الشرق الاوسط

مسائل الشرق الأوسط: هل تعود المياه إلى مجاريها؟ المنطقة تمد يدها إلى الأسد

بواسطة أندرو جيه. تابلر, 

  • English

عن المؤلفين

Andrew J. Tabler

أندرو جيه. تابلرأندرو جيه. تابلر هو زميل أقدم في برنامج السياسة العربية في معهد واشنطن، يركز بحوثه على سوريا والمصالح الأمريكية في بلدان المشرق العربي.Ahed al-Hendi

Ahed al-Hendi is an independent Syria analyst.مقالات وشهادة

يناقش خبيران سبب قيام الحكومات العربية بشكل متزايد بتطبيع علاقاتها مع النظام السوري وما هي التداعيات التي قد تترتب عنها على السياسة الأمريكية.

“في 24 نيسان/أبريل، شارك أندرو تابلر وعاهد الهندي في الحلقة الأخيرة من سلسلة فيديوهات معهد واشنطن “مسائل الشرق الأوسط”، التي استضافتها زميلة المعهد حنين غدار. وتابلر هو “زميل مارتن ج. غروس” في المعهد ومستشار أقدم سابق للمبعوث الخاص للانخراط في سوريا في وزارة الخارجية الأمريكية. والهندي هو محلل سوري مستقل. وفيما يلي ملخص لملاحظاتهما.  شاهد هنا الحلقة كاملة”.

أندرو تابلر

ليست الجهود التي تبذلها دول المنطقة إزاء الرئيس السوري بشار الأسد بالأمر الجديد. فقد سبق أن سعت عمّان والقاهرة إلى نقل الغاز والكهرباء من الأردن إلى لبنان مع تخصيص حصة للرئيس الأسد، غير أن تلك الخطة لم تؤل إلى أي نتيجة. كما فتح الأردن “معبر جابر” عند الحدود السورية، وسرعان ما غرقت المملكة بالكبتاغون المنتج داخل سوريا. وبالطبع، لم يكن الأردن أو أي من الدول العربية الأخرى يريد هذه الحصيلة، وهي اليوم تعاني من تبعات قراراتها.

كذلك، قادت الإمارات العربية المتحدة مسعى آخر بهذا الشأن. فابتداءً من عام 2018، سعت الإمارات إلى تقديم حوافز مالية للأسد مقابل عرقلة تركيا وقطر، وجادلت لاحقاً بأن هذه الإغراءات قد تساعد على إخراج إيران من سوريا.

وفي الواقع، اعتقدت الحكومات العربية أن التعامل مع الأسد ممكن لعدة أسباب، ويعود ذلك جزئياً لأن إدارة بايدن لم تجعل سوريا أولوية. ثم شجعتها زلازل شباط/فبراير في تركيا وسوريا على مواصلة التطبيع الكامل. غير أن تاريخ التعامل مع الأسد له سجل مروع، لذلك لا يزال من غير الواضح سبب سعي الدول العربية المستمر في التواصل معه وما هي طلباتها من دمشق. فما هو المطروح على طاولة النقاش على وجه التحديد؟ لأن العقوبات الأمريكية باقية.

غالباً ما تشكّل جامعة الدول العربية مؤشراً جيداً على الوحدة الإقليمية بشأن قضايا معينة. إذ أن إعادة قبول سوريا في الجامعة العربية لا تتطلب سوى التصويت بأغلبية بسيطة، لكن بدلاً من ذلك يريد مؤيدي التطبيع تصويتاً بالإجماع. فهُم يعتبرون أن أي أصوات معارضة قد تجعل القرار عديم الجدوى، ويعتقدون أيضاً أن التصويت بالإجماع سيظهر للعالم أن هناك حاجة إلى اتباع مسار مختلف مع سوريا.

ومن ناحية العقوبات الأمريكية، تنتهي القيود الناشئة عن “قانون قيصر” في عام 2024، لذلك ينبغي أن يعيد الكونغرس إقرارها لكي تبقى سارية المفعول. وبالنظر إلى الأجواء الحالية في “الكابيتول هيل”، فإن التجديد أمر مؤكد. ومع ذلك، قد يعتقد المسؤولون العرب أن بوسعهم تغيير هذا الموقف الأمريكي قبل عام 2024.

بالإضافة إلى ذلك، تخلّف جهود التطبيع تداعيات على الوجود العسكري الأمريكي في سوريا. فالقوات الأمريكية متواجدة هناك بشكل قانوني بناءً على طلب من الحكومة العراقية للدفاع عن النفس بموجب “المادة 51″، مما يسمح لهذه القوات بالبقاء في البلاد لدواعي الحرب ضد تنظيم “الدولة الإسلامية”. غير أن روسيا وإيران ودمشق تريد انسحاب القوات الأمريكية. وإذا قرر العراق وسائر دول جامعة الدول العربية تطبيع العلاقات رسمياً مع الأسد، فقد يزداد الضغط الإقليمي ضد الوجود الأمريكي بشكل كبير في المستقبل غير البعيد. ومن بين أمور أخرى، يمكن أن ترغم هذه النتيجة “قوات سوريا الديمقراطية” المتحالفة مع الولايات المتحدة على إبرام اتفاق مع الأسد، وهو ما يعيد فعلياً مساحة كبيرة من الأراضي إلى النظام – على الأقل بصورة قانونية. ومن المرجح أيضاً أن يعيد إحياء تنظيم “الدولة الإسلامية” لأن أياً من الظروف التي أدت إلى إعلان التنظيم الجهاد في سوريا لم يتغير (أو الانتفاضة الشعبية المحلية في هذا الشأن).

عاهد الهندي

تدرّ تجارة الكبتاغون غير المشروعة التي يمارسها الأسد ما يصل إلى 5 مليارات دولار للنظام. وعلى مدى العقد الماضي، خسر الأسد السيطرة على جميع الموارد الطبيعية في سوريا تقريباً، من بينها حقول النفط وإمدادات المياه والإنتاج الزراعي. كما أن معظم إيرادات التصنيع لم تعد موجودة – فقد تم تدميرها أو نقلها خارج البلاد. فكان الحل الذي لجأ إليه هو تحويل سوريا إلى مركز نافذ للكبتاغون مسؤول عن تهريب المخدرات إلى الكثير من الدول العربية الأخرى، وسيبقى خط الإمداد هذا مستمراً ما لم يجد النظام طريقة أخرى لكسب المال. وقد أوضح الكونغرس الأمريكي أن عقوبات “قانون قيصر” ستظل سارية، مما يجعل من الصعب على النظام الحصول على الأموال من الدول العربية. وبالتالي، فإن الاعتقاد بأن الأسد سيوقف تجارةً تمدّه بالمال الذي لا يمكنه الحصول عليه بطريقة أخرى هو مجرد تمنيات.

وليست الجهود التي تبذلها دول المنطقة للتطبيع مع الأسد على أمل وقف أنشطته جديدة. فقد تمت تجربة الجهود نفسها في الماضي عندما كان يصدّر الإرهاب من خلال دعمه للجماعات المتطرفة في الدول العربية. ولم تنجح عملية التطبيع في ذلك الوقت، لذلك من غير المرجح أن تنجح الآن.

وعلى الرغم من أن معظم العقوبات لا تزال سارية، إلا أن قرار السماح بالإغاثة الإنسانية لمنكوبي الزلازل قد يمنح بعض المجال للدول العربية لإرسال الأموال للأسد. علاوة على ذلك، تبدو السعودية عازمة على التعامل مباشرة مع النظام، وهي تفعل الأمر نفسه في اليمن – في الماضي، حاولت الرياض اغتيال كبار قادة الحوثيين، لكنها تصافحهم حالياً. وتُعزى هذه التطورات إلى الانسحاب الأمريكي من المنطقة، الأمر الذي ترك الكثير من الدول العربية تواجه مشاكلها بنفسها – وفي حالة السعودية، من خلال سياسة التقارب.

غير أن اقتراحات إعادة قبول سوريا في جامعة الدول العربية وتوفير تراخيص الحج لمواطنيها هي في نهاية المطاف مجرد لفتات رمزية. وفيما يتعلق بتراخيص الحج، فإن الكثير من المواطنين واللاجئين السوريين الذين يعيشون في الخارج يستخدمون جوازات سفر أجنبية، مما يجعل تراخيص الحج عديمة الجدوى. صحيح، أن هذه اللفتات تساعد الأسد على رفع معنويات مؤيديه الرئيسيين الذين يكافح الكثيرون منهم بسبب المشاكل الاقتصادية ويعيشون تحت خط الفقر. وبهذا الصدد، تمنح عملية التطبيع الأسد حريةً في التصرف، والتي بدورها تعزز سرديته. ومع ذلك، لن يكون لأي من هذه الخطوات الرمزية تأثير على أرض الواقع على المدى الطويل، ناهيك عن إعادة سوريا إلى أيام ما قبل عام 2011.