وليد خدوري
تراوحت أسعار نفط «برنت» بين 60 إلى 69 دولاراً للبرميل في الربع الأول من هذه السنة، لكنها قفزت في شكل مفاجئ إلى مستوى جديد تراوح بين 70 و75 دولاراً، وهي لا تزال حول هذا النطاق السعري.
ما هي الأسباب وراء هذا الارتفاع المفاجئ، هل هي اقتصادية أم جيوسياسية أم كلاهما؟، وما هو المتوقع في الفترة القريبة المدى؟
تشهد الصناعة النفطية منذ مطلع عام 2017 تجربة متميزة، تتمثل بالنجاح في خفض فائض المخزون النفطي التجاري، الذي تراكم في الأسواق العالمية عامي 2014- 2016، حين تدهورت الأسعار إلى أقل من 30 دولاراً، ومحاولة «مجموعة الـ24» المكونة من أقطار «أوبك» ودول منتجة غير أعضاء في المنظمة وتحديداً روسيا، تقليص الإنتاج بنحو 1.8 مليون برميل يومياً، كي يصل مستوى المخزون التجاري إلى معدله خلال السنوات الخمس الماضية.
وينعكس النجاح الباهر لـ «مجموعة 24» في تحقيق الالتزامات التي تعهدت بها الدول المنتجة، والمدة الزمنية الطويلة نسبياً لهذا الالتزام، كونها المرة الأولى التي تُنفّذ فيها التعهدات لخفض ضخم في الإنتاج ولهذه الفترة الطويلة التي امتدت منذ الأول من كانون الثاني (يناير) 2017 ومُدّدت حتى نهاية هذه السنة، لتشكل أطول فترة خفض للإنتاج داخل منظمة «أوبك» وخارجها.
وبرزت تجربة ناجحة أخرى هي الأولى من نوعها أيضاً، تمثلت بالتعاون البترولي السعودي- الروسي القائم حالياً، مشكلاً الدعم الأساس لعملية تصحيح الأسعار. ولولا هذا التعاون، الذي تحملت فيه الدولتان النسبة الأكبر من المسؤولية، فضلاً عن دورهما في حض حلفائهما على المشاركة بتنفيذ تعهداتهم، لكان صعباً تصحيح الأسعار من معدلها المتدني إلى مستواها الحالي.
لم يكن التعاون البترولي السعودي- الروسي نتيجة مصالح طارئة أو سياسة عابرة، إذ اتُفق عليه في أيلول (سبتمبر) 2016 من خلال بيان مشترك، وقعه وزيرا النفط السعودي خالد الفالح والروسي ألكسندر نوفاك. شكل هذا الاتفاق إطار تعاون بترولي واسع النطاق، شمل شراء شركات نفطية روسية النفط الخام من «أرامكو السعودية» لتسويقه عالمياً، وإجراء مفاوضات لاستيراد السعودية الغاز المسال الروسي، والتبادل التقني في مجال الصناعة البترولية، والتنسيق بين الدولتين لاستقرار أسواق النفط. بدأت سياسة التعاون لاستقرار الأسواق منذ حينه، وهي مستمرة، وبحسب تصريحات الوزيرين المسؤولين، ستتواصل حتى بعد انتهاء مدة الاتفاق نهاية هذه السنة، ما وضع حداً للتكهنات في حينه. إذ كانت الإشاعات رائجة، عن احتمال عودة الفائض النفطي مجدداً بعد انتهاء الاتفاق. لكن تصريحات الوزيرين السعودي والروسي حول تمديد آفاق التعاون البترولي وتوسيعه، ومراجعة مؤشر مستوى المخزون النفطي للحصول على صيغة أكثر مرونة لسياستهما في استقرار الأسواق، وضع حداً للإشاعات والبلبلة في الأسواق.
وأفضت الزيادة في النمو الاقتصادي العالمي أيضاً خلال الأشهر الماضية، إلى تنامي الطلب على النفط الخام، مما ساعد على الحفاظ على مستويات الأسعار المنشودة.
السؤال المطروح حالياً على صعيد رؤساء الدول الكبرى والأقطار الشرق أوسطية، هو عن القرار الذي سيتخذه الرئيس الأميركي دونالد ترامب في 12 أيار (مايو) في شأن الاتفاق النووي الإيراني، وعن مدى تأييد الدول الأوروبية للقرار الأميركي، وعن موقف روسيا والصين الموقعتين على الاتفاق النووي مع بقية الدول الكبرى. ولا يُغفل أيضاً السؤال عن الموقف الإسرائيلي في ظل «المعلومات» النووية التي كشفها رئيس الوزراء بنيامين نتانياهو عبر شاشات التلفزة العالمية، وحملته للضغط على واشنطن لتعديل الاتفاق؟. ماذا سيكون الرد الإيراني؟ هل سيتم الإبقاء على نص الاتفاق مع إضافات له، حول مستقبل الصناعة النووية الإيرانية بعد انتهاء مدة الاتفاق عام 2025، والحد من برنامج تشييد الصواريخ الباليستية، كما الحد من توسع النفوذ الإيراني في دول الشرق الأوسط؟. وهل، في حال الرفض الإيراني لأي تغير أو تعديل، ستنشب حرب ثنائية أو متعددة الجنسية مع إيران؟ وما هو مدى تأثير نشوب حرب مع إيران على الوضع السياسي والأمني في الشرق الأوسط برمته؟. وهل سيتم الاكتفاء في حال الرفض الإيراني لأي تغير في الاتفاق، بفرض عقوبات اقتصادية ونفطية على إيران؟ وما مدى مشاركة الدول الأوروبية والآسيوية في المقاطعة الجديدة؟. أسئلة كثيرة لا أجوبة عنها الآن، لكن هي قيد محادثات بين رؤساء الدول المعنية. والواضح أن منتصف الشهر المقبل، سيشكل مرحلة فاصلة في الشرق الأوسط. ومهما يكن البديل المطروح والنتائج المترتبة عليه، فسيترك قرار 12 أيار وما سيلحقه من قرارات وردود فعل، بصماته على العلاقات الدولية عموماً، نظراً إلى مشاركة الدول الكبيرة في الاتفاق، وكذلك على سياسات المنطقة حيث أن حالة التشنج بين إيران والدول العربية في أوجها.
وبما أن أسواق النفط تراقب بحذر التطورات السياسية في الشرق الأوسط، من ثم ستعكس هذه التطورات الجمة أهميتها على أسواق النفط العالمية.