محمد خالد
خلال الأسبوع المنصرم، عقدت وزارة النفط الجزائرية لقاءات مُنوعة من عددٍ من المؤسسات والشركات الطاقوية، من بينها المحادثات التي تمت مع العملاقين إيني الإيطالية، وإكسون موبيل الأميركية، لاستعراض الفرص التي يوفرها القطاع الطاقوي في البلاد، وفتح المجال أمام استثمارات جديدة، لا سيما في مجال الاستكشافات.
خلال لقائه مع وفد إكسون موبيل، استعرض وزير الطاقة والمناجم، محمد عرقاب “الفرص الهامة للاستثمار والشراكة التي يوفرها قطاع الطاقة بالجزائر، على غرار التنقيب عن المحروقات وتطويرها واستغلالها في إطار القانون الجديد للمحروقات الذي يوفر العديد من التسهيلات والمزايا للمستثمرين”.
كما أشار الوزير إلى استراتيجية القطاع القائمة على بعث استثمارات هامة تهدف للرفع من إنتاج وتحويل وتسويق البترول والغاز الطبيعي، بغرض تلبية الحاجيات الوطنية وكذا تقوية القدرات التصديرية، تأكيدا على التزامات الجزائر مع شركائها الأجانب، وفق بيان صادر عن الوزارة.
وفي هذا السياق، أكد عرقاب عزم الدولة على دعم وتقديم “كل التسهيلات” للشركاء الأجانب وخاصة شركة “إكسون موبيل” التي أكدت من جانبها الاهتمام بخلق وتحديد مشاريع هامة وملموسة بالجزائر خاصة.
كما تمحور اللقاء مع الرئيس التنفيذي لشركة إيني حول مشاريعها القائمة مع سوناطراك في مجال المحروقات والهيدروجين والطاقات الجديدة والمتجددة، وكذا فرص استثمار إيني في الجزائر في مجال المنبع البترولي والغازي، ولاسيما تطوير الحقول والرفع من القدرة الإنتاجية للغاز الطبيعي في إطار المشاريع المُبرمجة في مخطط الاستثمار المُتفق عليه، تبعاً لبيان صادر عن الوزارة.
يأتي ذلك في خطٍ متوازٍ مع سعي الجزائر إلى جذب استثمارات جديدة في القطاع، لا سيما فيما يتعلق بمجال الاستشكافات الطاقوية، التي حققت فيها البلد خطوات واسعة خلال العام الماضي، وبينما تتبنى الجزائر استراتيجية هادفة إلى تعزيز تلك التحركات، من خلال مخصصات مليارية جديدة في الخطة الخمسية من 2024 حتى 2028 في قطاع الطاقة، مستفيدة مما تزخر به من إمكانات وخبرات متراكمة في هذا الصدد.
50 مليار دولار
وكان عملاق النفط الجزائري، الشركة الوطنية لنقل وتسويق المحروقات (سوناطراك)، قد أعلنت عن اعتزامها استثمار 50 مليار دولار حتى العام 2028 في مجالات الاستكشاف وإنتاج النفط والغاز، وتطوير صناعة البتروكمياويات. ومن بين هذه المخصصات، تم تحديد 36 مليار دولار موجهة للاستشكاف والإنتاج.
“هذه الأرقام توضح مدى ضخامة الاستثمارات”، طبقاً لما يؤكده أستاذ اقتصاد الطاقة في جامعة أم البواقي، مراد كواشي، في تصريحات خاصة لـ”النهار العربي”، والذي يشير أيضاً إلى أن الشركة كشفت أيضاً عن خططٍ لتحديث منشآتها الخاصة وتجهيزها بأحدث التكنولوجيات، بالإضافة إلى خطط إعادة تأهيل المصافي، وتعزيز البحث والابتكار.
ويشير إلى تحقيق الجزائر في العام 2023 أكثر من 15 اكتشافاً طاقوياً مؤكداً، لتحتل بذلك المرتبة الأولى عالمياً في مجال الاستكشافات، كذلك تحتل سوناطراك المرتبة الـ 12 عالمياً ضمن كبريات شركات الطاقة العالمية. (يأتي ذلك مقارنة بسبع استكشافات نفطية في 2022).
الاستشكافات الجديدة
ويشار إلى أنه من بين تلك الاستكشافات في العام المنصرم، اكتشافات في أمقيد مسعود، مع حفر بئرين (بي آر إم- 1، وبي إم دي-1)، إذ يصل إنتاج الأولى إلى 5.69 ألف برميل من النفط، و170.46 ألف متر مكعب من الغاز يوميًا، بينما يصل إنتاج الثانية حوالي 4.85 ألف برميل من النفط، و255.91 ألف متر مكعب من الغاز.
كذلك من بين الاستكشافات الجديدة التي سجلها العام 2023، التوصل إلى بئرين في حوض بركين، الأولى “إتش إيه إم- 1 بيس”، بحوالي 129.04 ألف متر مكعب من الغاز يومياً، و239 برميل من المكثفات. والثانية “إس إي آ إس دبليو -1” بنحو 3.11 ألف برميل من النفط يوميًا، و219.33 ألف متر مكعب من الغاز يوميًا.
أيضاً اكتشافات بحوض إليزي، من خلال حفر بئر كيه إيه آر س-3 بمعدّل إنتاج يومي 336.93 مترًا مكعبًا من الغاز، و1504 برميل من المكثفات، علاوة على استكشافات حوض واد ميا، بالجنوب الشرقي لحقل حاسي الرمل.
واستغلت الجزائر الحرب الدائرة في أوكرانيا -منذ 24 شباط (فبراير) 2022- من أجل زيادة صادراتها الغازية لأوروبا، بحيث أصبحت تعتبر المورد الثالث لدول القارة العجوز خلفاً لكلٍ من روسيا والنرويج، فهي تزود أوروبا بـ 12 في المئة من احتياجاتها الطاقوية، مع برامج واستراتيجيات طموحة لزيادة الصادرات الطاقوية في المرحلة المقبلة.
زيادة حجم الصادرات
ويشير كواشي إلى مطالبة الرئيس الجزائري، عبد المجيد تبون، شركة سوناطراك بزيادة حجم صادراتها إلى أوروبا وصولاً إلى 100 مليار متر مكعب، بينما الصادرات الغازية الآن تتراوح بين 50 و 60 مليار متر، وتسعى الشركة الوطنية للعمل على رفع معدلات الصادرات من خلال استراتيجياتها الحالية.
وتبعاً لذلك، فقد تم عقد عديد من الشراكات مع شركات أوروبية، من بينها شركة إيني الإيطالية، من أجل زيادة الاستثمار في الصحراء الجزائرية، وعمليات البحث والتنقيب والإنتاج والتصدير.
ويلفت أستاذ اقتصاد الطاقة في جامعة أم البواقي، في معرض حديثه مع “النهار العربي” إلى أنه “من أجل جذب أكبر قدر من الاستثمارات في قطاع الطاقة، والتي من المعروف انها تكلف موارد ضخمة، فقد وضعت الجزائر قانوناً جديداً للمحروقات يتضمن مزايا كبيرة للمستثمرين في القطاع الطاقوي”.
وبينما وضعت الجزائر استراتيجية لزيادة حجم الاستثمارات في الطاقات الأحفورية للاستجابة للطلب المتزايد عليها من طرف “الزبائن” الأوروبيين، فإنها بموازاة ذلك وضعت استراتيجية دقيقة رامية إلى الانتقال الطاقوي، من خلال الاعتماد على الطاقات المتجددة والبديلة، وعلى رأسها الطاقة الشمسية. ويقول كواشي في هذا السياق، إن الصحراء الجزائرية من أكبر المصادر في العالم لتلك الطاقة، إضافة إلى الاهتمام الواسع الذي توليه الدول بالهيدروجين الأخضر.
ويشار إلى قطاع المحروقات في الجزائر يستحوذ على نسبة تصل إلى 18 في المئة من الناتج المحلي للبلاد، وما يزيد عن 90 في المئة من عائدات الصادرات الوطنية، و50 في المئة من ميزانية الدولة، بخلاف كونه يلبي كامل الاحتياجات الطاقوية المحلية.
وتُقدر إيرادات شركة سوناطراك الوطنية في العام 2023 بحوالي 848 مليار دينار جزائري (6.29 مليار دولار) بحسب قانون المالية التصحيحي في البلاد. وفي أول خمسة أشهر فقط من العام 2023 سجلت صادرات الشركة ما قيمته 21 مليار دولار.
وفي العام 2022 بلغت قيمة صادرات الشركة 59.8 مليار دولار، ارتفاعاً من 35.4 مليار دولار في العام 2021.
المشتقات النفطية
ومن الجزائر، يقول الاستاذ بكلية العلوم الاقتصادية، الدكتور أحمد الحيدوسي، في تصريحات خاصة لـ”النهار العربي”، إن الحكومة الجزائرية، من بين التزاماتها الحالية، تسعى لاستغلال كل الموارد المتاحة في قطاعات المحروقات والتعدين؛ نظراً للإمكانات المتوافرة لدى الدولة إلى جانب الخبرات المتراكمة في تلك القطاعات، وقد صاغت استراتيجية طموحة تمتد إلى العام 2028 من أجل استغلال هذه الموارد الطبيعية التي تدر على الخزينة العامة للدولة إيرادات واسعة.
ويضيف: “من خلال هذه الاستراتيجية قطعت الدولة أشواطاً كبيرة بالوصول إلى أكثر من 29 مليون طن من المشتقات النفطية من خلال محطات التصفية.. وفيما تستهلك الجزائر سنوياً ما يصل إلى 17.8 مليون طن سنوياً من المشتقات، وبالتالي هناك فائض بأكثر من 10 ملايين طن”.
وتعول الحكومة الجزائرية على المشتقات البترولية كقيمة مضافة أخرى تدر على الخزينة مبالغ مهمة وتوفر فرص شغل عديدة.
ويتحدث الحيدوسي عما تتمتع به الجزائر من مزايا استراتيجية واسعة، لا سيما مع وقوعها بالقرب من أوروبا، ومع ارتباطها باتفاقية شراكة معها وقعت في العام 2022 ودخلت حيز التنفيذ في العام 2005، معتبراً أنه يمكن لمشتقات البترول الاستفادة من هذه الاتفاقية ودخل السوق الأوروبية بشكل كبير.
ويستطرد: “كذلك تعول الجزائر على تصدير منتجاتها للغرب الأفريقي، باعتبار أنها منضمة لمنطقة التبادل الحر في أفريقيا، ولا سيما وأن هناك طلباً متزايداً على المشتقات هناك في غرب أفريقيا بشكل خاص”، موضحاً أنه “من خلال هذه الاستراتيجة تتخذ الجزائر خطوة مهمة نحو تنويع مصادر دخلها من الخزينة العمومية، خاصة مع رغبتها في رفع قدراتها الإنتاجية من خلال برمجة 3 مصاف أخرى، تنتج كل واحدة 5 ملايين طن”.