بقلم : عادل الجبوري
نشرت السفارة الاميركية في بغداد قبل بضعة أيام، خبراً على موقعها الالكتروني، تضمن اشارتين، الاولى تأييد الولايات المتحدة الاميركية اجراء الانتخابات البرلمانية العامة في العراق في موعدها المقرر، في الثاني عشر من شهر ايار-مايو المقبل، والاشارة الثانية هي استعداد الوكالة الاميركية للتنمية الدولية(USAID) ارسال ستة مستشارين متخصصين بمساعدة المفوضية على تعزيز نظمها الانتخابية وموظفيها وعملياتها.
ولا شك ان هذا الاعلان الاميركي يقتضي أكثر من وقفة، لما ينطوي عليه من مخاطر تهدد سلامة ومصداقية العملية السياسية في العراق.
فقبل عدة شهور وردت تصريحات على لسان شخصيات سياسية اميركية وغربية، ونشرت تقارير ومقالات، تروج بطريقة او بأخرى لعدم توفر الظروف المناسبة لاجراء الانتخابات في الموعد الذي حددته الحكومة العراقية.
لم تكن الولايات المتحدة راضية عن اجراء الانتخابات في الوقت الحالي
وتنقل اوساط سياسية مطلعة، ان اتصالات ونقاشات طويلة وتفصيلية، بعضها مباشر وبعضها الاخر غير مباشر، جرت بين قوى وشخصيات سياسية عراقية تطالب وتعمل على عرقلة اجراء الانتخابات في موعدها، وشخصيات ومؤسسات اميركية، لغرض فرض امر واقع، تحت غطاء الامم المتحدة، ليطرح فيما بعد خيار تشكيل حكومة انقاذ او طوارئ.
والدافع الرئيسي لواشنطن والقوى السياسية العراقية الساعية الى ارجاء الانتخابات، يتمثل في تحجيم الحشد الشعبي، الذي بات رقما صعبا ومهما بعد دوره الفاعل والمحوري في القضاء على تنظيم داعش الارهابي، لا سيما وان العناوين والاطر السياسية للحشد الشعبي قررت المشاركة بقوة في الانتخابات، وتبني برنامج سياسي فيه شيء جديد، وربما شكلت طبيعة العلاقات بين قوى الحشد الشعبي والجمهورية الاسلامية الايرانية، عامل استفزاز وقلق للولايات المتحدة الاميركية وأطراف دولية واقليمية عديدة.
لكن جهود ومساعي واشنطن والقوى السياسية الساعية الى العرقلة والتأجيل باءت بالفشل، لذلك ارتأت ان تساير الامور، وبادرت واشنطن الى اعلان تأييدها لاجراء الانتخابات في موعدها المقرر ورفض التأجيل، في ذات الوقت الذي صوتت فيه قوى الرفض، على موعد الانتخابات، بعد ان اكدت المحكمة الاتحادية العليا عدم جواز التأجيل.
وطبيعي ان واشنطن غير مستعدة للاكتفاء بالمراقبة والتفرج، لذلك، قررت عرض خدماتها الفنية واللوجيستية على المفوضية العليا المستقلة للانتخابات في العراق، من خلال الوكالة الاميركية للتنمية الدولية (USAID)التي جاء في الاعلان المنشور على الموقع الالكتروني للسفارة، أنها تزمع ارسال ستة مستشارين متخصصين لمساعدة منظمات المجتمع المدني المعنية على مراقبة الانتخابات، وكذلك مساعدة المفوضية في جوانب مختلفة لخصتها بثلاث نقاط، هي:
-تمكين العراقيين النازحين داخليا من التصويت من خلال التركيز على تسجيل الناخبين وضمان فعالية أنظمة التصويت الالكتروني.
-تحسين القدرة الإدارية الانتخابية على مستوى المحافظات لدعم عملية التصويت في المناطق المحررة مؤخرا.
-مساعدة مجلس المفوضين الجديد في المفوضية العليا المستقلة للانتخابات على وضع خطة تشغيلية سليمة لانتخابات ايار 2018.
ولمن يتابع ويدقق، يكتشف ان الوكالة الاميركية للتنمية الدولية، تعد واحدة من المفاصل الاساسية والمهمة لوكالة المخابرات المركزية الاميركية، ولها مكاتب وانشطة بعناوين وواجهات متعددة في اغلب دول العالم، خصوصا تلك التي تشهد اوضاعا وظروفا سياسية وامنية مضطربة، واغلبها في العالم الثالث، وعليه فإنه من غير المعقول توقع ان تساهم تلك الوكالة في انجاح الانتخابات العراقية بصدق ونزاهة بعيدا عن الاجندات السياسية والمخابراتية، اذ ان مهمتها الاساسية ستتمثل بدعم واسناد قوى وكيانات معينة وفق خطط وبرامج محددة، لتحقيق اهداف والوصول الى نتائج تنسجم مع مصالح واشنطن وتتقاطع مع مصالح من تفترض انهم خصومها ومنافسوها.
ولعل المطلوب من الحكومة العراقية، والجهات المعنية، ان تقطع الطريق مبكرا على واشنطن قدر ما تستطيع، لان الاختراقات السياسية قد تكون اخطر بكثير من الاختراقات والتدخلات العسكرية.
ويؤكد نواب وساسة عراقيون “ان رائحة التدخلات الأمريكية في الانتخابات بدأت تفوح من الآن من خلال البيان الذي أصدرته السفارة الأمريكية، والذي بدأت من خلاله بتمهيد الأرضية للتلاعب بالنتائج وفق ما ينسجم مع سياساتها ومصالحها”.
ويضيفون “أن الشعب العراقي اليوم يشعر بالقلق حتى تجاه فرق الأمم المتحدة، فكيف الحال إذا تدخلت أمريكا بشكل مباشر في عمل مفوضية الانتخابات، اذ ان السماح لهؤلاء المستشارين بالتدخل سيجعل الانتخابات مشكوكا في شرعيتها ونزاهتها، واذا كانت الحكومة العراقية جادة في الحفاظ على نزاهة الانتخابات لا بد أن تعلن رفضها الصريح لأية تدخلات خارجية في عمل المفوضية”.
ولا شك ان التدخلات والاجندات السياسية والعسكرية الاميركية ألحقت الكثير من الضرر بالعراق والشعب العراقي، وما تعرض له من ارهاب وفساد وازمات سياسية واقتصادية، تتحمل الجزء الاكبر منه الولايات المتحدة الاميركية، ومزحة دعمها للانتخابات تبدو سمجة وثقيلة وساذجة، ولا تنطلي الا على المغفلين.