مقالات

مصر: الانتخابات الرئاسيّة وخطّ السّيسي الأحمر!

المصدر: النهار العربي

محمد صلاح

محمد صلاح

من الحملة الداعمة للرئيس السيسي في القاهرة. (أ ف ب)

من الحملة الداعمة للرئيس السيسي في القاهرة. (أ ف ب)

لم ينته العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، لكن انتهت عملية اقتراع المصريين المقيمين في الخارج في الانتخابات الرئاسية، وضربت بقوة كل الجهات التي دعت إلى المقاطعة، وكان وقعها، بعد مشاهد الإقبال الكبير على لجان الاقتراع، عاكساً لمخاوف المصريين من “طبخة” تهجير الفلسطينيين من القطاع إلى سيناء، التي يشعرون برائحتها ويشاهدون فصولها رغم الرفض الأميركي المعلن والاعتراض الغربي الظاهر والرفض العربي القاطع والموقف الرسمي المصري الصارم. سيُجرى الاقتراع داخل البلاد أيام 10 و11 و12 من شهر كانون الأول (ديسمبر) الجاري، على أن تعلن النتائج يوم 18، ووفقاً للإجراءات الدستورية، فإنه في حال الإعادة تُجرى الانتخابات في الخارج أيام 5 و6 و7 كانون الثاني (يناير) المقبل، وفي الداخل أيام 8 و9 و10 منه. المشهد السياسي المصري يشير إلى أن البلد استقر، ويمارس المصريون حياتهم طبيعياً، رغم كل المحاولات التي جرت لإعادة توجيه رياح “ربيع” آخر في اتجاه مصر، وتسميم حياة الناس مجدداً، وإعادة العجلة إلى الوراء. مرت الهدنة بين الجيش الإسرائيلي والمقاومة الفلسطينية سريعاً، وعادت آلة الحرب الإسرائيلية تقتل الفلسطينيين وتدفع بمن بقوا إلى الجنوب حيث الحدود المصرية ليسأل المصريون أنفسهم عن تصرف القيادة إذا لم يجد أهل غزة مفراً من عبور الحدود لينجوا بأنفسهم من الطائرات والصواريخ والقنابل الأميركية التي يدك بها الجيش الإسرائيلي أجسادهم، وأي خيار سيتبناه الرئيس: منع الفلسطينيين من المرور إلى الأراضي المصرية بالقوة وباستخدام السلاح، أم السماح لهم بالمرور ثم مواجهة تأثيرات قرار كهذا وتداعياته الخطيرة على الأمن القومي للبلاد ومستقبل القضية الفلسطينية بعد تفريغ غزة من أهلها؟ لا تستغرب حين تطالع وسائل الإعلام الإخونجية أو القنوات التي تُبث من خارج مصر وتوجهاتها معروفة بالعداء للسيسي والجيش والشعب المصري، ومواقع التواصل الاجتماعي التي تقوم عليها لجان إلكترونية جيّشت “جماعة الإخوان المسلمين” مئات من عناصرها لإدارتها، وتجدها تركت العدوان الإسرائيلي والمجازر ضد الشعب الفلسطيني وركزت الهجوم الكثيف على الانتخابات الرئاسية المصرية!! فالأمر ليس اهتماماً بالأوضاع في مصر، أو انعكاساً لقيمة الدولة العربية الكبيرة وثقلها في المنطقة؛ بل المسألة ببساطة تعكس توجهات التحالف الذي يضم “الإخوان” ونشطاء ظهروا ولمعوا بفعل الفوضى التي ضربت البلاد بعد 25 كانون الثاني 2011 وجهات غربية وغير مصرية وأجهزة استخبارات ومراكز بحثية وسياسية خارجية، ورغبة ذلك التحالف هي عدم إجراء انتخابات رئاسية في مصر من الأساس، وتنفيذ خطة تهدف إلى إفسادها؛ ليس فقط يأساً لغياب مرشح يمكن أن يدعمه “الإخوان” وحلفاؤهم أو ينفقوا على حملته، لكن لأن تلك الأطراف تدرك أن الرئيس عبد الفتاح السيسي سيحقق الفوز في الانتخابات وبنسبة عالية عن المرشحين الثلاثة الذين ينافسونه، وكذلك لأن استقرار مصر وهدوء الأوضاع فيها، وتماسك الجيش وصلابة البناء المجتمعي المصري، أمور كلها تمثل هزيمة كبرى لمشروع أنفقت تلك الجهات عليه كثيراً وعمل “الإخوان” من أجله طويلاً من دون جدوى. هو نفسه التحالف الذي يدّعي دعم المقاومة الفلسطينية، لكنه تركها وركز جهوده على تغييب الجهود المصرية والعربية لمحاولة وقف الحرب أو تجهيز آلاف الشاحنات بالمساعدات الإنسانية وتوجيهها إلى الفلسطينيين، أو الاستخفاف بالإمكانات اللوجستية التي وفرتها مصر لاستقبال المساعدات من الدول الأخرى وإفراغ الطائرات منها في مطار العريش ونقلها لتمر من معبر رفح. المحصلة أن “الإخوان” وكل الجهات التي تدعمهم يعتقدون أن نجاح أي رئيس بعد إسقاط حكم الجماعة وثورة الشعب المصري عليها يعني إسقاطاً للتنظيم نفسه، ودليلاً قاطعاً على فشل “الإخوان” في حكم مصر، وهي التهمة التي تبذل تلك الأطراف جهوداً مضنية لمحاولة نفيها، بادعاء تعرّض الجماعة لمؤامرة من الجيش أو الغرب أو الشرق، كانت وراء خلع محمد مرسي عن المقعد الرئاسي. عموماً فإن الأجواء في مصر تشير إلى أن التحدي أمام السيسي يتمثل في التعاطي مع قضية تهجير الفلسطينيين قسرياً إلى سيناء وكيفية تعامله مع أطراف الأزمة بعدما أكد لهم، ولشعبه، أن مسألة نقل الفلسطينيين إلى شبه الجزيرة المصرية خط أحمر لا يمكن أن تقبل مصر بتجاوزه. وأقر مجلس النواب عام 2017 قانون “الهيئة الوطنية للانتخابات”، والهيئة تتولى الإشراف على كل الانتخابات في مصر، ويتشكل مجلس إدارتها من عشرة قضاة، ويرأسه أقدم أعضائها من محكمة النقض. ووفقاً للقانون، تتمتع بالاستقلال الفني والمالي والإداري، وتختص من دون غيرها بإدارة الاستفتاءات والانتخابات الرئاسية والنيابية والمحلية، وتنظيم جميع العمليات المرتبطة بها والإشراف عليها. بالنسبة إلى المنافسة في تلك الانتخابات، فالمشكلة أن القوى السياسية المصرية تنظر إلى أعلى مباشرة وترصد المقعد الرئاسي وتسعى إلى السلطة من دون أن تمر على مراحل يفترض أن تعبرها لتصل إلى تلك السلطة، قد يكون بالفعل من حقها أن تصل إلى الحكم لكن بعدما تمتلك الآليات التي تمكنها من تحقيق هدفها، أما أن تهرول نحو السلطة وحين تكتشف أن لا أرضية لها ولا قواعد تؤيدها وأنها سارت في الطريق الخاطئ وتأتي كي تتهم الجميع بحصارها والتضييق عليها وحرمانها من حقها في السلطة، فالأمر هنا يتجاوز حدود الصراع السياسي المسموح به بل والمرحب به أيضاً، ويصل إلى حدود المراهقة السياسية التي تدفع مصر ثمنها، بينما ترفض قوى المعارضة أن تعيد حساباتها لتنجو من انغماسها وغرقها فيها منذ ضرب الربيع العربي البلاد. يتفادى السياسيون المصريون اللجوء إلى الشارع والتفاعل مع الناس وتأسيس قواعد جماهيرية واختراق التجمعات السكانية والتفاعل مع البشر لحل المشكلات الاجتماعية والاقتصادية والحياتية، حتى يكون لهم مؤيدون ومناصرون على أسس سياسية أخلاقية، فالأمر يحتاج إلى خبرات سياسية وخصائص شعبية وحياد فكري، وهي أمور لا تتوافر غالباً بين الكثيرين، كما أن مبررات الفشل يسهل إطلاقها والترويج لها بدلاً من بذل الجهد والنضال الحقيقي بين الجماهير، خصوصاً في وجود وسائل إعلام وصحف وقنوات ومواقع إلكترونية تعمل لمصلحة “الإخوان المسلمين” الذين قد يناصبون الناصريين والليبراليين العداء، لكنها تجد في كل نشاط معارض للسيسي فرصة للإساءة إلى حكمه لكونها على يقين تام بأن “الإخوان” وحدهم الأكثر قدرة على العودة إلى المشهد السياسي إذا ما سنحت الفرصة، حتى لو كان صانعها سياسياً مخالفاً لهم أو معارضاً لحكمهم. عملياً لا تأثير حقيقياً للأحزاب السياسية في الانتخابات الرئاسية، ورغم أن غالبية الأحزاب أعلنت نيتها دعم السيسي، تراوحت مواقف الأحزاب التي تأسست عقب كانون الثاني 2011 ما بين السير في ركاب “الإخوان” وغناء معزوفة التشكيك في الانتخابات، أو دعم أحد المرشحَين: حازم عمر أو فريد زهران، أما بالنسبة إلى السيسي فيبدو أنه غير منشغل بمنافسيه، بقدر اهتمامه بنسب المشاركة في الاقتراع، التي من شأن ارتفاعها تقوية مركزه في مواجهة خصوم مصر في الداخل والخارج، خصوصاً أن إعلان النتائج سيتزامن، غالباً، مع تطورات في عدوان إسرائيل على قطاع غزة ربما تضع الرئيس المقبل لمصر أمام تحد يتعلق بحدود البلاد التي سيقسم، عندما يؤدي اليمين الدستورية، على حمايتها والدفاع عنها والحفاظ عليها.