عصام شيحة
كرة القدم أول ما يخطر على بال أي مصري عندما تُذكر أفريقيا، ينافسها، منذ سنوات قليلة «سد النهضة» الاثيوبي! ذلك ما تشكل نتاج سياسات دامت أكثر من أربعة عقود؛ إذ ولت مصر وجهها شطر الغرب عقب حرب 1973، بحثاً عن حداثة تندرج بها مصر في فلك الغرب الديموقراطي المتفوق! والحال أن ديموقراطية حقيقية لم يتحقق منها شيء أكثر من عودة صورية للأحزاب، وانفتاح اقتصادي لطالما عانينا منه؛ إذ لم يكن يشير إلى اقتصاد السوق إلا في أرخص صوره. ومع بداية حكم الرئيس السيسي، زاد الاهتمام بأفريقيا؛ إذ تأكدنا أن مجابهة أخطار سد النهضة الاثيوبي لا تنفصل أبداً عن محاولات جادة ينبغي بذلها لاستعادة دور مصر الريادي في القارة السمراء.
وعلى رغم قدم محاولات إسرائيل التواجد في أفريقيا، إذ زارت وزيرة الخارجية الإسرائيلية غولدا مائير أفريقيا عام 1958 حاملة لبرنامج إنمائي للتعاون بين إسرائيل وأفريقيا يشرف عليه رئيس الوزراء الإسرائيلي بن غوريون، إلا أن الانسحاب المصري، أفاد كثيراً في تمدد العلاقات الإسرائيلية – الأفريقية، حتى أنجزت إسرائيل توغلاً في أفريقيا في مجالات متعددة، الزراعة والتكنولوجيا الطبية والتنمية والأمن والتدريب العسكري… إلخ. وتحظى أفريقيا باهتمام إعلامي كبير في إسرائيل يعتمد على ترويج فكرة «وحدة المأساة»!، بزعم أن معاناة اليهود من «المحارق»، تقابلها معاناة الشعب الأفريقي من «العبودية».
وسياسياً كانت أفريقيا منصة إلزامية للانطلاق صوب تمثيل مصري للقارة في المنظمات الدولية، واقتصادياً لا شيء مهم يُذكر. حتى ان تصريحاً لرئيس وزراء مصر مصطفي مدبولي، أثناء افتتاح «المعرض الأفريقي الأول للتجارة البينية» في كانون الأول (ديسمبر) الماضي، جاء فيه أن مصر تستهدف مضاعفة حجم التجارة البينية بينها وبين القارة الأفريقية خلال خمس سنوات، لتصل إلى 10 بلايين دولار، وهي حالياً 5 بلايين دولار. وبمناسبة حضور الرئيس السيسي قمة منتدى التعاون الصيني – الأفريقي في بكين في أيلول (سبتمبر) 2018، تم الإعلان عن أن حجم التبادل التجاري بين مصر والصين بلغ نحو 7.5 بليون دولار خلال النصف الأول من عام 2018، بارتفاع بلغ 24 في المئة عن الفترة المماثلة من العام السابق. ثم يدهشك أن «تفيق» مصر على أثيوبيا تبني سداً يهدد أمننا القومي مستغلة انشغال مصر في «ثورتها»، مدعومة بشعور أفريقي متراكم، لا يمكن إنكاره، باستعلاء مصري أهدر كثيراً ما لمصر من مخزون تاريخي في قلوب شعوب القارة السمراء جراء دورها الريادي في دعم حركات التحرر الأفريقية، ومد جسور التواصل والتعاون بين أبناء القارة، والإسهام بقوة في «مأسسة» العلاقات الدولية الأفريقية، إذ تم الإعلان عن إنشاء منظمة الوحدة الأفريقية في أيار (مايو) 1963، والتي خلفها الاتحاد الأفريقي الذي تأسس في التاسع من تموز (يوليو) عام 2002.
وواقع الأمر، أن تحديثاً فورياً حقيقياً يلزم توجيهه صوب نظرتنا إلى القارة الأفريقية. نظرة أكبر من الكرة، وتفوق أهمية الانطلاق منها إلى مقاعد المنظمات الدولية، وصولاً إلى شراكات استراتيجية شاملة تجمعنا بدول القارة البكر. نظرة سبقتنا إليها الصين برؤى حكيمة؛ إذ أيقنت أن الاقتصاد قاطرة السياسة الدولية المعاصرة، فكان أن أبدت بكين تفهماً لظروف القارة، ولم تصطدم بثقافتها مثل الغرب، وراحت تتغلغل في ثناياها بحثاً عن ثرواتها، وأطلقت قوتها الناعمة لبسط نفوذها بديلاً عن قوة السلاح التي استعملها الغرب للغرض ذاته سابقاً. واليوم، ومصر ترتقي مقعد رئاسة الاتحاد الأفريقي، أتوقع أن تملك استراتيجية واضحة لتفعيل علاقاتها الأفريقية وفق محددات ومعايير وقيم العلاقات الدولية المعاصرة، مستخدمة كافة عناصر قوتها الشاملة. ومن ثم ننجح لو أن أهدافنا تعلو شباك بطولة الأمم الأفريقية لكرة القدم التي تستضيفها مصر الصيف المقبل.
* كاتب مصري.