مسلسل الجرائم في غزة

3

نبيل سالم- صحيفة الخليج الإماراتية

ما يجري في قطاع غزة حالياً من جرائم بحق الشعب الفلسطيني، بات أمراً خارجاً عن المعقول وعن كل قوانين الحروب، بل وحتى كل القيم الأخلاقية والإنسانية، إذ كيف يعقل أن يستهدف الجيش الإسرائيلي الذي يمتلك أعتى الأسلحة الفتاكة في العالم خياماً لنازحين عزل بالكاد تقوى على مقاومة الهواء والعواصف الرعدية، أمام سمع ومرأى العالم، وسط تواطؤ الولايات المتحدة وتبريرها لهذه الجرائم، لا سيما مع توسيع العمليات العسكرية وخصوصاً في جنوب القطاع، حيث تتجه الأنظار إلى مدينة رفح جنوب قطاع غزة، حيث بدأ نزوح واسع للسكان عقب إصدار قوات الاحتلال إنذاراً بالإخلاء تمهيداً لاستئناف عملياتها العسكرية، الأمر الذي يثير التساؤلات عما إذا كان هذا الإجراء مقدمة لمخطط تهجير قسري وسط تصعيد مستمر من حكومة بنيامين نتانياهو التي تفشل أي جهود للهدنة، لأسباب ومصالح سياسية يرغب بها اليمين الإسرائيلي المتطرف، المستند في سياساته إلى الأفكار التلمودية التوسعية، وأحلام ما يسمى بإسرائيل الكبرى بعد تطهيرها من سكانها الأصليين.

ولذلك فإن قوات الاحتلال قد تلجأ إلى قصف مكثف على رفح لإجبار السكان على الفرار باتجاه الحدود المصرية وهو احتمال يبقى قائماً في ظل استمرار التصعيد الإسرائيلي وغياب أي التزام دولي واضح بوقف هذه المخططات الإسرائيلية الإجرامية، والدعم اللامحدود الذي تقدمه الولايات المتحدة، حيث يخرج علينا الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ليعلن صراحة أن أمريكا تؤيد تأييداً كاملاً لكل ما تقوم به «إسرائيل» وكأنه لا يبدي أي اعتبار لكل القوانين الدولية واتهام محكمة العدل الدولية الصريح لـ«إسرائيل» بارتكاب جريمة الإبادة الجماعية، ما يجعل واشنطن شريكة في الجريمة حسب نظام المحكمة في هذه الجرائم الموصوفة، التي لم تتوقف عند اضطهاد الشعب الفلسطيني وقتل الأبرياء من أبنائه وتحويل حياة المواطنين الفلسطينيين إلى جحيم عبر استهداف المشافي والمنظومة الطبية وفرق الإسعاف والدفاع المدني وتشديد الحصار على قطاع غزة ومنع وصول الغذاء والأدوية، ناهيك عن تدمير محطات المياه وغيرها من منشآت البنية التحتيىة اللازمة للحياة، بل وتوسيع دائرة الاستهداف الإجرامي لتطال أيضاً المؤسسات الدولية ولا سيما التابعة للأمم المتحدة كوكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين «الأونروا» وغيرها من المؤسسات الدولية.
وكل هذا يجري في الوقت الذي ترتكب فيه إسرائيل جرائم لا تقل خطورة في الضفة الغربية المحتلة عبر هدم آلاف المنازل في المخيمات الفلسطينية هناك وتهجير آلاف الأسر الفلسطينية، حيث تؤكد الكثير من المصادر الإخبارية أن حملة القمع العنيفة التي تقوم بها إسرائيل حالياً في الضفة الغربية منذ أسابيع، تسببت في موجة نزوح غير مسبوقة للفلسطينيين منذ عقود، حيث أجبرت العمليات العسكرية أكثر من 40 ألف فلسطينى على ترك منازلهم من المخيمات.
أمام هذا التصعيد العسكري المتجدد على غزة والضفة الغربية تتجلى ملامح مأساة مستمرة، حيث تلوح في الأفق حقيقة مؤسفة وهي أن المفاوضات بشأن وقف الحرب تبدو مرهونة بالفشل في المدى المنظور على الأقل قبل انتخابات الكنيست الإسرائيلي المقبلة وهي فرصة يحاول بنيامين نتانياهو استغلالها لتحقيق بعض الإنجازات العسكرية التي تُبقي على ائتلافه الحكومي المتطرف، خاصة بعد إعلان رئيس الحكومة الإسرائيلية الأسبق، نفتالي بينيت، عن تشكيل حزب سياسي جديد باسم مؤقت «بينيت 2026»، في خطوة تعكس استعداده المحتمل لخوض الانتخابات، لاسيما أن التقديرات تشير إلى أن حزباً جديداً برئاسة بينيت قد يحصل على 27 مقعداً في الكنيست، ما يمنحه ثقلاً انتخابياً قد يؤثر على موازين القوى السياسية وهوية الحكومة الإسرائيلية المقبلة.
ولهذا فإن التصعيد يخدم بنيامين نتانياهو، الذي يعاني من أزمة سياسية داخلية متصاعدة، حيث يشكل أي تحرك عسكري فرصة للهروب من أزماته الداخلية وكسب مزيد دعم اليمين المتطرف، الذي يطالب بتوجيه المزيد من الضغط العسكري، رافضاً الحديث عن تنازلات في المفاوضات، تفضي إلى وقف الحرب وتبادل الأسرى.
ومن هنا لا يمكن قراءة الهجوم الإسرائيلي الأخير على قطاع غزة والتصعيد في الضفة بمعزل عن حالة الجمود التي وصلت إليها المفاوضات مع حماس، والمخططات الإسرائيلية المعدة.
أخيراً لا بد من القول إن الجيش الإسرائيلي يستخدم وسائل غير مشروعة مثل القصف العنيف وحصار غزة والتضييق على وصول المساعدات الإنسانية، لخلق بيئة غير صالحة للعيش، مما يدفع السكان قسراً إلى مغادرة أراضيهم، كما يحاول استخدام نفس هذه الأساليب في الضفة الغربية، وهو ما يعد جريمة حرب موصوفة بموجب القانون الدولي الإنساني ويستدعي موقفاً عربياً دولياً قوياً قبل أن يجر الاحتلال الإسرائيلي المنطقة إلى آتون حروب أوسع بسبب مسلسل الجرائم الإسرائيلية التي لا تنتهي.

التعليقات معطلة.