لا تزال الساحة العراقية مستنفرة على وقع الهجوم الصاروخي الذي استهدف المنطقة الخضراء وسط بغداد والتي تضم مقر السفارة الأميركية، مساء الأحد الماضي، وبعد نفي مليشيات عديدة موالية لطهران مسؤوليتها عن الهجوم، ومسارعة السلطات للتحرك وإعلان رئيس الحكومة مصطفى الكاظمي بعد يوم واحد من الهجوم عن القبض على مجموعة يشتبه بضلوعها بالقصف، برز أمس الأربعاء تسريب معلومات عن زيارة لقائد “فيلق القدس” الإيراني إسماعيل قاآني إلى بغداد مساء الثلاثاء، لمنع أي رد فعل أميركي على الهجوم الأخير، خصوصاً بعد اتهام وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو “المليشيات المدعومة من إيران” بالمسؤولية عن قصف الأحد.
وفي زيارة هي الثانية من نوعها خلال شهر تقريباً، بعد أولى أُعلن عنها في 22 نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، زار قاآني بغداد مساء الثلاثاء آتياً من دمشق، وبحث مع الكاظمي وزعامات سياسية عراقية وأخرى أمنية ملف التهدئة على الجانب المتعلق باستهداف المصالح الأميركية في العراق.
وجاءت الزيارة التي كُشف عنها أمس، بالتزامن مع حراك واسع شهدته العاصمة العراقية، إذ عقد الرئيس العراقي برهم صالح اجتماعات منفردة مع زعيم “هيئة الحشد الشعبي” فالح الفياض، ومستشار الأمن الوطني قاسم الأعرجي، بعد اجتماعات مماثلة لرئيس الوزراء مع قيادات أمنية وسياسية مختلفة مقربة من إيران، وفقاً لمصادر مطلعة ببغداد، قالت لصحيفة”العربي الجديد” القطرية إن الحراك يهدف لمنع أي رد فعل أميركي على الهجوم الصاروخي الأخير مساء الأحد الماضي.
وكشفت مصادر سياسية أمس عن وصول قاآني إلى بغداد وعقده لقاءات سريعة مساء الثلاثاء مع الكاظمي وزعامات أخرى لبحث ملف التهدئة. وأكد نائب في البرلمان العراقي عن تحالف “الفتح”، طلب عدم ذكر اسمه، لصحيفة”العربي الجديد” القطرية، أن قاآني، أجرى لقاءات بغية التأكيد أن الهجوم الصاروخي الأخير لم يكن بتوجيه إيراني، مؤكداً أن قاآني أبدى دعمه لجهود الكاظمي في ملاحقة “الجماعات غير الملتزمة، التي تقوم بعمليات القصف الصاروخي، كما شدد على قادة الفصائل بضرورة دعم التحقيق الحكومي بهذا المجال، وعلى ضوء ذلك شكلت لجنة حكومية-فصائلية، مهمتها كشف الجماعات التي تقوم بعمليات القصف”.
أكد قاآني دعم جهود ملاحقة الجماعات المسؤولة عن القصف :
في السياق، كشف مسؤول عراقي رفيع في بغداد، طلب عدم ذكر اسمه، لصحيفة”العربي الجديد” القطرية، أن وصول قاآني تزامن مع وجود ضابط رفيع من “فيلق القدس” في بغداد وعقده لقاءات مع زعماء فصائل مسلحة. كما تحدث عن وجود شخصية لبنانية بالتزامن مع وجود قاآني في بغداد، لافتاً إلى أن هذه الشخصيات عقدت لقاءات (كل على حدة) مع قادة فصائل عراقية، أبرزهم عبد العزيز المحمداوي (المعروف بأبو فدك) القيادي في “كتائب حزب الله” العراقية والذي يشغل في الوقت نفسه منصب رئيس هيئة أركان “الحشد”، فضلاً عن لقائها بزعيم مليشيا “النجباء” أكرم الكعبي، وزعيم مليشيا “العصائب” قيس الخزعلي، وزعيم مليشيا “كتائب سيد الشهداء” أبو آلاء الولائي، وآخرين.
وبحسب المسؤول العراقي، فإن قاآني أبلغ رئيس الوزراء “عدم مسؤولية إيران عن الهجوم الأخير، وأنها لم تطلب من الفصائل المؤيدة لها شن الهجوم خصوصاً أنه لم يكن مؤثراً”، كاشفاً عن وجود مخاوف جدية من ضربة أميركية في حال تكرر الهجوم حتى لو لم يوقع خسائر أميركية. وأضاف أن الكاظمي ينسق مع قاآني لمنع أي هجمات في الأيام المقبلة من خلال ضبط جميع الفصائل وأخذ تعهدات منها، وهو ما تفعله الشخصية اللبنانية، التي لم يكشف عن هويتها، لكنه أكد أنها ليست محمد كوثراني الذي يتردد على بغداد بين وقت وآخر. وكشف المسؤول نفسه أنه تم تشكيل لجنة تحقيق بإشراف قيادات “الحشد الشعبي” يوم أمس الأربعاء للكشف عن الجهات التي تخالف قرار التهدئة وتتحدى التوافق حيال ملف التعامل مع الولايات المتحدة في العراق، مؤكداً مغادرة قاآني العراق إلى إيران، لكنه أوضح أن هناك جنرالاً إيرانياً فضلاً عن الشخصية اللبنانية ما زال في بغداد، وتحديداً في حي الجادرية الراقي، حيث تجري مشاورات تهدف لإنهاء حالة التفلت والفوضى داخل الفصائل المسلحة التي أسفرت عن عدم التزام بعضها بقرارات التهدئة.
مخاوف جدية من ضربة أميركية في حال تكرار الهجوم :
في السياق ذاته، أعلن مكتب الرئيس العراقي برهم صالح أن الأخير عقد اجتماعاً، هو الأول من نوعه منذ أشهر، مع زعيم “هيئة الحشد الشعبي” فالح الفياض. وبحسب بيان مكتب صالح، فإن “اللقاء بحث المستجدات الأمنية، وضرورة تعزيز الأمن والاستقرار وضبط السلاح المنفلت وحماية السلم المجتمعي والأمن العام، وتأكيد حماية أمن المنشآت والمباني الحكومية والبعثات الدبلوماسية من الاعتداءات التي تمثل استهدافا لسيادة البلد واستقراره”، في إشارة للهجوم الصاروخي الأخير على المنطقة الخضراء. كما أعلن مكتب صالح عن لقاء مماثل مع مستشار الأمن الوطني قاسم الأعرجي بحث القضايا ذاتها.
يُذكر أن قوات الأمن العراقية أطلقت خطة أمنية جديدة لمواجهة هجمات الكاتيوشا على المنطقة الخضراء في بغداد، بعد هجوم الأحد، بمشاركة نحو 3 آلاف عنصر أمني، إذ انتشرت منذ مساء الإثنين وحدات راجلة وأخرى ثابتة مع نقاط تفتيش وحواجز أمنية، تركزت في المناطق القريبة من المنطقة الخضراء وفي الأحياء التي شهدت انطلاق الهجمات الصاروخية.
وتعليقاً على هذه التطورات، قال الخبير الأمني والسياسي العراقي أحمد النعيمي، لـ”العربي الجديد”، إنه من الواضح إن الأميركيين قرروا فعلاً عدم انتظار القصف لتحديد ما إذا تعرضوا لخسائر بين موظفي السفارة حتى يحددوا نوع الرد، مضيفاً أن “التسريبات من الأوساط السياسية تتحدث عن رسائل من وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو للكاظمي بهذا الإطار من أنهم سيردون بشكل مباشر على أي اعتداء صاروخي آخر، وهو ما تحاول الحكومة العراقية منعه، لكنها تتوقع أن الهجوم قد يحدث مع قرب الذكرى الأولى لاغتيال قاسم سليماني وأبو مهدي المهندس، ولهذا فالحديث عن أن الكاظمي هو من استعان بجهود قاآني ليس مستبعداً في ظل هذه المعادلة”.
وأضاف النعيمي أن “حالة تعدد الفصائل المسلحة، التي تجاوزت الثمانين مليشيا، صارت تأتي بنتائج عكسية بسبب عدم ضبطها جميعها وتطور عمل قسم منها على أسس عقائدية متشددة قد تجلب مشاكل لإيران وتصعيداً مع الولايات المتحدة، في وقت لا ترغب هي بذلك”.