إنسانًا يتحمل مسؤولية نهضة الوطن، ولديه قدرة على العطاء المستدام، ويُمكّنه ذلك من ممارسة مهارات الابتكار لتحقيق، آماله، وطموحاته، وتطلعاته المتجددة؛ لتفي باحتياجات الحياة ومتطلباتها الآنية والمستقبلية.. ودي ومحبتي لوطني وللجميع.

التعليقات معطلة.