مقالات

{محنة التغيير}

حسن فليح / محلل سياسي


على العراقيين ان يدركون حقيقة مفادها الشعوب الحيّة هي التي تصنع التغيير لنفسها ، عندما تدرك قوتها وتتحول من حالة القبول بالواقع المرفوض وتكتفي بالتظلم والتشكي ، إلى الايمان المطلق بأن عليها فقط تقع مسؤولية المبادرة وتصحيح المسار ، وعدم انتظار الارادة الخارجية والاعتقاد انها الجهة الوحيدة التي تصنع لهم التغيير المنشود ، الارادة الخارجية دائما ماتبحث عن مصالحها وعدم اكتراثها لمصالح الشعوب والبلدان التي تقع تحت تاثيرها ،
صحيح جميع المتغيرات التي حدثت على مدار اكثر من مئة عام في العراق كانت بأرادة دولية من النظام الملكي مرورا بجميع الانقلابات العسكرية وانظمة الحكم التي شهدها العراق الى يومنا هذا ، الانقلاب العسكري الوحيد الذي لم ياتي بارادة دولية هو ثورة 14 تموز عام 58 وكادت الثورة لم تستمر بمسك نظام الحكم ، لولا موقف الاتحاد السوفيتي المعروف حين ذاك واعلانه وانذارة الشديد بعدم التقرب وعدم شن العدوان على العراق المتمثل بنظامه الجديد من القوات الامريكية والبريطانية التي تحشدت في وقتها بالاردن وتركيا لاسقاط النظام الجمهوري بقيادة الزعيم عبد الكريم قاسم ، تحت حجة اعادة الشرعية للنظام الملكي ، وماعدى تلك الحركة فأن جميع الذين جائوا ونجحوا باستلام السلطة بالعراق كانت تقف خلفهم أرادة دولية واضحة ولحد الان ،
أن من يمتلك السلاح في العراق هو المتنفذ اليوم بغياب الديمقراطية الحقيقية التي حلت محلها الديمقراطية الشكلية والتوافقات السياسية على حساب الحكم المدني الحقيقي بالبلاد ، وأن انتشار السلاح وعسكرة المجتمع من قبل الاحزاب المتنفذه والمرتبطة خارجيا هما كانا السبب في فشل ثورة تشرين وقمعها بشكل وحشي ولم يسمحان لها بقيادة التغيير الحقيقي الذي يطالب به الشعب ، ثورة تشرين الثورة الوحيدة في تاريخ العراق، التي نطقت بلسان حال الشعب وجمعت شمله المتشضي على شعار واحد وهو “نريد وطن” والتي غابت عنها القيادة والرؤية الواضحة لتحقيق ذلك الهدف السامي ، مع غياب الدعم الدولي لها الذي انعكس سلبا على قمعها وتحت انظار المجتمع الدولي ومؤسساتة الاممية !!؟ من هنا
فأن فكرة الانقلاب العسكري لم تغادر أذهان العراقيين الذين عانوا كثيرا من سوء إدارة الحكومات ما بعد 2003، حيث انهم لازالو يمنون انفسهم أن تظهر قوة عسكرية لتغيير الواقع الحالي ، المشوب بالحذر والتخبط السياسي وعدم الاستقرار والخاضع لاكثر من اجندة دولية واقليمية لاتمثل ارادة العراقيين ومدركين تماما أن الواقع السياسي بالعراق بات من المستحيل تغييره عن طريق الانتخابات أو عن طريق التظاهرات وذلك نظرا لحجم الفساد المستشري وحجم التدخل الدولي والايراني الذي استطاع ان يبني له اكثر من جهاز امني يدافع عن نفوذه ومصالحة بالعراق ، في ضل فشل الامريكان في بناء تجربة ديمقراطية رصينة ذات مؤسسات مستقلة وقوية تكون حريصة على حمايتها من الخرق والفساد وعدم استطاعتها من الاتيان بحكومة موالية لها عن طريق الانتخابات ، وتركت التجربة للتخريب والتزوير والفساد مثلما فعلت ايران واحزابها المواليه لها على مدى العشرين سنة الماضية!!
من الواضح لايمكن نجاح اي انقلاب عسكري دون دعم اقليمي ودولي لكي يترسخ الانقلاب وضمان عدم فشله في ضل الظروف الدولية والداخلية المحيطة بالعراق حاليا،
ان الحالة الداخلية للعراق على المستوى الشعبي تشجع وتريد نظاما سياسيا مغايرا لما حصل بعد ال2003 للخلاص من التجربة السيئة التي عانا منها الشعب كثيرا ، ولم يجد بد من ذلك التغيير ألا بحصول انقلاب عسكري وسياسي يقود البلاد من ذلك الفشل مع التمني ان يكون نظاما عادلا وقويا يعيد للعراق هيبته المفقودة ويصون كرامة العراقيين التي استبيحت بشتى الوسائل والسبل .
ان اجواء الحرب الباردة قد عادت بقوة ، وان سياسة التخادم بين امريكا وايران قد تعطلت ، وان شغف موسكو بالدخول على خط الصراع بالعراق من اجل توسيع نفوذها في اهم بلد يعتقد الامريكان والغرب انه بلد مغلق لهما ولايجوز اختراقة او السماح للنفوذ الروسي بالعودة للعراق مجددا ، علما ان عودة الروس اصبحت وشيكة وحاصلة بحكم النفوذ الايراني بالعراق وبحكم الشراكة الروسية الايرانية التي تسمح بتلك العودة لاسيما وان بعض الفصائل المحسوبة على ايران قد رحبت بذلك ومنها على سبيل المثال وليس الحصر النجباء !! علما ان الحكومة العراقية قد اعطت حقل عكاز الغازي لاستثماره من قبل الروس، كما ان بعض التقارير تشير ان الفصائل وفي مقدمتها حركة النجباء تحاول الحصول على اسلحة روسية فعالة للتصدي للمسيارات والطائرات الامريكية ، الامر الذي يعني تحول كبير في مسار الاحداث وانعكاساتة الخطيرة على العراق والمنطقة ، وهذا يقوض الى حد بعيد الحلول السياسية ويعقد المشهد اكثر امام الامريكان ، خاصة في ضل حكومة موالية لطهران وفصائل مسلحة باتت اقوى من الجيش بأتخاذ القرار والتحرك بأي اتجاه تريد دون رادع !! هذا المشهد يضع جميع المتصارعين للنيل بالعراق على التفكير بالانقلاب العسكري وعتباره احد الخيارات المهمة والمطروحة لحسم الامر ، والخيار الافضل في حساباتهم بالمقارنة من اللجوء للحرب الشاملة وتداعياتها الخطيرة ،
كلنا نتذكر كيف ان المخابرات الامريكية ساعدت حركة طالبان في افغانستان بالاسلحة المتطورة لاسقاط السمتيات والطائرات الحربية السوفيتية عندما كان الجيش السوفيتي يحتل افغانستان ، حيث ان الامر كان له الاثر الكبير على ساحة المواجهة وقلب المعادلة لصالح حركة طالبان ، واثر بشكل كبير على ايقاع اكبر الخسائر في صفوف الجيش السوفيتي حين ذاك ، واجبر السوفيت على لانسحاب من افغانستان ،
هل روسيا ستفعل نفس الشيء بالعراق بضد من الامريكان وتقوم بتسليح الفصائل باسلحة تطيح بالمسيرات الامريكية والطائرات الحربية والسمتيات ومروحيات الشينوك الناقلة لحركة الجنود والاسلحة الخاصة بالجيش الامريكي؟
ربما يصبح ذلك واقعا في ضل جميع الخيارات التي باتت مفتوحة بالساحة العراقية ، الامر الذي يعجل من ردة فعل امريكية قبل بلوغ الامر الى هذا المستوى من التحدي البالغ للخطورة ؟!! بالنتبجة النهائية ان الخاسر الوحيد في ذلك الصراع وتلك المعادلة مهما كانت نتائجها وبأي اتجاه تصب ، هو العراق وشعبه المجرد من وسائل فرض ارادته الحرة والمشروعة .

admin