الرئيس السيسي ونظيره الروسي يشهدان بدء صب الخرسانة في وحدة الكهرباء الرابعة بمحطة الضبعة وتوقعات بالتشغيل 2028
الرئيس الروسي فلاديمير بوتين خلال مشاركته عبر تقنية الفيديو كونفرانس في مراسم بدء صب الخرسانة بقاعدة وحدة الكهرباء رقم 4 بمحطة الضبعة النووية (أ ف ب)
دشنت مصر اليوم الثلاثاء خطوة جديدة نحو مسار بناء محطة الضبعة للطاقة النووية السلمية، بعد أن شهد الرئيس عبدالفتاح السيسي، ونظيره الروسي فلاديمير بوتين، مراسم بدء صب الخرسانة بقاعدة وحدة الكهرباء رقم 4 بمحطة الضبعة للطاقة النووية في البلاد، التي وصفها الرئيس المصري بـ”كتابة تاريخ جديد من خلال تحقيق حلم المصريين في محطة للطاقة النووية”.
وجاءت الخطوة ضمن مساعي القاهرة إلى توسيع مصادر طاقتها للوفاء بحاجاتها المتزايدة من الطاقة الكهربائية اللازمة لخطط التنمية الاقتصادية والاجتماعية، والعمل على زيادة الاعتماد على الطاقة الجديدة والمتجددة بما يحقق الاستدامة البيئية والتصدي لتغير المناخ، وفق ما تقول السلطات.
ومنذ عام 2015 تعمل مصر على إنشاء أولى محطاتها النووية بمنطقة الضبعة (تقع في الساحل الشمالي الغربي لمصر على البحر المتوسط)، بموجب تعاقد وقعته مع شركة “روساتوم” الحكومية الروسية، وتضم المحطة أربعة مفاعلات بقدرة 1.2 غيغاواط لكل منها أي بطاقة إجمالية تبلغ 4.8 غيغاواط، وتبلغ كلفة إنشائها 30 مليار دولار على أن تكون 85 في المئة منها يجري تمويلها عبر قرض روسي بقيمة 25 مليار دولار.
الضبعة “تاريخ جديد لمصر”
خلال مراسم بدء صب الخرسانة بقاعدة وحدة الكهرباء رقم 4 بمحطة الضبعة، قال الرئيس المصري، الذي شارك ونظيره الروسي عبر تقنية الفيديو كونفرانس، إن بلاده “تكتب تاريخاً جديداً من خلال تحقيق حلم المصريين في محطة للطاقة النووية”، مؤكداً أن المشروع إنجاز آخر في ملف التعاون الثنائي مع روسيا، وصفحة جديدة في علاقات البلدين.
وبعد شكره جميع المشاركين في العمل بالمحطة، ذكر السيسي أن “مشروع صب الوحدة الرابعة يسمح للدولة المصرية بالبدء في المرحة التالية في بناء المفاعلات النووية”. مشيراً إلى أن امتلاك محطات نووية سلمية يؤكد تصميم مصر على المضي قدماً في مسار التنمية والبناء. وأكد أن عملية إنشائها تسير بوتيرة أسرع من المخطط الزمني المقرر.
وبحسب السيسي فإن “ما يشهده العالم اليوم من أزمة في إمدادات الطاقة العالمية يؤكد أهمية قرار مصر الاستراتيجي بإحياء برنامجها النووي السلمي”، مشدداً على أن مشروع محطة الضبعة يسهم في توفير إمدادات طاقة آمنة ورخيصة وطويلة الأجل.
وأشار كذلك إلى أن إضافة الطاقة النووية إلى إنتاج مصر يكتسب أهمية حيوية للوفاء بالحاجات المتزايدة من الطاقة الكهربائية، كما أن محطة الضبعة النووية ستسهم في تحقيق الاستدامة البيئية والتصدي لتغير المناخ.
من جانبه، قال الرئيس الروسي بوتين إن “محطة الضبعة النووية تمثل تتويجاً للتعاون بين مصر وروسيا، وسوف تسهم في تطوير الاقتصاد المصري وتعزيز الصناعات الحديثة”، مشيراً إلى أن بلاده تسعى إلى تعزيز العلاقات المشتركة مع مصر، وتعدها شريكاً استراتيجياً لروسيا.
ولفت بوتين في كلمته إلى أن القاهرة وموسكو لديهما شراكة في مشروعات عديدة، تشمل مجالات الطاقة والزراعة، مؤكداً أن محطة الضبعة النووية تعد أهم المشاريع بين مصر وروسيا، لإسهامها الكبير في تعزيز مجال الطاقة، معرباً في الوقت ذاته عن آمال بلاده في مشاركة مصر بأكثر من 200 فعالية ضمن مجموعة “بريكس”، وذلك في وقت يشهد فيه التبادل التجاري بين البلدين تطوراً كبيراً.
وفي يوليو (تموز) الماضي أعلن الرئيس الروسي خلال لقائه السيسي على هامش القمة الروسية الأفريقية في سانت بطرسبورغ، أن مشروع محطة الضبعة للطاقة النووية “ينفذ حسب الخطة المعتمدة”.
بدوره قال المدير العام لشركة “روساتوم”، أليكسي ليخاتشوف، أن إطلاق محطة الضبعة النووية سيسهم في زيادة الناتج المحلي الإجمالي لمصر.
ووفق مراقبين فإن مشروع المحطة النووية بالضبعة سيسهم في الوفاء بالحاجات المتزايدة من الطاقة الكهربائية اللازمة لخطط التنمية الاقتصادية في مصر، عبر زيادة الاعتماد على الطاقة الجديدة والمتجددة بما يحقق الاستدامة البيئية والتصدي لتغير المناخ، في أكبر بلد عربي من جهة عدد السكان الذي يبلغ 105 ملايين نسمة، لا سيما مع رغبة القاهرة في مضاعفة إنتاجها من الكهرباء من طريق مصادر طاقة متجددة.
محاولات لم تكتمل نحو “النووي السلمي”
لم تكن فكرة إنشاء محطة للطاقة النووية السلمية في مصر وليدة السنوات الأخيرة، إذ تعددت محاولات القاهرة لتوليد الكهرباء من الطاقة النووية، منذ ستينيات القرن الماضي، وجاءت أولى المحاولات الجادة مع أوائل الثمانينيات، وصدور قرار جمهوري في عام 1981 بتخصيص موقع الضبعة لإنشاء محطة نووية لتوليد الكهرباء، وعليه طرحت مصر مناقصة دولية في عام 1983.
وفي عام 1964 أعلنت مصر طرح مناقصة دولية لإنشاء محطة نووية لتوليد الكهرباء وتحلية مياه البحر بقدرة 150 ميغاواط في منطقة برج العرب (شمال) قبل أن يتوقف المشروع على أثر حرب يونيو (حزيران) 1967. وبعد نحو عقد من الزمان أنشأت السلطات في عام 1976 هيئة للمحطات النووية لتوليد الكهرباء، أسندت إليها مهام تنفيذ مشروعات إنشاء محطة نووية، وأعمال تشغيلها فضلاً عن القيام بإجراء البحوث والتطوير والدراسات وأعمال الخبرة ذات الصلة، إلا أن أياً من المشروعات لم ير النور.
وجاءت أولى الخطوات الجادة مع عام 1981، حين صدر قرار جمهوري بتخصيص موقع الضبعة لإنشاء محطة نووية، فضلاً عن توقيع السلطات المصرية في العام ذاته اتفاقاً للتعاون في المجال النووي مع فرنسا يتضمن إنشاء محطة للطاقة النووية، وعليه طرحت السلطات في عام 1983 مناقصة دولية لإنشائها بقدرة 1000 ميغاواط وهو ما عملت عليه البلاد طوال الأعوام التي تلتها، قبل أن يجمد على أثر كارثة تسريب تشيرنوبل في أوكرانيا في أبريل (نيسان) 1986، التي أسفرت عن تعرض ما يقارب 8.4 مليون شخص في بيلاروس وروسيا وأوكرانيا للإشعاع، وكانت أخطر الكوارث النووية التي يشهدها العالم، بحسب الأمم المتحدة.
وبعد سنوات من التوقف عاد التحرك المصري في هذا الاتجاه في السنوات الأخيرة من حكم الرئيس المصري الأسبق حسني مبارك (1981 – 2011)، وذلك بعد أن أعلن عن إنشاء المجلس الأعلى للاستخدامات السلمية للطاقة الذرية في عام 2007، في تحرك نحو إنشاء أول مفاعل نووي سلمي في البلاد، إلا أن جدالاً واسعاً صاحب الموقع المقترح للمشروع في منطقة الضبعة الواقعة شمال غربي البلاد على البحر المتوسط، وذلك على رغم إبداء مجموعة من الدول والشركات من الولايات المتحدة الأميركية وفرنسا واليابان وكوريا الجنوبية والصين وروسيا رغبتها في المشاركة بالمشروع.
وبعد اختيار شركة “وورلي” الأسترالية كاستشاري للمشروع في عام 2009، حسم الرئيس المصري حسني مبارك في أغسطس (آب) 2010 جدل اختيار موقع المفاعل النووي، وأقر رسمياً اختيار منطقة الضبعة، وذلك خلال اجتماع عقده مع أعضاء المجلس الأعلى للاستخدامات السلمية للطاقة النووية.
وحينها أعلن وزير الكهرباء المصري آنذاك حسن يونس أن “المناقصة العالمية لإنشاء المحطة النووية بالضبعة سيتم طرحها نهاية هذا العام (2010)”. وقدر حينها كلفة إنشاء هذه المحطة بأربعة مليارات دولار. وذكرت تقارير حينها أن القاهرة تأمل في تشغيل هذا المفاعل الذي ستبلغ طاقته 1000 ميغاواط في عام 2019، إلا أن الاضطرابات السياسية التي شهدتها البلاد في عام 2011 وما أسفرت عنه من إطاحة نظام مبارك أوقفت المشروع مجدداً.
ماذا نعرف عن محطة “الضبعة”؟
وبعد سنوات من التوقف على أثر التطورات السياسية الداخلية في مصر تجددت محاولات القاهرة لإنشاء أول مفاعلاتها النووية السلمية، بعد تولي الرئيس عبدالفتاح السيسي مقاليد الحكم في عام 2014، وحينها أبدت ثلاث دول اهتمامها بمشاركة القاهرة في المشروع، وهي روسيا والصين وكوريا الجنوبية.
إلا أنه وفي نوفمبر (تشرين الثاني) 2015 وقعت الحكومة المصرية مع موسكو مذكرة تفاهم في مجال الطاقة النووية، تنص على إمكانية التعاون في بناء تلك المحطة، وفي الـ19 من مايو (أيار) 2016 أصدر الرئيس السيسي قراراً بالموافقة على إنشاء المحطة بأموال القروض المقدمة من روسيا، وذلك قبل أكثر من عام من موافقة مجلس الدولة المصري على عقود بناء محطة من قبل شركة “روساتوم” في الخامس من سبتمبر (أيلول) 2017. أعقب ذلك توقيع الرئيسين السيسي وبوتين الاتفاقات النهائية لبناء محطة الضبعة خلال زيارة الرئيس الروسي للقاهرة، في ديسمبر (كانون الأول) 2017، وتولت شركة “روساتوم” الحكومية الروسية أعمال الإنشاءات.
وبعد أن كان من المقرر أن يبدأ البناء في 2020 لكنه أجل بسبب جائحة كورونا بدأ العمل في إنشاء وحدة الطاقة الأولى في يوليو 2022، والثانية في نوفمبر 2022، والثالثة في مايو 2023.
وينص الاتفاق بين الجانب المصري والروسي على بناء أربعة مفاعلات نووية (مفاعلات من الجيل الثالث “في في أي آر” التي تعد أحدث تقنية من الجيل الجديد) بقدرة 1200 ميغاواط لكل منها وبطاقة إجمالية 4800 ميغاواط. كما نص أيضاً على تزويد محطة الطاقة النووية المستقبلية بالوقود النووي الروسي، والتشغيل والصيانة وإصلاح وحدات الطاقة لمدة 10 سنوات، فضلا عن تقديم المساعدة للشركاء المصريين في تدريب الكوادر من مصر في الجامعة الوطنية للبحوث النووية في موسكو.
إضافة إلى ذلك تعهد الجانب الروسي بناء منشأة تخزين خاصة وإرسال حاويات مخصصة للوقود النووي المستهلك. بكلفة إجمالية للعقد 30 مليار دولار، منها 25 مليار دولار قرضاً روسياً، يبدأ سداده بعد تشغيل المحطة، إذ من المقرر أن يبدأ تشغيل المفاعل الأول عام 2028 ثم يتم تشغيل المفاعلات الأخرى تباعاً.
وجاءت أحدث الخطوات قبل صب القاعدة الخرسانية للمفاعل الرابع، في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، حين أعلنت شركة “روساتوم” المسؤولة عن إنشاء المحطة بدء أعمال تركيب مصيدة قلب المفاعل في الوحدة النووية الأول،. قائلة في بيان لها إن مصيدة قلب المفاعل تعتبر أحد العناصر الرئيسة لأنظمة الأمان، الذي يتم تضمينه في جميع مجموعات الطاقة النووية الحديثة، ويبلغ وزن مكوناتها نحو 700 طن.
وتمتلك مصر مفاعل أبحاث صغيراً في أنشاص شمال شرقي القاهرة. وكانت مصر وقعت على معاهدة منع الانتشار النووي عام 1981، وهي تدعو إلى إخلاء منطقة الشرق الأوسط من الأسلحة النووية وتنتقد بانتظام إسرائيل في هذا الملف، لكن القاهرة ترفض التوقيع على بروتوكول إضافي يعزز صلاحيات الوكالة الدولية للطاقة النووية في مجال التفتيش.
وخلال السنوات الأخيرة أعربت دول عدة بالمنطقة عن رغبتها في إقامة مفاعلات أو إطلاق برنامج نووي للأغراض السلمية في محاولة لتنويع مصادر إنتاج الطاقة المتجددة.