نجيب أنور شقير
بعد الحرب الأهلية اللبنانية التي أدت إلى تدمير في مختلف القطاعات الاجتماعية والاقتصادية، بادر “مصرف لبنان” إلى إطلاق العجلة الاقتصادية، فكانت البداية من إعادة الثقة بالقطاعين المالي والمصرفي وتعزيز وضع الليرة اللبنانية والعمل على جذب رؤوس الأموال اللازمة لتمويل القطاعين العام والخاص، وإعادة إحياء دور بيروت كمركز مالي لمنطقة الشرق الأوسط.
وانطلق “مصرف لبنان” من أربع ركائز أساسية لتحقيق أهدافه التي أدت إلى زيادة:
– موجودات القطاع المصرفي من حوالى 11 بليون دولار أميركي في العام 1993 إلى أكثر من 250 بليون دولار أميركي نهاية العام 2018 دون احتساب فروع الخارج.
– زيادة حجم الودائع من 9 بلايين دولار أميركي إلى 183 بليون دولار أميركي موزعة على أكثر من خمسة ملايين حساب.
– حجم التسليفات للقطاع الخاص من 3.4 بلايين دولار أميركي نهاية العام 1993 إلى حوالى 63 بليون دولار أميركي موزعة على أكثر من مليون مقترض، وانخفاض نسبة الديون المتعثرة من 24.5 في المئة إلى أقل 4 في المئة.
هذا التطور في النشاط المصرفي، انعكس زيادة في موجودات “مصرف لبنان “من 3 بليون دولار أميركي نهاية العام 1993 إلى أكثر من 93 بليون دولار نهاية العام 2018 كما ارتفعت أمواله الخاصة من 32 مليون دولار إلى حوالى 2.5 بليون دولار أميركي نهاية العام 2018.
والركائز التي عمل “مصرف لبنان” على تدعيمها هي:
1 – وضع أنظمة وقوانين فعّالة لإعادة بناء الثقة في القطاع المالي والمصرفي
يولي “مصرف لبنان” أهمية خاصة للتعاميم والأنظمة الصادرة عنه ويعمل باستمرار على تحديثها المواكبة آخر التطورات والممارسات الدولية الفضلى، كما يسهم بشكل فعال في إبداء الرأي في مختلف القوانين المتعلقة بالقطاع المصرفي والمالي في لبنان.
ويمكن بإيجاز ذكر أبرز النصوص:
– العمل على إصدار قانون تسهيل اندماج المصارف ما أدى إلى اندماج أكثر من 24 مصرفاً وشراء فروع أربعة مصارف وشطب أربعة مصارف وتصفية ذاتية لمصرفين.
– إصدار قانون مكافحة تبييض الأموال وتمويل الإرهاب.
– إنشاء هيئة الأسواق المالية.
– العمل على إصدار قانون المعاملات الإلكترونية والبيانات ذات الطابع الشخصي.
– إصدار التعميم رقم 48 المتعلق بتحديد الحدود القصوى لمخاطر التسهيلات المصرفية بهدف حماية المصارف من التركز في التسليفات.
– إصدار التعميم رقم 69 المتعلق بالعمليات المالية والمصرفية بالوسائل الإلكترونية بهدف تنظيم الصيرفة الإلكترونية.
– إصدار التعميم رقم 106 حول الإدارة المصرفية الرشيدة وفقا للمعايير الدولية
– إصدار التعميم رقم 118 حول تفعيل كفاءة وفعالية مجلس (إنشاء لجنة المخاطر ولجنة التدقيق).
– إصدار التعميم 124 المتعلق بشفافية وأصول وشروط التسليف.
– إصدار التعميم 134 المتعلق بأصول إجراء العمليات المصرفية مع العملاء.
– فرض متطلبات رأس المال ونسب السيولة للقطاع المصرفي تماشياً مع توصيات “لجنة بازل الدولية” (اتفاقية بازل 2 وبازل 3).
– إصدار التعميم رقم 128 المتعلق بإنشاء دائرة الامتثال لدى المصارف والمؤسسات المالية اللبنانية (وحدة التحقق AML – وحدة الامتثال القانوني)، وبالتالي إنقاذ لبنان من وضعه على لائحة الدول غير المتعاونة في مجالي مكافحة تبييض الأموال والتهرب الضريبي.
– إصدار التعميم رقم 135 حول تسوية الديون خارج المحاكم (Out of Court Workout).
– إصدار الأنظمة المتعلقة بعمل شركات التسليف (كونتوارات مالية) لناحية إعادة تنظيم عملها وإخضاعها لرقابة المصرف المركزي بغية تأمين حماية حقوق المتعاملين في هذا القطاع.
– الإسهام في إعداد مشروع قانون الضمانات العينية على الأموال المنقولة لتسهيل الإقراض للمؤسسات الصغيرة والمتوسطة وتشجيع التمويل للقروض الصغيرة.
2- تثبيت سعر الصرف عنصر أساسي في استقرار القطاع المالي أدى إلى:
– الحفاظ على معدلات تضخم متدنية.
– الحفاظ على قطاع مصرفي مستقر.
– تعزيز احتياطات المصرف المركزي بالعملات الأجنبية.
– تعزيز صدقية لبنان في أسواق رأس المال.
3- تطوير البنية التحتية المالية لتحسين إدارة المخاطر من خلال:
– تطوير أنظمة الدفع التي تسهل عمليات تحويل الأموال و تساعد على إدارة السيولة بشكل سليم وفعّال (على سبيل المثال بلغ عدد بطاقات الدفع حوالى مليوني بطاقة إضافة إلى حوالى ألفي صرّاف آلي بمعدل صرّاف آلي لكل ألفي شخص).
– إنشاء مصلحة العملاء المتخلفين عن الإيفاء عام 1996 بحيث باتت تتضمن حالياً أكثر من 80 ألف سجل عن أشخاص متخلفين عن الإيفاء وانخفضت نسبة الشيكات المرتجعة إلى مجموع الشيكات المتقاصة من أكثر من 10 في المئة خلال العام 1996 إلى أقل من 2 في المئة في العام الحالي.
– تطوير المصلحة المركزية للمخاطر المصرفية لتحسين الشفافية و تقييم المديونية وإعطاء معلومات سلبية أو ايجابية عن الشركات و الأفراد، ما أدى إلى ارتفاع عدد المقترضين من 32 ألف مقترض إلى أكثر من مليون ونصف مليون مقترض موزعين على حوالى 145 قطاع اقتصادي في جميع المناطق اللبنانية وعلى فئات المجتمع كافة.
– تشجيع الصيرفة الإلكترونية من خلال الترخيص لتطبيقات (App) تسهل عمليات الدفع والتحويل بواسطة الوسائل الإلكترونية (الهواتف الذكية وغيرها)، والعمل على مشروع مكننة المعاملات الحكومية (Pay Gov.).
4 – استخدام وسائل مبتكرة لتحفيز النمو وتوسيع نطاق الدعم للوصول إلى قطاعات الاقتصاد كافة، بما في ذلك المشاريع الصغيرة والمتوسطة الحجم.
– السماح للمصارف بالاستفادة من الاحتياطات الإلزامية لتمويل القطاعات الإنتاجية والقطاع السكني. وقد مول “مصرف لبنان” حوالى 130 ألف قرض سكني لذوي الدخل المحدود، وأكثر من 100 ألف مؤسسة إنتاجية متوسطة وصغيرة الحجم لم تكن موجودة في السابق.
– إنشاء “مؤسسة كفالات” لضمان القروض المتوسطة والصغيرة الحجم التي مولت حوالى 15 ألف مؤسسة.
– دعم الفوائد للقروض الإنتاجية (صناعي – سياحي – زراعي – معلوماتية).
– قروض مباشرة بفوائد متدنية لتسهيل زيادة الإقراض للمؤسسات الإنتاجية.
– إطلاق مبادرة ريادية بهدف تمويل رأسمال الشركات الناشئة
(Start-Ups &Accelerators & Incubators) والعمل على إنشاء منصة إلكترونية للتداول بأسهم هذه الشركات.
– توسيع الشبكة المصرفية من خلال الترخيص لفروع جديدة، مما رفع عددها إلى حوالى 1100 فرع في جميع المناطق اللبنانية بمعدل فرع واحد لكل 4000 شخص.
– دعم مؤسسات الإقراض الصغير – ((Micro-Finance بحيث تم تمويل أكثر من 250 ألف مؤسسة صغيرة في جميع المناطق اللبنانية خاصة في المناطق الفقيرة والمهمشة.
– منح أكثر من 15 ألف قرض تعليمي جامعي علماً أن هذا النوع من القروض لم يكن أصلاً متوفراً في لبنان.
– تشجيع المصارف على زيادة الشمول المالي من خلال تشجيعها على فتح حسابات من دون أي عمولات لذوي الدخل المحدود.
وعلى رغم الدور الهام لـ “مصرف لبنان” (ما تم استعراضه أعلاه لا يشكل إلا جزءاً بسيطاً من سجل المصرف الحافل بالإنجازات المشَرفة لجميع اللبنانيين)، نجد أنه من المؤسف والمحزن والمستغرب أن نسمع انتقادات غير بناءة وأخباراً مغلوطة وتشكيكاً معيباً بدور “مصرف لبنان” وبحاكمه الذي أشادت بإنجازاته معظم المؤسسات المحلية والإقليمية والدولية.