اخبار سياسية عالمية

مصر وقطر وتركيا منهم.. أبرز المتضررين اقتصاديًا من أزمة ترامب مع إيران

أحمد طلب

شهدت الأسواق العالمية منذ اللحظة الأولى لقرار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بانسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي مع إيران تحركات ملحوظة ما بين صعود وهبوط وتفاؤل البعض، وتشاؤم آخرين، إلا أن المحصلة النهائية جاءت على عكس المتوقع؛ فلم يكن القرار بمثابة أزمة لطهران فقط، بل إن دائرة المتضررين بدت أوسع مما يظن الكثيرون، وذلك على مستوى الدول الملتزمة بالاتفاق مجموعة دول «5 +1»: أمريكا، بريطانيا، الصين، فرنسا، وروسيا، أو حتى تلك الدول التي ليس لها علاقة من قريب أو بعيد ببنود الاتفاق.

التحركات الفورية جاءت على مستوى أسعار النفط والذهب والأسهم العالمية، إلا أن النتائج لن تقف عند هذا الحد بالطبع، وخلال السطور القادمة سنتحدث عن أبرز المتضررين من انسحاب ترامب من الاتفاق النووي، بعيدًا عن إيران التي سبق أن تحدثنا عن الأضرار الاقتصادية التي ستتعرض لها خلال هذا التقرير:

مستهلكو النفط.. مصر وتركيا في الصدارة
مع بداية تداولات اليوم، قفزت أسعار النفط بأكثر من 2%، بينما تواصل الصعود حتى الآن؛ إذ يرجح البعض أن ترتفع صوب 80 دولار للبرميل في ظل استمرار التوترات الحالية، خاصة مع توقيع ترامب قرارًا بفرض أعلى مستوى من العقوبات الاقتصادية على طهران، وصعدت أسعار العقود الآجلة لخام برنت القياسي تسليم يوليو (تموز) لأكثر من 77 دولارًا للبرميل.

وبنسبة متقاربة جاء صعود الخام الأمريكي نايمكس تسليم يونيو (حزيران) ليقترب من 71 دولارًا للبرميل، ومع هذه الأرقام يكون النفط قد صعد خلال أخر ثلاثة أشهر بنحو 17%، وصعد خلال عام بنحو 44%، واستمرار الصعود يعني أن الدول المستهلكة للنفط قد تضاعف إنفاقها على الخام لسد احتياجاتها.

ولا شك أن كل المستهلكين للنفط متضررون من ارتفاع الأسعار، وعلى رأس الدول المستهلكة كل من الصين والهند واليابان، إذ إن هذه الدول حققت وفرات ضخمة في موازناتها خلال فترة هبوط الأسعار، بالإضافة إلى دول الاتحاد الأوروبي التي تعد من المستهلكين كذلك، لكن هذه الدول تمكنت من تخزين كميات ضخمة من الخام وقت انخفاض سعره؛ وهو ما يجعل الضرر أقل نسبيًا، ناهيك عن أن الأوضاع الاقتصادية في هذه البلدان أفضل من غيرها.

لكن في الشرق الأوسط يمكن القول: إن كلًا من تركيا، ومصر، والمغرب، وتونس، أبرز الدول الخاسرة من عودة أسعار النفط للصعود؛ بسبب القرار الأمريكي وتوقع تراجع الإمدادات، ولكن ما يجعل الأزمة مضاعفة بالنسبة لدولة كمصر – على سبيل المثال – هو أن موازنة البلاد قائمة على تقدير لسعر برميل النفط أقل كثيرًا من المستوى الحالي الذي وصلت إليه الأسعار؛ إذ تشير تقديرات إلى أن كل زيادة في سعر برميل خام برنت بقيمة دولار واحد، ترفع قيمة دعم المواد البترولية بنحو 3 مليارات جنيه في مصر.

ووضعت مصر موازنة 2017- 2018 الجارية على أساس سعر بين 55 و57 دولارًا لبرميل النفط، وهذا السعر أقل بنحو 20 دولارًا من السعر الحالي، وهو ما سينعكس على فاتورة واردات الطاقة في البلاد، ويرفع قيمة الدعم المخصصة للمشتقات البترولية، ويرفع كذلك نسبة العجز في الموازنة.

لا يختلف الوضع كثيرًا في تونس عن مصر؛ إذ قدرت البلاد موازنة 2018 على أساس أسعار نفط بنحو 54 دولارًا للبرميل، وهو الأمر الذي يشكل تهديدًا حقيقيًا للموازنة، في حال استمرت أسعار النفط قرب مستوى الأسعار الحالي الذي هو أكبر من السعر المقدر بالموازنة التونسية بنحو 23 دولارًا للبرميل.

وفي المغرب ربما تكون الأزمة أقل حدة بعض الشيء؛ إذ تبني البلاد توقعاتها الاقتصادية على أساس سعر برميل النفط في حدود 60 دولارًا، وهو ما يقل بنحو 17 دولارًا عن السعر الحالي، ويعد هذا الأمر أزمة كبيرة، خاصة أن المملكة تستورد 95% من احتياجاتها النفطية، وهو ما يشكل ضغطًا إضافيًا على اقتصاد البلاد، وربما يقوض من معدل نمو الاقتصاد، حال استمرت أسعار النفط في الصعود.

قطر.. حليف إيران ما بعد الحصار
من ناحية أخرى ربما تكون قطر على رأس المتضررين اقتصاديًا من قرار ترامب، وإن كانت ملامح هذا الضرر لم تظهر بعد؛ إذ يمكن القول: إن الخامس من يونيو الماضي، عندما أعلنت دول السعودية، والبحرين، ومصر، والإمارات، قطع علاقاتها مع قطر وغلق جميع المنافذ البرية والجوية، كانت الفرصة جوهرية لإيران لإقامة تحالف مهم مع الدوحة.

وحتى الآن قد تكون إيران أكبر الفائزين من أزمة الخليج؛ إذ وجدت طهران في الأزمة الخليجية فرصة ذهبية لتقوية اقتصادها بعيدًا عن العقوبات الدولية، ويقول رئيس اتحاد المصدرين الإيراني «محمد لاهوتي»: «إنّ قطر لا يمكنها تفعيل علاقاتها التجارية، إلا عبر إيران، وهذا يخلق فرصة مهمة جدًا لإيران من الناحية الاقتصادية»، معبرًا عن اعتقاده بأن قطر ستكون سوقًا بديلة لمنتجات عديدة تقوم طهران بتصديرها للبلدان التي قد ينتج معها خلاف في أي وقت، وهو ما يحدث الآن بالفعل، الأمر الذي يجعل من قطر منفذًا هامًا لإيران حال واجهت عقوبات إضافية.

لكن ربما ستكون قطر حريصة أكثر في المستقبل القريب في التعامل الاقتصادي العميق مع طهران، خاصة أن الأولى تسعى للحفاظ على علاقات جيدة مع الولايات المتحدة، وهو ما قد يهدد التعاون القطري الإيراني.

شركات أمريكية.. صناعة الطيران في المقدمة
عقدت عدة شركات أمريكية صفقات تجارية ضخمة مع إيران خلال الفترة الماضية، وبعد الاتفاق النووي، لكن هذه الصفقات من الصعب أن تكتمل في ظل انسحاب ترامب من الاتفاق، ووضع مهلة بين 90 و180 يومًا لإنهاء العقود القائمة حاليًا بين الشركات الأمريكية وإيران، وعلى رأس هذه الشركات كلٌّ من «بوينج»، عملاق صناعة الطيران العالمية، بالإضافة إلى شركة «جنرال إلكتريك».

فعلى مستوى بوينج فقد أعلنت الشركة في ديسمبر (كانون الأول) 2016 عن صفقة تناهز الـ17 مليار دولار، لبيع 80 طائرة لشركة الخطوط الجوية الإيرانية، لأجل 30 سنة تشمل 50 طائرة بوينج 737، و30 طائرة بوينج 777، كما أن شركة آسمان للطيران الإيرانية وقعت عقدًا مع شركة بوينج لشراء 60 طائرة طراز 737 ماكس، في أبريل (نيسان) 2017، بنحو بقيمة 3 مليارات دولار.

ومع إنهاء هذه العقود ستتعرض الشركة لخسائر ضخمة، بالإضافة إلى أن الاقتصاد الأمريكي سيفقد عشرات الآلاف من الوظائف التي كانت ستعمل على هذه الطلبيات.

من ناحية أخرى ستكون جنرال إلكتريك مطالبه بإنهاء عقود تبلغ قيمتها عشرات الملايين من الدولارات لمعدات لمشاريع إنتاج الغاز ومصانع الغاز والمواد البتروكيميائية، كانت بصدد العمل بها في إيران.

شركات أوروبية.. توتال وفولكسفاجن الأبرز بعد إيرباص
أوربيًا تبرز شركة صناعة الطيران الأوروبية «إيرباص» التي وقعت عقود مع ناقلتين إيرانيتين هما: «إيران إيرتور»، و«طيران زاغروس» لبيع 100 طائرة بقيمة 10 مليارات دولار، وبالرغم من عدم انسحاب أوروبا من الاتفاق، فإن الانسحاب الأمريكي سيؤثر على إيرباص؛ إذ تمتلك مصانع بالولايات المتحدة، وهو ما يبرر هبوط أسهم الشركة بنسبة 1.1% في تعاملات اليوم.

وأمام القرار الأمريكي، ستكون شركات البلاد على موعد مع الكثير من الخسائر، خاصة في ظل أن باريس كانت أكثر الدول الأوروبية التي تعاملت مع طهران منذ الاتفاق النووي، فعلى مستوى شركات الطاقة، ستكون «توتال» أمام مأزق قد تخسر من خلاله عقد بقيمة 5 مليارات دولار للمساعدة في تطوير حقل غاز باريس الجنوبي، ما لم تحصل شركة النفط الفرنسية العملاقة على إعفاء من العقوبات، ولكن في حال فشلت توتال في الفوز بإعفاء من العقوبات، فمن المتوقع أن تتراجع وتفسح المجال لشركة «سي.إن.بي.سي» الصينية؛ لتكون المشغل الرئيس للمشروع.

تتواجد كذلك عملاق صناعة السيارات الفرنسية «بي أس أي» المالكة للعلامة التجارية (بيجو) بقوة في إيران؛ إذ تستحوذ على 30% من سوق السيارات الإيراني، لكن ربما ستستمر بيجو في إيران، خاصة أنها غائبة عن السوق الأمريكي منذ عام 1991، إلا أن ذلك لم يحمها من هبوط أسهمها اليوم؛ إذ فقدت نحو 1.5% في المعاملات المبكرة، وفي ألمانيا ستكون «فولكسفاجن» أمام اختيار صعب بين إيران والولايات المتحدة – ثاني أكبر سوق لبيع السيارات في العالم – وذلك بعد أن استأنفت الشركة العام الماضي بيع السيارات لإيران للمرة الأولى منذ 17 عامًا.