الدكتور سعد حمزة ناصح المعموري
مع تزايد التعاملات الإلكترونية في الحياة اليومية، برزت الحاجة إلى الاعتراف بالتوقيع الإلكتروني كوسيلة قانونية تثبت التصرفات والعقود، لا سيما في ظل غياب تنظيم صريح له في التشريعات العراقية النافذة. ويتجلى الإشكال الأساس في مدى حجية هذا النوع من التوقيع في الإثبات، خاصة وفق أحكام القانون المدني العراقي رقم (40) لسنة 1951 وقانون الإثبات العراقي رقم (107) لسنة 1979.
يشير القانون المدني العراقي في المادة (503) إلى أن “الكتابة لا تكون حجة إلا إذا كانت موقعة”، ما يعني أن التوقيع يُعد عنصراً جوهرياً لإضفاء الحجية على المحررات. ويُفهم من ذلك أن غياب التوقيع أو عدم توافر شروطه التقليدية يؤدي إلى ضعف حجية السند. لكن القانون لم يبين ما إذا كان التوقيع الإلكتروني يفي بالغرض ذاته.
أما في قانون الإثبات العراقي، فقد نصت المادة (7) على أن “الكتابة تكون رسمية أو عادية… ويجب أن تكون موقعة من صاحبها”. كذلك، أشارت المادة (إلى أن “السند الموقع عليه يكون حجة على من نسب إليه التوقيع ما لم ينكر صراحة ما هو منسوب إليه من خط أو إمضاء أو ختم أو بصمة”. مما يُفهم أن التوقيع التقليدي هو المقصود، لكن الباب لا يُغلق أمام القياس على التوقيع الإلكتروني، إذا تحققت فيه ذات الغاية القانونية.
إن التوقيع الإلكتروني، وإن كان يختلف من حيث الوسيلة، إلا أنه قد يحقق الغاية ذاتها المتمثلة في نسب التصرف إلى صاحبه وإثبات رضاه. فإذا تحقق هذا الهدف من خلال وسائل تحقق فنيّة مثل الشهادة الرقمية أو التوقيع المعتمد على تقنية المفتاح العام (Public Key Infrastructure)، فيمكن للمحكمة قبوله وفق مبدأ “القياس” وبالاستناد إلى قواعد الإثبات العامة، لا سيما ما ورد في المادة (132) من القانون المدني التي تجيز الاتفاق على وسائل الإثبات.
وعليه، فإن التوقيع الإلكتروني قد يُعتبر حجة معتبرة إذا تم باستخدام وسيلة تؤمن سلامة البيانات، وتربط بين الموقّع والمحتوى ارتباطًا موثوقًا، ما يتيح للقضاء قبوله في ضوء تكييف قانوني مرن، رغم الحاجة إلى تدخل تشريعي يُنظم هذا النوع من التوقيعات بشكل صريح وواضح في التشريع العراقي.