إسلام محمد
تُعدّ أزمة نقص الموارد الدولارية واحدة من أهم التحدّيات التي تواجه المنظومة الاقتصادية في مصر، بدايةً من التأثير السلبي لتداعيات أزمة كورونا وما تبعها من الحرب الروسية- الأوكرانية، ومؤخّرًا التوترات الجيوسياسية، والتي انعكست بدورها على خروج استثمارات أجنبية غير مباشرة من السوق، بالإضافة إلى تراجع إيرادات قناة السويس، أحد أهم مصادر النقد الأجنبي للبلاد.
تحدّيات المرحلة عجّلت من توجّهات الحكومة المصرية للبحث عن بدائل استثمارية جديدة، جاءت في مقدمتها التنمية العمرانية، لسرعة حلّ الأزمة الراهنة واستقطاب رؤوس أموال أجنبية تدعم قدرة المنظومة في مواجهة عجز الموازنة والقضاء على السوق الموازية والتراجع المستمر في قيمة العملة المحلية (الجنيه).
ووفقاً لصندوق النقد الدولي، فإنّ نسبة إجمالي الدين إلى الناتج المحلي الإجمالي لمصر يعدّ الأعلى حالياً بين الاقتصادات الناشئة، وتقدّر بنحو 92.7 في المئة، حيث شهدت السنوات العشر الأخيرة توسع الاقتصاد المصري نحو الاقتراض، لتتجاوز الديون الخارجية 160 مليار دولار، تنفق على سدادها مصر أكثر من 40 في المئة من إيراداتها.
وفي هذا الشأن، صدر قرار جمهوري، بإعادة تخصيص قطع أراضٍ في الساحل الشمالي الغربي بإجمالي مساحة 707.234 ألف فدان، لصالح هيئة المجتمعات العمرانية الجديدة، لاستخدامها فى إقامة مجتمعات عمرانية جديدة.
ويستهدف “مخطط التنمية العمرانية لمصر 2052” -ضمن أولوياته- التنمية العمرانية المتكاملة لمنطقة الساحل الشمالي الغربي، باعتبارها من أكثر المناطق القادرة على استيعاب الزيادة السكانية المستقبلية لمصر، وخلق أنشطة اقتصادية متميزة توفّر فرص عمل وتسهم في مضاعفة الرقعة العمرانية.
لجنة لدراسة عروض الاستثمار
رئيس الوزراء المصري الدكتور مصطفى مدبولي كشف عن تولّي لجنة قانونية وفنية مشكّلة بالمجلس، دراسة عروض استثمار مقدّمة في مشروعات مهمّة من المقرّر أن تدرّ موارد ضخمة من النقد الأجنبي، بالإضافة إلى الاستعانة بمكتب محاماة عالمي، بهدف إعداد الصياغات النهائية بشأن اتفاقات وعقود هذه المشروعات.
وأضاف، أنّه من المقرّر الإعلان عن كامل التفاصيل عقب الانتهاء من المفاوضات مع المستثمرين قريباً، حيث من المتوقع أن تسهم المشروعات الاستثمارية الكبرى في تحقيق مستهدفات الدولة في التنمية، وتوفير مئات الآلاف من فرص العمل وتشغيل الشركات المصرية.
مخطط التنمية العمرانية
ووفقًا للتحرّكات الأخيرة من قِبل الحكومة المصرية، مثلت التنمية العمرانية رهان المرحلة الحالية لمواجهة أزمة نقص الموارد الدولارية، عبر استهداف عقد مزيد من الشراكات مع كيانات عالمية في عدد من المناطق السياحية الجاذبة، للاستفادة من الموارد الطبيعية المتاحة.
البداية في ضوء مخطط التنمية العمرانية لمصر 2052، جاءت عبر استهداف وضع مدينة رأس الحكمة في الساحل الشمالي، على خريطة السياحة العالمية خلال 5 سنوات، والتي تمتد شواطئها من منطقة الضبعة في “الكيلو 170” بطريق الساحل الشمالي الغربي، حتى “الكيلو 220” في مدينة مرسى مطروح.
ووفقًا لتقرير المرصد المصري، يستهدف المشروع التنمية الإقليمية في مدن مرسى مطروح والإسكندرية والعلمين وبرج العرب، عبر تأسيس علاقات متكاملة ومتوازنة مع التنمية الإقليمية المحيطة، وتطبيق مناهج مبتكرة لتفعيل الشراكة بين القطاعين العام والخاص.
محور استعادة الاستثمارات
خبراء واقتصاديون أكّدوا في تصريحات خاصة لـ”النهار العربي” أنّ خيار التنمية العمرانية يُعدّ أحد أهم الخيارات المتوقع نجاحها في استقطاب وعودة الاستثمارات الأجنبية للسوق المصرية مرّة أخرى، ومن ثم القضاء على أزمة نقص الموارد الدولارية والسوق الموازية، فضلًا عن دعم قدرة وصلابة الاقتصاد المصري من جديد، في مواجهة التوترات الإقليمية المحيطة وآثارها السلبية.
وأضاف الخبراء، أنّ سرعة إنهاء الإجراءات والاتفاقيات في ما يخصّ الشراكات العالمية المستهدفة في مجال التنمية العمرانية، ضروري لدعم قدرة الدولة على بعث رسالة طمأنة للمستثمرين والمؤسسات الخارجية على جاذبية مناخ الاستثمار في مصر، ودعم الحكومة جميع المستثمرين الراغبين في التوسع في مجال التنمية العمرانية.
وانعكست التوترات الإقليمية وتأثير الحرب الروسية- الأوكرانية، بالسلب على مختلف القطاعات في مصر، لاسيما السياحة، وما تبعها من أزمة سيولة دولارية في السوق الرسمية، عقب خروج 22 مليار دولار استثمارات غير مباشرة خلال النصف الأول من 2022.
الإمارات البداية
ووفقًا لتصريحات رئيس هيئة الاستثمار في مصر حسام هيبة، من المقرّر أن يقود تحالف إماراتي أولى مراحل التنمية العمرانية المستهدفة في مصر المرحلة الحالية، عبر المشاركة في تطوير مشروع مدينة رأس الحكمة، باستثمارات متوقعة تصل إلى 22 مليار دولار.
وأضاف هيبة، أنّه تمّ اختيار التحالف الإماراتي لتنفيذ المشروع عقب تلقّيه عروضاً من تحالفات عدة استثمارية دولية.
ووفقًا لتقرير وزارة الإسكان، من المستهدف أن تكون مدينة رأس الحكمة ﻣﻘﺻداً ﺳﯾﺎﺣياً ﻋﺎﻟﻣياً، ﯾﺗﻣﺎﺷى ﻣﻊ اﻟرؤﯾﺔ اﻟﻘوﻣﯾﺔ واﻹﻗﻠﯾﻣﯾﺔ ﻟﻣﻧطﻘﺔ اﻟﺳﺎﺣل اﻟﺷﻣﺎﻟﻰ اﻟﻐرﺑﻰ، حيث يستهدف إنشاء ﻣدﯾﻧﺔ ﺳﯾﺎﺣﯾﺔ ﺑﯾﺋﯾﺔ ﻣﺳﺗداﻣﺔ ﻋﻠﻰ اﻟﺑﺣر اﻟﻣﺗوﺳط تنافس مثيلاتها ﻋﻠﻰ اﻟﻣﺳﺗوى العالمي.
مكاسب مباشرة سريعة
الخبير الاقتصادي الدكتور علي الإدريسي، يرى في تصريحات خاصة لـ”النهار العربي”، أنّ الدولة المصرية تقوم خلال المرحلة الحالية بالتحرك في اتجاهات عدة، لتوفير النقد الأجنبي وحل أزمة الدولار التي تسيطر على المنظومة الاقتصادية.
وأضاف، أنّ أحد هذه الأفكار والتوجّهات الحالية لحل تلك الأزمة تمثلت في الطروحات الجديدة على الصعيد العمراني مثل مشروع رأس الحكمة في الساحل الشمالي، مع وجود تحالف مصري- إماراتي للمشروع باستثمارات تقدّر بنحو 22 مليار دولار.
وأشار إلى أنّ فكرة التنمية العمرانية، لاسيما بهذه المنطقة، لها مكاسب مباشرة سريعة، تتمثل في توفير النقد الأجنبي، فرص عمل، مستويات تنمية متطورة لهذه المنطقة بخاصة مع توجّهات الدولة ومستهدفاتها نحو الاستفادة بصورة أكبر من منطقة الساحل الشمالي على مدار الفترة المقبلة، وهو ما سينعكس بالإيجاب على المنظومة الاقتصادية، ويسهم في زيادة المعروض الدولاري النقدي في البنوك وتوفير جزء من احتياجات الأسواق.
وتعاني مصر من أزمة اقتصادية ونقص بالعملة الأجنبية، حيث انخفضت العملة المحلية في مصر ما يقرب من 50 بالمئة مقابل الدولار منذ أوائل عام 2022، مع استمرار النقص المتزايد في تدفقات العملة الأجنبية.
وتأمل مصر بالتزامن مع توجّهاتها في مسارات مختلفة لاستعادة رؤوس الأموال الأجنبية مرة أخرى، في سرعة إنهاء الاتفاق مع صندوق النقد الدولي لإحياء وتوسيع اتفاقية القرض الموقّعة في كانون الأول (ديسمبر) 2022
.
وأعلن صندوق النقد الدولي، أنّه أحرز تقدّماً في المناقشات مع مصر بشأن السياسات وحزمة التمويل، بما يدعم استئناف صرف دفعات قرضه البالغ 3 مليارات دولار للبلاد.
رسالة طمأنة للمستثمر
وتابع الخبير الاقتصادي الدكتور علي الإدريسي حديثه باستعراض عوائد التنمية العمرانية المستهدفة “غير المباشرة”، والمتمثلة في دورها كرسالة طمأنينة للمستثمرين محليًا وأجنبيًا عن مناخ الاستثمار في مصر، ورسالة تشجّع مستثمرين بصورة أكبر للتواجد وضخ استثمارات، سواءً في قطاع السياحة أو قطاعات أخرى تمتلك مقومات وفرصاً استثمارية جاذبة.
وطالب الإدريسي بسرعة إنهاء الإجراءات والخطوات التنفيذية بأسرع وقت، لبدء مراحل أحد أكبر المشروعات التي تقوم بها الدولة، ومن ثم دعم قدرة مصر على استقطاب مزيد من الاتفاقيات المتوقعة لتنمية مناطق أخرى خلال الفترة المقبلة.