أسرة رجل الأعمال الكويتي الراحل محمد الشارخ تكشف لـ”اندبندنت عربية” عن قرب صدور مجموعة قصصية للراحل بعنوان “ثلاثون قصة”
جراح القزاع مراسل صحفي من الكويت
السبت 6 أبريل 2024 9:24
محمد الشارخ أول من أدخل اللغة العربية إلى أجهزة الكمبيوتر (التواصل الاجتماعي)
ملخص
ضم الأرشيف الرقمي للراحل محمد الشارخ معظم المجلات الثقافية والأدبية العربية، واحتوى على أكثر من 200 مجلة اشتملت على 13879 عدداً عبر صفحات بلغت مليوناً و700 ألف صفحة
يرى فهد محمد الشارخ نجل رجل الأعمال الكويتي الراحل محمد الشارخ الذي وافته المنية في 6 مارس/ آذار 2024، أن تجربة والده كانت استثنائية في ريادة الأعمال؛ فقد حقق للكويت وللعرب سبقاً مهماً في عالم صناعة التقنيات، ويعتقد أن أبيه سبق عصره حينما استثمر في الذكاء الاصطناعي لتحقيق الحلم منذ ثمانينات القرن الماضي، ليس هذا فقط بل يجده احتضن المواهب العربية المتخصصة في علم الحاسوب والكفاءات ذات الخبرات العالمية، ليشيّد من شركة صخر ما وصفه البعض بأنه بمثابة “جامعة علمية مصغرة”.
رجل استثنائي
ويتابع فهد الشارخ لـ” اندبندنت- عربية” اعتبر الوالد العقل الذي حقق للعرب نقلة نوعية كبرى في عالم الصناعة، عرفته جَسوراً ومغامراً وعنيداً في إخلاصه لشغفه، لقد خالف والدي السائد والمألوف في عالم التجارة والبيزنس حينما أسس مشروعاً له طابع معرفي في زمن كان هروب رأس المال من عالم الثقافة والفكر أمراً مألوفاً له أسبابه، وأعذاره، مشيراً أن والده صنع نموذجاً لاقتصاد المعرفة وترجمه عملياً دون تنظير، وذلك قبل أن تتداوله الخطط العربية التنموية، مستذكراً مقولته “أن اللغة العربية لغة يتيمة لا أب لها” ، ولافتاً إلى أن محمد الشارخ كان يردد “من غيرنا أحق باحتضان اللغة العربية وهي لغة القرآن الكريم، كما أنها اللغة الوحيدة في العالم التي ما زال شعرها المكتوب منذ أكثر من 1500 سنة يُقرأ ويفهم في معظمه”، وكان يعتبرها مصدر فخر وكبرياء “لأنه لا يوجد لها مثيل في العالم” لذلك أسس محمد الشارخ مشروعاً لنقل هذه اللغة إلى عالم التقنيات وطوع التكنولوجيا من أجل لغة الضاد.
ريادة المشاريع
يرى فهد الشارخ أن والده حمل أفكاره ورأس ماله في مغامرة مدهشة كانت محفوفة بالمخاطر ومهددة بالخسائر، وهذا ما جعله يختلف مع بعض التجار وأصحاب رؤوس الأموال لعدم ثقتهم في مدى سلامة عوائد هذه المشاريع إلا أنه حصد النجاح والتميّز في عدة مجالات على رأسها: الصناعة، والمعرفة، والابتكار، وريادة الأعمال، والتدريب، وفي أسواق العمل.
563044.jpeg
احتضن محمد الشارخ المواهب العربية المتخصصة في علم الحاسوب (التواصل الاجتماعي)
عراب اللغة والثقافة
فيما يخص كتابات والده الأدبية يقول فهد” لقد وصفه النقاد بأنه قاصاً متميزاً، متمكناً من أدواته اللغوية، وقد بدأت تجربته في هذا الاتجاه حينما نشر أول قصصه في مجلة طليعية مصرية (مجلة جاليري68) وكانت بعنوان “قيس وليلى”، عام 1968، وبعد 40 عام أصدر أول مجموعة قصصية له بعنوان “عشر قصص”، ثم نشر رواية “العائلة” وبعد ذلك مجموعته القصصية الثانية “الساحة” فالثالثة “أسرار”.
ويتابع الابن الأكبر “إن تراث الشارخ القصصي يتمثل في رواية واحدة، وهي “العائلة” بالإضافة إلى أربعين قصة أو أكثر أتقنها إتقاناً مدهشها حتى أن المنشور منها حاز ثناء كبير وعميق من النقاد، وعن مدى وجود دراسات نقدية حول أدب الشارخ أفاد “فهد” أن هناك دراسة بعنوان “محمد الشارخ.. دراسة في الأدب والشخصية” أنجزها الأستاذ الدكتور أحمد بكري عصلة، إلا أنه توفي قبل نشرها، وربما تجد هذه الدراسة المهمة طريقها للنشر قريباً.
وذكر “فهد” أن العديد من كبار الكتاب العرب، كتب عن مؤلفات الراحل محمد الشارخ منهم حسن بحراوي، د.صبري حافظ، بهاء الطود، هشام شرابي، سامي خشبة، فيصل دراج، شيرين أبو النجا، إبراهيم داود، محمد برادة، د.شرف الدين ماجدولين، حسونة المصباحي، وقد أسهبوا في تحليل الرواية ومجموعات القصص القصيرة حتى أن حسن بحراوي قال “أظل مديناً لمحمد الشارخ بأنه جعلني أقلع عن يأسي في مستقبل القصة العربية”.
وكشف فهد الشارخ أن والده قبل وفاته بفترة وجيزة أعد للنشر مجموعة جديدة بعنوان “ثلاثون قصة” ضمت غالبية القصص المنشورة سابقاً، وينتظر القارئ صدورها قريباً.
من جهة أخرى بيّن “فهد” أن والده محمد الشارخ ساهم في تأسيس وتمويل العديد من المشاريع الثقافية المهمة في الوطن العربي، فقد أسس مشروع “كتاب في جريدة” مع اليونسكو عام 1997 وأسهم في تمويله، كما ساهم في تمويل مركز دراسات الوحدة العربية والمنظمة العربية للترجمة، ومن المشروعات الفكرية التي دعمها هناك أيضاً مجلة فكر ونقد المغربية التي أشرف عليها المفكر والفيلسوف المغربي محمد عابد الجابري، وعكف الشارخ على توزيع أعداد منها في مؤتمر الفكر العربي الثالث الذي انعقد في مراكش في سنة 2004، ما يزيد على 1500 نسخة، وكان عدد المؤتمرين أكثر من ألف شخص، وذلك رغبة منه في التعريف بهذه التجربة الفكرية الرائدة في المغرب، كما أنه قدم أعداداً منها لرئيس مؤسسة الفكر العربي ولنخبة من المفكرين العرب، وكان لهذه الخطوة أثراً مباشراً في تعزيز مسيرة المجلة وانتظام صدورها شهرياً حتى توقفت عام 2010 بعد وفاة الجابري، رحمه الله.
اقرأ المزيد
“القصة” أيقونة التعلم في زمن المعرفة الرقمية
“صخر العربية” يسلم راية الضاد للسعودية ويرحل
ألمانيا تدشن أول كمبيوتر كمي في أوروبا
أرشيف إلكتروني
توقف فهد الشارخ ليستذكر أن والده أنجز مشروعات مهمة أخرى وعلى رأس ذلك إنشاء أرشيف إلكتروني للمجلات الثقافية العربية، وتعيينه عدداً كبيراً من العاملين في 19 دولة عربية وغير عربية لجمع ونسخ هذه المجلات، بالإضافة إلى فريق فني عال المستوى، وقد احتوى هذا الأرشيف أكثر من 200 مجلة تتضمن نحو 13,879عدداً، تضم 480,119 مقالا لعدد 22,947 كاتباً، وبعدد صفحات مليون و700 ألف صفحة، ويشتمل هذا الأرشيف على معظم المجالات الثقافية والأدبية العربية منذ أواخر القرن التاسع عشر، مع إمكانية البحث في فهارسها بعنوان المقال أو اسم الكاتب أو التاريخ، وقد أتاح الشارخ هذا الأرشيف المعرفي الضخم، والذي حمل اسمه، على الإنترنت دون مقابل، وقد تحدث العديد من المراقبين والنقاد عن ذلك فذكروا أن “محمد الشارخ أخرج تراث العرب من المجلات الأدبية والثقافية من كهوف الخزن إلى عالم الضوء”.
PHOTO-2024-04-04-19-31-33 (1).jpg
الشارخ في صورة جماعية مع أسرته (أرشيف العائلة)
وأضاف “والدي كان عصري التفكير، منفتح على ثقافات العصور التي تتالت حتى عصرنا الراهن، معتبراً أن “صخر” هو المشروع الأهم والأوسع انتشاراً وتأثيراً في تاريخ الحضارة العربية المعاصرة، لأنه بادر في وضع اللغة العربية على طريق صناعة التكنولوجيا وتطويع الحاسب الآلي لخدمة اللغة العربية، لافتاً إلى أن الشارخ كان يعتبر أن مثل هذه المبادرات – التي تجمع بين المعرفة والتطور التكنولوجي – هي السبيل نحو النهضة واللحاق بركب الأمم المتقدمة وأن أهميتها لا تقل أهمية عن الأمن الغذائي والاستقرار الاجتماعي.
ويبيّن فهد أن والده سعى إلى تطوير تطبيقات تقوم على تقنيات اللسانيات الريادية والذكاء الاصطناعي في زمن لم يكن قد تشكل بعد للدول العربية رؤى معينة تجاه الذكاء الاصطناعي واستشراف آفاقه التنموية ولا لـ”اقتصاد المعرفة” كوسيلة وهدفا في الخطط والبرامج لتحقيق “استدامة التنمية” فمنذ عام 1984، تعاون مع فريق كبير من المهندسين والمبرمجين وحاملي الدكتوراه العرب، لتطوير أنظمة وبرامج تعليمية ومكتبية عربية كثيرة لاقت انتشاراً واسعاً في الأقطار العربية كافة، وطوّر لأول مرة برنامجاً كمبيوترياً للقرآن الكريم عام 1984، وآخر للحديث الشريف سنة 1989، ليحصل على ثلاث براءات اختراع من هيئة الاختراعات الأمريكية، بالإضافة إلى المعجم العربي المعاصر، والمدقق الإملائي، وموسوعة الفقه الإسلامي، والمعجم الإلكتروني.. وغيرها.
الأديب الفنان
ولدى سؤال فهد الشارخ عن الجانب الأخر من شخصية والده الراحل محمد الشارخ قال “كان متصالحاً مع نفسه ومع الآخرين، مجلسه فيه كثير من ثراء المعرفة، وأسلوب سرده للحكايات لا يخلو من الوصف الأدبي البليغ، وفي بعض جلساته مع الأصدقاء كان يهتم بتشغيل اسطوانة لمقطوعة موسيقية كلاسيكية تنتمي إلى عالم الفن الخالد، من تلك التي تضمها مجموعته التي اختارها بدقة وعناية شديدة، فمن المعروف أنه شغف باقتناء أسطوانات الموسيقى، وكذلك باقتناء لوحات فنية كان يردد بأنه اقتناها بـ “غواية النظر” مفسراً ذلك بقوله “عادة الذين يقتنون اللوحات، يقتنونها من أجل الاستثمار، ولهذا يركزون على الاسم والتاريخ، بينما اختار غالباً ما ترتاح له عيني”، وبهذا النهج توفر لديه أكثر من 700 لوحة، منهم 300 لوحة من الفن العربي المعاصر، وتضم لوحات من أول الستينيات حتى الوقت الحالي، ما يعني أنه جمعها على مدار نحو 60 عاماً، ولفت الشارخ الابن إلى أن والده كان مدركاً للفن ولمهارة الرسامين كاشفاً عن المعنى والجمال فيها، حتى أن بعض لوحاته كان يتم استعارتها في معارض فنية مثلما حدث من “بينالي” للرسم في الإمارات فتم استعارة 9 لوحات لعرضها في البينالي، 4 منها أحضرها من شقته في لندن، و 5 من بيته في الكويت، وقد قام بمبادرة جميلة حينما أعد مطبوعة بعنوان” غواية النظر” عرض فيها بعض من اللوحات التي اقتناها مع توثيق لظروف اقتناء كل منها، ونتج عن وصف تلك اللوحات، التي ضمتها المطبوعة، قصصاً أدبية بليغة فلكل لوحة قصة، دون أن يُغيب عن ذلك توثيقاً لاسم الرسام واللوحة والتاريخ، مبيناً أن الإصدار ضمّ 32 لوحة وكان يعتزم استكمال الكتابة حول مجموعته السبعمائة في سلسلة متتالية إلا أن القدر لم يسعفه.
عائلة الفقيد
وتحدث الإبن عن بدايات أبيه في أعماله التجارية، فلفت إلى أن والده كان عصامياً، بدأ مشروعه في نهاية العشرينات من العمر، وقد كان قد تزوج للتو من الوالدة السيدة موضي الصقير والتي كانت رفيقة أحلامه والعضيد في تحقيقها.
PHOTO-2024-04-04-19-31-34 (1).jpg
الشارخ مع الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم ونجله الأكبر فهد (أرشيف العائلة)
وفي عام زواجه (1970) أسس الشركة العالمية بجهد عصامي، فلم يعتمد على إرث تجاري، وكان مازال يمارس عمله في وظيفة عامة، وحين نما مشروعه “العالمية للإلكترونيات” ترك العمل الحكومي وتفرغ له منذ مطلع الثمانينات، وخلال ذلك أطلق مشروعه الأهم كمبيوتر “صخر” ، كان ذلك بالتحديد عام 1982 وسرعان ما انتشر انتشاراً واسعاً وتزاحمت من أجله الأسواق حتى أنه باع منه 2 مليون جهاز في فترة وجيزة، ثم انطلق في مجال تعريب البرمجيات بمشاركة محورية من والدتي السيدة موضي الصقير التي أشرفت على تجميع الداتا وفحصها وإدخالها وتولت بنفسها كتابة المادة العلمية لكثير من البرامج التعليمية مثل: برنامج التاريخ، وبرنامج الجغرافيا، وبرنامج الأمثال، وبرنامج الملك عبدالعزيز، وغير ذلك.
وحول الأجواء الأسرية قال فهد “نشأت مع أخوتي العنود، وعبدالله، ومناير، في أسرة متحابة متفاهمة، تتشارك في الطموح وفي تحقيق منجز، ليس تجاري فحسب، إنما حضاري وتاريخي إن جاز التعبير، وكنا مشاركين لوالدي في أسفاره العملية وفي المناسبات التي تتناول أو تعرض أو تحتفي بمنجزاته على النطاق المحلي والإقليمي والدولي، مثل مؤتمرات صخر الإقليمية التي بدأت من الأردن عام 1989 ثم القاهرة (مارس 1990)، وكان من المخطط لها الاستمرار في سلسلة ممتدة إلا أنها توقفت بسبب الغزو العراقي، كما أننا كنا معا في معارض دولية مثل معرض جيتكس الدولي الذي تستضيفه سنويا دبي وكان لوالدتي مشاركة في تنظيم كل ذلك”.
وكشف الشارخ أنه منذ عام 1999 يتولى الأب الراحل إدارة “صخر” وكان يسعى لأن يفتح لها آفاقاً عصرية جديدة، بينما شقيقته العنود حازت على شهادة الدكتوراه في الأدب المقارن وكانت ترتاد منصات الندوات النقدية التي تبحث وتناقش وتنقد الأدب القصصي والروائي للوالد، كما أن لها إسهامات في المجال الإنساني التطوعي فسارت في ذلك على نهج والدتها، أما شقيقي الثاني عبدالله فقد اكتسب من والدنا الاهتمام بعالم الاقتصاد والمصارف، وكأنما يواصل العمل الذي مارسه الوالد في مراحل حياته الأولى حينما أسس البنك الصناعي، فقد عمل عبدالله في بنوك ومؤسسات مالية كبرى في الكويت وخارجها، فيما اكتسبت شقيقتنا الصغرى “مناير” الشغف من الوالد في جانبين؛ الأول حب الفنون وممارسته، فلها العديد من التصميمات الفنية باستخدام الكمبيوتر، كما أنها أسست منصة فنية، أما الجانب الثاني فهو الشغف بالسفر والترحال وامتلاك المغامرة، والالتحام بثقافات عالمية واكتشاف الشياء، وهي أمور كانت تميز مسيرة الوالد حتى أن البعض كان يصفه بـ “الرحالة”.
في الختام أكد فهد محمد الشارخ أنه وأسرته حافظون لتراث والده ومكملون طريقه.. وستكون هناك مبادرات تمكن الأمة العربية من مواكبة التقنية بلغتها وتراثها وتاريخها لتأصيل الثقافة العربية ونقلها إلى عوالم التقنية العصرية وتمكين الأجيال المتعاقبة من الاستفادة من كل ذلك.