مدعي نبوة يرشح للرئاسة: الفنتازيا العراقية

2

صادق الطائي

لاريب في أن اللعب على عواطف الناخب الدينية ستكون في مقدمة ما يقدمه المرشحون في دعايتهم الانتخابية في العراق، بسبب هيمنة أحزاب الإسلام السياسي شبه المطلقة على المشهد السياسي منذ إطاحة نظام صدام حسين عام 2003 حتى الآن، لكن الإشكال الذي أوقع الناخب في حيرة وتخبط وعدم قدرة على اتخاذ القرار، هو الفساد غير المسبوق الذي لوّث الطبقة السياسية في العراق، وفي مقدمتها أحزاب الإسلام السياسي، التي شاركت بنهب المال العام والقتل والتهجير، ونشر التوتر الطائفي على مدى خمسة عشرعاما، ولم تقدم أي شيء يمكن أن يحسب لها كمنجزات أمام الناخب المغلوب على أمره.
قبل أن يتم إعلان البدء بالحملات الانتخابية شهدت المناسبات الدينية خروقات دستورية، إذ ابتدأت بعض الكتل حملاتها الإعلانية مبكرا يوم 8 أبريل الماضي، مستغلة طقوس الزيارة الدينية لمرقد الإمام موسى الكاظم، بينما كان يجب أن تبدأ الحملات الانتخابية يوم 14 ابريل، بحسب قرار المفوضية العليا للانتخابات، وقد تمثلت نشاطات الدعاية الانتخابية بطرق عديدة، حيث تداخلت مع خدمة مواكب الزوار بتقديم الطعام والشراب والخدمات، لما يمثله هذا السلوك من تملق الشعور الديني لدى عامة الشيعة.
كما استغلت كتل انتخابية كبيرة المناسبة الدينية لرفع صور قادة بارزين في كتل شيعية مهمة مثل، الفتح والنصر ودولة القانون وتيار الحكمة وحتى كتلة سائرون، إذ رفعت صورهادي العامري وعمار الحكيم ونوري المالكي، وكذلك زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر، وتضمنت بعض الصور شعارات انتخابية صريحة، لكن من دون وجود أرقام صريحة لمرشحي الكتل، ولم يقابل هذا الخرق بأي إجراء أو عقوبة من الهيئة العليا للانتخابات.
«المجرب لا يجرب».. مقولة ملّها الشارع العراقي من كثرة تكرارها هذه الايام، فقد طرحها خطباء من على منابر صلاة الجمعة ونسبوها إلى المرجعية الدينية في النجف، لتصبح الجملة الأحجية، ويخوض فيها من هب ودب ليفسرها ويبين رأي المرجعية الذي خفي على كل العراقيين! فالمتشدد انطلق يفسر بوجوب عدم انتخاب كل من شارك سابقا في العملية السياسية في الحكومة والبرلمان (شلع قلع)، بينما انطلق من مستهم سهام المقولة إلى طرح استثناءات، فحسب وجهة نظرهم أن ليس كل المجربين يجب استبعادهم، وإنما استبعاد الفاشلين فقط من المجربين هم من يجب عدم انتخابهم، وهنا أصبح الناخب ازاء حكم مطاط ومتاهة جديدة، فهو لا يعلم بدقة من هو الفاشل ومن هو المستثنى من الفشل، ووفق اي معايير يجب أن يقيس الأمر.
كما أن إطلاق توصيف عائم عبر استخدام مصطلح (المرجعية) ونسب أقوال لها اصبح حالة عراقية بامتياز، فلا أحد يعلم كنه ومعنى هذه التسمية، هل تعني رأي السيد السيستاني باعتباره أهم المراجع في النجف؟ واذا كانت كذلك هل يجب أن يصدق الناس كل كلمة يطلقها أي شخص مدعيا نسبتها للمرجع؟ أم يجب أن تكون هنالك فتوى تحريرية مختومة بختم المرجع وصادرة عن مكتبه ليكون الأمر مؤكدا؟ ثم ماذا عن بقية مراجع التقليد وهم عشرات المراجع، وماذا عمن يعرفون بالثلاثة الكبار في النجف وهم المراجع، الشيخ النجفي والشيخ الفياض والسيد الحكيم، وكل منهم له رأي قد يكون مختلفا عن السيد السيستاني، مثال ذلك فتوى الشيخ النجفي في الانتخابات السابقة، إذ دعا بخطاب متلفز وبشكل لا لبس فيه للوقوف خلف عمار الحكيم في الانتخابات، ووصفه بابن المرجعية، فهل غير رأيه الآن وبات عمار الحكيم من ضمن «المجرب لا يجرب»؟ وماذا عن الحركات والاحزاب التي لا تقلد مراجع التقليد في النجف، بل تقلد مراجع تقليد في إيران، مثل احزاب كتلة الفتح الانتخابية التي تقلد السيد الخامنئي، أو التيار الصدري الذي يقلد السيد الحائري وهما مرجعان في إيران وليس العراق، فهل كان رأي مراجع ايران ايضا هو «المجرب لا يجرب»؟ أم أن لهم رأيا آخر؟
من جانب آخر دعى بعض مراجع السنة مثل رجل الدين السني الابرز الشيخ عبد الملك السعدي الناخبين إلى عدم التصويت للقوائم التي تضم أسماء مسؤولين وأعضاء سابقين في مجلس النواب، في دعوة تشبه إلى حد كبير «المجرب لا يجرب»، واتهم السعدي في بيان مقتضب أصدره قبل أيام الطبقة السياسية العراقية بقوله «إنهم جعلوا السابقين في مقدمة القائمة، وذيلوها بأسماء جدد لينتفعوا من أصواتهم، ثم بعد ذلك سيهمشون». وأضاف السعدي، «لذا أوضح أن ما دعوت إليه هو انتخاب جدد من بداية القائمة إلى آخرها، ممن يظن بهم الخير للبلاد والعباد، وأي قائمة تحتوي على سياسي سابق يجب ألا يصوت لها».
بينما شهد الجانب الكردي في هذا الصدد نتائج مقاربة لما يشهده عرب العراق، حيث تصدعت الكتل الكردية، وبات الموقف يشوبه الارتباك في قضية التحالفات، وهو أمر مشابه لتصدع نظرائهم العرب، لكنهم يتفوقون عليهم بانعدام الثقة الخطير في ما بينهم، مع حدة واضحة بين ال‘سلاميين والعلمانيين في التنافس على أصوات الناخبين الكرد، وقد أفاد ملا بختيار، وهو قيادي في المكتب السياسي للاتحاد الوطني الكردستاني، خلال مناظرة تلفزيونية في قناة «رووداو»، مطلع شهر ابريل، مع أمير الجماعة الإسلامية الشيخ علي بابير، بأن «العلمانيين ليسوا ملحدين.. وأنا ضد هذا الكلام»، مشيراً إلى «أن ثلاثة من الخلفاء الراشدين قتلوا بيد الإسلاميين وليس العلمانيين».
وإذا كان أمر الترشح والانتخاب متعلقا برأي سيد أو مرجع أو حزب اسلامي، فلماذا لا يذهب المرشح أو الكتلة الانتخابية إلى اقصى سقف ممكن؟ وهو ما حصل فعلا وبطريقة بدت كاريكتيرية في الصراع الانتخابي العراقي المتفرد بخصوصيته، فها هو المحامي موفق طه العبيدي مرشح «ائتلاف العربية» في محافظة ديالى يكتب على لافتته الانتخابية أنه «مكلف من رسول الله بالترشح للانتخابات»، ما عرض حملة الكتلة الانتخابية التي يقودها صالح المطلك إلى حملة من السخرية قام به ناشطون في وسائل التواصل الاجتماعي.
فهل توقفت السخرية العراقية عند هذا الحد؟ بالتأكيد لا؛ فقد ظهرت لافتات دعاية انتخابية في مدينة الناصرية مركز محافظة ذي قار جنوب العراق خرقت كل ما سبقها من طروحات، فقد وزعها المدعو ياسر ناصر حسين، الذي كتب على لافتات دعايته التي احتوت على صورة شخصية له وهو يرتدي الزي الديني معتمرا العمامة السوداء وقد كتب تحت صورته «وبشر الصابرين.. مؤسس وقائد ونصير حزب الله نور السموات والأرض… النبي السيد الإمام المجاهد ياسر ناصر حسين (آية الله العظمى) زعيم الأمة. رقم القائمة (1) لحزب الله تأسس عام 2000، ثأري وابن ثأري».
وقد أجرت قناة تلفزيونية محلية لقاء مع مدعي النبوة في مدينة الناصرية وسألته عن تفاصيل أكثر عن ذلك، فأخبرهم، بوضوح أنه تلقى أوامر من الوحي الذي هبط عليه وأبلغه بنبوته وطلب منه الترشح في الانتخابات المقبلة لمنصب رئيس الجمهورية العراقية. وقد أفاد مصدر قضائي بمحكمة تحقيق الناصرية، يوم الأربعاء 25 أبريل 2018 بأن المحكمة أجرت تحقيقا موسعا مع أحد المتهمين وهو المدعو ياسر ناصر حسين بالمحافظة ادعى النبوة. وذكر المصدر أن الموما اليه مرشح للانتخابات البرلمانية المقبلة بقائمة تحمل اسم «حزب الله نور السموات»، كما بيّن المصدر أن «المتهم رفض تحقيقات الأجهزة الأمنية معه وطلب إحضار احد القضاة لإجراء التحقيقات الرسمية معه».
وإذا تساءلنا عن السبب الذي أوصلنا إلى هذا المستوى من الجنون، ربما لا نجد جوابا إلا أنها الفانتازيا العراقية بامتياز التي أوصلت انسانا بسيطا إلى هوس ادعاء النبوة عله يجد حلا للخروج من نفق العراق المظلم.
كاتب عراقي

 

التعليقات معطلة.