عكس التيار
ستعلن الهيئة الوطنية للانتخابات في مصر، اليوم، نتيجة الانتخابات الرئاسية التي جرت أخيراً، وسيؤدي الرئيس عبدالفتاح السيسي اليمين القانونية في الأول من حزيران (يونيو) المقبل، ليبدأ ولايته الثانية، بينما معارضوه من «الإخوان» والجماعات الإرهابية والدول الداعمة لها، وعلى رأسها قطر وتركيا ونخب سياسية امتطتها جماعة «الإخوان» تعيش عالمها الافتراضي.
يسير المصريون عكس تيار الربيع العربي بعدما ضربتهم التجربة في مرحلة متقدمة من مسار ذلك الربيع المدمر، هم لم يجدوا أنه يحقق لهم عيشاً ولا حرية ولا كرامة إنسانية، وإنما فقر وفوضى وامتهان لكل المشاعر الإنسانية. أثبتت وقائع الانتخابات، بغض النظر عن أن نتيجتها كانت محسومة سلفاً، أن المصريين فعلوا عكس كل ما تدعو إليه الجهات التي طالبتهم بالمقاطعة والعزوف عن المشاركة والامتناع عن التوجه إلى مراكز الاقتراع، كأنهم كانوا ينصتون تماماً وينتبهون جداً إلى ما تبثه الآلة الإعلامية لـ «الإخوان» والقنوات ذات التمويل القطري التي تبث من الدوحة ولندن وإسطنبول، بل ربما سجلوا ودونوا التعليمات كي يخالفوها، والأوامر ليعصوها، والتحريض ليدحضوه!!
فعلها المصريون في مرات سابقة عندما حولوا مثلاً دعوة الإخوان للعصيان المدني إلى مناسبة للخروج إلى المتنزهات والأماكن السياحية والاحتفاء بالمشاريع العملاقة التي يهاجمها إعلام الجماعة، وعندما تلقوا زخم التحريض على التظاهر في الميادين والاعتصام في الشوارع في «جمعة الجوع» بسخرية، ذهبوا إلى الميادين ليحتفلوا وساروا في الشوارع يرفعون علم بلدهم نكاية في «الإخوان» ومن يحترمونهم.
جاءت أيام الانتخابات كذروة لمخالفة تعليمات «الإخوان» ومطالب قطر وأحلام تركيا، وكأن الشعب المصري أراد أن يبرهن على أنه لن يقبل مجدداً أن تأتيه الأوامر، أو قل التوسلات، من الخارج كي يدمر بلده أو ينشر فيها الخراب أو يأتي بالربيع من جديد. لم يعبأ المصريون بالصورة الذهنية السلبية التي سعت إلى صنعها تلك الجهات والتي ربما تركت تأثيراً لدى دوائر غربية أو حتى بين النخبة العربية ورأى البسطاء من أبناء الشعب. أن كل من حصر نفسه في إطار الإعلام الإخواني أضر بنفسه فخرجت كتاباته بهذا المستوى المزري وجاءت آراؤه معبرة عن أهداف الجماعة وأتت مواقفه لا تختلف عن مواقف دعاة العنف وداعمي الإرهاب.
يبقى السؤال قائماً: لماذا لم يعد المصريون يتأثرون بالكلام عن الحريات الغائبة أو الاختفاء القسري أو أوضاع السجون؟ الإجابة تظهر في ردود فعلهم على حملات الإعلام الغربي ودعوات «الإخوان» إلى الثورة على الحكم، وبيانات وأحاديث النشطاء حول موضوعات كتلك، إذ ترسخ في أذهان الشعب المصري أنها كلها قضايا استُغلت لإشعال الفوضى ليس أكثر، خصوصاً بعد ظهور أفراد من المختفين قسرياً ضمن تنظيمات إرهابية، وكذلك لأن المعزوفة دائماً تأتي من قناة أو موقع إلكتروني أو صحيفة إخوانية، ثم يبدأ الجميع العزف عليها لعل المصريين يغضبون ثم يهدمون بلدهم على رؤوسهم!! ناهيك بالطبع عن كثافة الأكاذيب وأنهار الفبركات التي لا تنطلي على أطفال صغار، فما بالك بشعب أراد التغيير لكنه وقع فريسة لجماعة خططت للقفز على السلطة طوال عقود، وناشطين ارتبطوا بمنظمات ومراكز تمنح المكافآت والسفريات والمزايا، ودول أسست قنوات وصحفاً ومراكز بحثية لإيواء المطاريد من الناشطين من ثوار الفنادق والاستوديوات. باختصار فإن المصريين حصلوا على خبرة واسعة في التعامل مع أساليب «الإخوان» وصاروا أكثر مناعة في مواجهة فيروسات الإعلام المضاد.
يأتي سؤال آخر: لماذا لم ترشح قوى المعارضة، حتى غير «الإخوان»، مرشحاً مرموقاً لمنافسة السيسي؟ الإجابة تتسق مع ما صار المصريون مقتنعين به تماماً: المعارضة بكل صورها فقدت الظهير الشعبي الذي اعتمدت عليه في كانون الثاني (يناير) 2011، وصار هذا الظهير يسير في تيار آخر غير الذي اختارته تلك النخبة التي تتسول ربيعاً عربياً آخر تحصن المصريون ضده، ولن يسمحوا أبداً أن يمر فوقهم من جديد.