كتب / علي علي…
“رأس الشهر”.. عبارة لها وقع جميل على مسامع فئات كثيرة منا، وكيف لا..! فهو يوم استلام الراتب، وفيه كما نقول في لهجتنا الدارجة (يصعد الدبل) لكن، من المؤسف والمؤلم حقا أن هذا اليوم بات يحمل لنا إحصائيات تمثل الحصيلة النهائية لعدد العراقيين الذين راحوا ضحية الهجمات الإرهابية لذاك الشهر. إذ عودتنا بيانات تصدر من جهات متخصصة في عراقنا الجديد، على استقبال شهر جديد بتوديع آخر قبله، مضمخا بدماء أخوتنا وأصدقائنا وأبنائنا وأحبتنا وزملائنا، بحيث أصبح الموت أقل ضريبة وأوطأ جباية على العراقي دفعها (قرض فرض) في صباح من صباحات حياته، او مساء من مساءات أيامه إن عاجلا أو آجلا، في بلده الذي يحلم أن يكون يوما ما آمنا. أما السبب في هذا فهو هويته العراقية، وانتماؤه لبلده وأرضه، وأما المسبب فهم حتما القريبون منه والراعون له والمسؤولون عنه والمفوضون بأمره، وليس مخلوقات غريبة نزلت عليه من سماء سادسة او سابعة.
لقد قدم العراق ومازال يقدم حتى ساعة إعداد هذي السطور، أعدادا غفير من (ولد الخايبة) وقطعا كل واحد منهم قضى نحبه مغبونا أو مظلوما أو مغدورا، ففي كل رأس شهر تطلعنا جهات متخصصة بأرقام مهما ضؤلت، فهي كبيرة في تأثيرها وأثرها على نفوسنا، إذ الشهيد الواحد كالإثنين، والإثنين كالعشرة، والعشرة كالألف. مقابل هذا نرى أرباب الأحزاب السياسية وأعضاءها، يتصارعون فيما بينهم على المصالح الخاصة، وكأنهم في وادٍ غير وادي الشعب، وكذلك الكتل النيابية التي تتظلل تحت قبة مجلس النواب، إذ أن شغلها الشاغل اللهاث وراء كل مايخدم كتلتها دون النظر الى المصلحة العامة، وقطعا كل هذا يجري برعية رئاسة البرلمان التي كان حريا بها ان تتعجل بإقرار القوانين التي تخدم البلاد، فالإسراع في بتها وتشريعها، وإلزام مؤسسات المجلس التنفيذي بالعمل بها، سيقود البلد الى وضع أكثر أمنا وأمانا. وصحيح أن بعضا من مواقف المجلسين التشريعي والتنفيذي أثلجت صدور العراقيين -وليس المجال مجال ذكرها- إلا أن الوقوف عليها كإنجاز عظيم أو مميز لا يصح، فهو واجب المجلس أعضاءً ورئاسة. كذلك على المجلس ان يتخذ منها مثابة للانطلاق نحو المثابرة والعمل الدؤوب، ويجعل منها محفزا ودافعا لإقرار قوانين معلقة وأخرى متأخرة، والتي دارت عليها دورات المجلس وفصوله التشريعية الواحدة تلو الأخرى، فيما لم تحرك رئاسته ساكنا في الإسراع بإقرارها.
فهل يعلم رئيس البرلمان وأعضاؤه وأرباب الكتل والأحزاب، ان التلكؤ والتباطؤ في إقرار القوانين يفضي الى استغلال المغرضين هذا التأخير، ويجيّرونه لصالحهم ولصالح أجنداتهم التي تسيرهم، أي أن الإرهاب وتقصير البرلمان في أداء واجباته يسيران في خط واحد، ويفضيان الى النتائج السلبية التي يخيم على البلد وقعها السيئ وأثرها الخطير، ومعلوم قطعا من يكون الضحية في كل هذا، ومن يدفع الثمن الباهظ من جراء ذلك. كما أن أي محلل لما يجري في الساحة العراقية يدرك ببساطة، ان لبعض السياسيين دورا ضليعا بتردي الحالة الأمنية فيها، وهنا تشير -كما أشارت سابقا- أصابع الاتهام الى بعض الساسة، لاسيما ان قسما منهم ثبتت عليه جرائم وتورطات بأعمال إرهابية.
فمتى يسمع المواطن في (راس الشهر) خبرا يريح أعصابه من تعبه المتراكم من أيامه الثلاثين؟ ومتى تنتهي البشائر غير السارة التي تمطرها عليه المواقع والقنوات الإعلامية؟ وهل يلوح في الأفق شيء من هذا ياساستنا؟