محمد خالد
تُلقي مصر بآمال عريضة على مشروع محطة الضبعة النووية، الذي يضعها على خريطة الطاقة النووية عالمياً، ولما يحققه ذلك المشروع من عوائد استثنائية ضمن استراتيجية التنمية المستدامة في مصر 2030، بما في ذلك تنويع مصادر الطاقة، لمواجهة التحديات في هذا القطاع الأكثر أهمية.
وتُدشن القاهرة، اليوم الثلثاء 23 كانون الثاني (يناير) الجاري، مرحلة جديدة في المشروع الذي بدأ خطواته التنفيذية منذ عام 2017، إذ يشارك الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي ونظيره الروسي فلاديمير بوتين في مراسم “عملية الصبة الخرسانية الأولى” كأساس للوحدة النووية الرابعة من محطة الضبعة للطاقة النووية. وتباينت المعلومات خلال الساعات الأخيرة حول ما إذا كانت مشاركة بوتين ستكون حضورية أم عن بعد، لكن المستشار أحمد فهمي، المتحدث الرسمي باسم الرئاسة المصرية، أوضح في تصريحات إعلامية أن حفل الافتتاح سيتم عبر “الفيديو كونفرانس”.
ويعد المشروع الذي يُترجم عقوداً من الصداقة المصرية الروسية “استكمالاً للتعاون الوثيق بين مصر وروسيا في مجالات عدة، خاصة أن التعاون بين البلدين تعاون تاريخي بدأ منذ فترات سابقة إبان إنشاء السد العالي، ويعود هذا التعاون حالياً من خلال مشروع ضخم للغاية، وهو مشروع محطة الضبعة النووية للاستخدام السلمي للطاقة النووية في توليد الكهرباء”، وفق فهمي.
المشروع الذي وصفه الرئيس السيسي بأنه “مشروع عملاق ورائد في المنطقة”، يمثل حلماً طال انتظاره بالنسبة للمصريين؛ في عالمٍ يموج بالاضطرابات والتوترات الجيوسياسية والتي تنعكس بصورة مباشرة أو غير مباشرة على قطاع الطاقة، وبما يتطلب من استراتيجيات تنموية خاصة للتعامل مع تلك التحديات المتفاقمة، ولا سيما في ظل شبح الزيادة السكانية الذي يلتهم التنمية بالبلاد ويشكل ضغطاً على موارد الدولة، وعلى رأسها الموارد الطاقوية.
بداية المشروع
ما لا يعرفه الكثيرون هو أن مشروع محطة الضبعة النووية ليس وليد الفترة الراهنة، بل تعود فكرته الأساسية إلى نهايات السبعينات، عندما أجريت إجراءات عملية من أجل اختيار وموقع المشروع وتحديده، غير أن الخطوات العملية في سبيل تنفيذ ذلك المشروع الاستراتيجي رأت النور بوضوح في تشرين الثاني (نوفمبر) 2015، بعد توقيع مصر وروسيا اتفاقاً مبدئياً، تقوم الأخيرة بموجبه ببناء وتمويل المحطة التي تعد الأولى من نوعها في مصر.
وبعد عامين من التوقيع المبدئي، وتحديداً في تشرين الثاني 2017، تم توقيع العقود الأولية، والتي بموجبها يتم بناء أربع وحدات VVER-1200.
تمثل هذه الوحدات الجيل الثالث من مفاعلات الطاقة النووية، وتشهد تطوراً للتصاميم السابقة المعروفة باسم VVER (التصميم الروسي للمفاعلات المياه الثقيلة). تم تطويرها بواسطة شركة “روساتوم” الروسية للطاقة النووية. وتوفر قدرة توليد أعلى عموماً مقارنة بالأجيال السابقة. تحمل الرقم 1200 في اسمها للدلالة إلى قدرتها التقريبية المقدرة بـ1200 ميغاواط كهربائية.
وتتميز وحدات VVER-1200 بتصميم الضاغط المائي، حيث يستخدم الماء كوسيط تبريد ووسيط حيوي لنقل الحرارة من النواة إلى مراجل التوليد، علاوة على اعتبارها أكثر أماناً، إذ تم تصميم هذه المفاعلات بمعايير عالية من حيث الأمان النووي، مع استخدام أحدث التقنيات والمكونات لضمان تشغيل آمن وفعال. علاوة على التحكم الأوتوماتيكي، من خلال تجهيزها بنظام تحكم أوتوماتيكي يسهم في تحقيق أمان وكفاءة أعلى في التشغيل. ومن بين مميزاتها أيضاً استخدام وقود نووي مختلط، علاوة على التحسينات البيئية.
وتصل قدرة المفاعلات الأربعة في محطة الضبعة (الواقعة بالساحل الشمالي الغربي لمصر على البحر الأبيض المتوسط) إلى 4800 ميغاواط (1200 ميغاواط لكل وحدة).
الإدارة والإنشاء
وبخصوص الهيكل الإداري والتنفيذي للمشروع، فإن المالك والمشغل هي هيئة المحطات النووية لتوليد الكهرباء في مصر (هيئة مصرية حكومية اقتصادية ذات طبيعة خاصة تتبع وزارة الكهرباء والطاقة المتجددة).
أما شركة “روساتوم” (الشركة الحكومية الروسية للطاقة النووية) والشركات التابعة لها، فهم المقاولون الرئيسيون في المشروع، ويتولون دور الإنشاءات والدعم، طبقاً لما نصت عليه العقود الموقعة بين الجانبين المصري والروسي، وبما يتضمن العقد الرئيسي (EPC) للهندسة والتوريد والبناء وعقد توريد الوقود النووي وعقد دعم التشغيل والصيانة، وكذلك عقد إدارة الوقود النووي المستهلك.
مراحل تنفيذية
يُجرى تنفيذ المشروع على ثلاث مراحل، أولاها مرحلة التحضير منذ شهر كانون الأول (ديسمبر) من عام 2017، والتي تمت خلالها أعمال تهيئة الموقع. بينما المرحلة الثانية تشمل الإجراءات البنائية المختلفة، علاوة على التدريبات المهنية للعاملين بالموقع وصولاً إلى استعدادات ما قبل التشغيل، وهي مرحلة تستغرق مدة تصل إلى خمسة أعوام ونصف عام.
وطبقاً للمتحدث باسم الرئاسة المصرية، المستشار أحمد فهمي، فإن “هذه المرحلة من الصبة الخرسانية تعتبر بداية مرحلة الإنشاءات الكبرى لكل الوحدات النووية في المشروع الذي مقرر له وفق الجدول الزمنى المحدد الانتهاء في عام 2028 ودخوله مرحلة التشغيل”.
“تلك الفترة ليست طويلة مقارنة بتنفيذ مشروع مهم كمشروع محطة الضبعة وبهذا الحجم، خاصة في هذا التوقيت، وأهميته ليس لتوليد الكهرباء فحسب، ولكن أيضاً لنقل التكنولوجيا وتدريب الكوادر المصرية، بالإضافة إلي مساهمة المشروع في الطاقة النظيفة والآمنة وقليلة التكلفة وطويلة الأجل”، بحسب ما ذكره المتحدث باسم الرئاسة.
بينما المرحلة الأخيرة تتمثل في إجراءات التشغيل الفعلي بعد التسليم الفعلي للوحدات النووية. وتبعاً للمخطط التنفيذي لمشروع الضبعة الواقع في المدينة التي تحمل الاسم نفسه بمحافظة مطروح على شواطئ البحر المتوسط، على بعد حوالي 130 كم شمال غرب العاصمة المصرية، فإنه من المرتقب أن يتم تشغيل المفاعل الأول في عام 2028، يليه المفاعل الثاني في عام 2029، ثم الثالث في 2030 والرابع في 2031.
ما أهمية المشروع بالنسبة لمصر؟
المشروع الذي يأتي ضمن استراتيجية التنمية المستدامة في مصر 2030، يحظى بأهمية واسعة، خاصة لجهة تنويع مصادر الطاقة بالبلاد، ودفع عجلة التنمية الاقتصادية والبنية التحتية.
أستاذة الاقتصاد بالقاهرة، خبيرة أسواق الطاقة، الدكتورة وفاء علي، تقول في تصريحات خاصة لـ”النهار العربي”: “لا شك بأن مصر تدخل نادي الكبار للطاقة من أوسع أبوابه؛ لتحقيق حلمها النووي، وتدق عصر الطاقة بقوة، حيث تمت إعادة الروح إلى هذا الحلم بعد ماراثون دام أكثر من نصف قرن”، موضحة في السياق نفسه أن “الحلم النووي تحت السيادة المصرية بنسبة 100 في المئة، والمفاعلات تتم على عدد من المراحل لتوليد 4800 ميغاواط لربطها بالشبكة القومية للكهرباء”.
وتعتبر هذه المحطة من المشروعات العملاقة التي لها فوائد عديدة للاقتصاد المصري؛ فهي أحد مصادر الطاقة المتجددة، والطاقة النووية هي أحد الحلول الجوهرية لتقليل الانبعاثات الكربونية ومجابهة الاحتباس الحراري. وتشير علي إلى أن “هذا الحلم النووي بات قريب المنال، لتضيف مصر عنصراً جديداً في مزيج الطاقة المتجددة واستراتيجية 2035. وأشادت الوكالة الدولية للطاقة الذرية بمدى الدعم الذي توليه الدولة المصرية للبرنامج النووي مع الالتزام بمعايير الأمن والسلامة العالمية”.
وتضيف: “في إطار اهتمام الدولة المصرية، وإدراكاً منها بأهمية الطاقة النووية السلمية، تم مشاركة شركة روساتوم في إنشاء هذا المشروع بالضبعة والذي اختير كأحد أفضل ثلاثة مشاريع من حيث البدء والانطلاقة على مستوى العالم.. ولا شك بأن هذا المشروع له مردود إيجابي على خلق فرص التشغيل والنمو الاقتصادي.. ويقيناً نحن في حاجة إلى مزيد من الطاقة المتجددة، فالطاقة النووية مجربة كمصدر لا يخلف أي نواتج كربونية، وتتميز المحطات بأنها تعمل على مدار 24 ساعة ومصممة للعمل لفترات متواصلة”.
عوائد بيئية
وتشير أستاذة الاقتصاد والطاقة في القاهرة، إلى القدرة الإنتاجية الكبيرة “فعند احتراق 1 كيلوغرام من اليورانيوم الذي يستخدم كوقود نووى يتم إنتاج طاقة تعادل تلك المنتجة من حرق 100 طن من الفحم الحجري العالي الجودة، كما يجنب إنتاج الطاقة المتجددة من هذه المحطة انبعاثات كربونية تقدر بـ700 مليون طن سنوياً”.
وفي معرض حديثها مع “النهار العربي”، توضح علي أن “مصر تحافظ بهذا الإنتاج النووي على الموارد الطبيعية من الغاز والنفط وإتاحة الفرصة للاشتغال على الغاز كقيمة مضافة بصناعة البتروكيماويات مع تطوير الصناعة المصرية وزيادة فرص التطوير والبحث العلمي، علاوة على زيادة المشاركة بمكونات الصناعة المحلية بنسبة 35 في المئة في المرحلة الرابعة، وهو ما يؤدي إلى زيادة جودة الصناعة الوطنية ويزيد من القدرة التنافسية بسبب معايير الجودة الصارمة التى تتطلبها هذه الصناعة”.
ويعد هذا المشروع من المشروعات التي تؤكد دور مصر كدولة رائدة في منطقة الشرق الأوسط وقارة أفريقيا ووضعها على خريطة الدول المتقدمة في كل المجالات. وسوف تستخدم مصر المحطة طبقاً لقواعد التعاقد مع روساتوم الروسية المسؤولة عن إنشاء مفاعل الضبعة النووية لتوريد مكونات وقود منخفض التخصيب لاستخدامه سلمياً في إنتاج النظائر المشعة والأبحاث الفيزيائية، وكذلك استخدام الإنتاج المولد من المحطة في المجال الطبي والتشخيص العلاجي ومعالجة الأمراض السرطانية والعلاج الإشعاعي، بالإضافة إلى تكرير بعض مواد الصناعة وتحديد أماكن ومصادر المياه الجوفية، كذلك عمليات الترميم للقطع الأثرية والتأكد من مصداقية وتاريخ الآثار الفرعونية وتقدير عمر الأرض، كذلك مجال الكيمياء الحيوية، وفق علي.
وتشدد على أنه باستكمال الجانب الفني والتكنولوجي تم إنشاء مدرسة الضبعة النووية التكنولوجية لتخريج جيل جديد للعمل في المحطة لديه ثقافة قوية للأمان والأمن، وهو أحد مبادئ الإدارة الأساسية، وهذه الثقافة تؤثر فى المنظومة وأسلوبها ولتكمل مصر طريقها فى مربع القوة الضاربة بالحلم النووي.
دعم الصناعة المصرية
وفي تصريحات خاصة لـ”النهار العربي”، يشير مدير مركز رؤية للدراسات الاقتصادية، بلال شعيب، إلى أن استراتيجية مصر للتنمية المستدامة تستهدف الوصول بقطاع الصناعة إلى 20 في المئة من حجم الناتج المحلي الإجمالي بالبلاد، ورفع معدلات صادرات القطاع إلى 100 مليار دولار سنوياً، ووفق تلك الرؤية الطموحة فإن الاهتمام بملف الطاقة لا ينفصل عن هذه الأهداف الاستراتيجية، باعتبار الطاقة عصب الصناعة.
وبالتالي يُنظر إلى محطة الضبعة النووية باعتبارها دافعة رئيسية في هذا القطاع، يُعول عليها في إحداث الفارق في قطاع الصناعة المصري عامة والوصول إلى المستهدفات الرئيسية التي تصبو إليها الدولة المصرية.
ووفق شعيب، فإن هذه الأهداف تأتي أيضاً في وقت يمكن للقاهرة فيه الاستفادة من وجودها في سوق واسعة، مرتبطة بدول مجموعة “بريكس” بعد انضمام مصر إلى التكتل بداية العام الجاري، مشيراً إلى أن التقارب بين الدول الأعضاء في التكتل والاستفادة من القدرات المشتركة هدف استراتيجية واسع.
ويوضح شعيب أن العمل على مشروع الضبعة لا ينفصل عن باقي المشاريع التي تشترك فيها مصر مع دول مجموعة “بريكس” التي تمثل أكثر من ثلث العالم، ولديها خطط واضحة للنمو، لا سيما أنها تضم بلداناً نامية من عديد من القارات المتفرقة، ومن خلال هذا التوجه يمكن تعزيز الاستفادة من عوائد تلك المشاريع بين الدول الأعضاء في ضوء المصالح الاقتصادية المشتركة.
ويلفت مدير مركز رؤية للدراسات الاقتصادية، إلى أزمة الطاقة التي تواجهها عديد من دول العالم، بما في ذلك مصر، وبما يسرع الخطى نحو تبني استراتيجيات هادفة لتنويع مصادر الطاقة، بما في ذلك الطاقة النووية، والهيدروجين الأخضر والرياح والشمس، ولدى مصر مشاريع كبيرة في هذا السياق، بما يصب في مصلحة تنويع مصادر الطاقة ضمن المستهدفات الرئيسية لخطة التنمية المستدامة والإصلاح الاقتصادي.