سمير عطا الله
كاتب عربي من لبنان، بدأ العمل في جريدة «النهار»، ويكتب عموده اليومي في صحيفة «الشرق الأوسط» منذ 1987. أمضى نحو أربعة عقود في باريس ولندن وأميركا الشمالية. له مؤلفات في الرواية والتاريخ والسفر؛ منها «قافلة الحبر» و«جنرالات الشرق» و«يمنى» و«ليلة رأس السنة في جزيرة دوس سانتوس».
طوال عامين كان العالم يتابع صباحاً ومساءً وما بينهما، أخبار الحرب في أوكرانيا. وأصبحنا نلاحق أخبار مدن لا نعرف أين تقع، وأنهر لا نعرف أين تنبع ولا أين تصب. وذات يوم أفاق العالم المشار إليه، فسمع فلاديمير بوتين، الذي لا يطيق المزاح، يتحدث عن السلاح النووي. وتبعه وزيره الأول سيرغي لافروف، فرفع المسألة إلى حرب نووية.
وفي الغرب كان السياسيون والمعلقون أكثر دقّة، فوضعوا الكرة الأرضية على حافة حرب عالمية ثالثة، ورفضوا إنزالها. ويبدو أن السبب (الرئيسي) أنهم اقتنعوا مع الفنان محمد صبحي، أن الأرض مسطحة، إن لم تكن كلها، فجلها كما قال البلغاء.
تعودت أن آخذ كل شيء على محمل الجدّ، وخصوصاً أقوال محمد صبحي، لأنني مقدّر كل التقدير أعماله الخيرية. ومن أجل ذلك، فلتنسطح الأرض حتى تنقلب.
المفروض أن الحرب مأساة، سواء في الدونباس أو فيما بقي من السودان، أو في غزة. لكن وحشية حرب غزة أزاحت أخبار أوكرانيا (ومعها السودان)، من الصحف والتلفزيونات، والإنترنت، بحيث خيّل إلينا أنها انتهت، وأن الجميع يستعد لأخذ مكانه حول طاولة سلام مستديرة، يدقق محمد صبحي في درجات استدارتها.
حرب تمحو أخرى. فقدت حتى الفضول العابر في البحث عن أي خبر قادم من بلاد الأوكران، مع أن الحرب مستمرة هناك بحراً وجواً ومباني وقفاراً، وأطفالاً وآلاف الضحايا.
طبعاً وحشيات غزة صغّرت حجم الحروب الأخرى. وهذه طبيعة السياسة والناس. ولكن الانتقال من مناخ حرب نووية، أو عالمية، إلى مرحلة لم يعد أحد يتذكر أين تقع أوكرانيا، وما دور بحر «أوزون» في إشعالهما. فوالله لأمر عجيب، ومحمد صبحي، «على حق». مسطحة!