مصير دراسة آلاف الطلاب العرب النازحين في إقليم كردستان مهدّد

1

احتجاجات ووقفات مستمرة للمطالبة بالعودة عن قرار غلق ممثليات وزارة التربية العراقية في الإقليم.

يواجه آلاف التلامذة العرب المقيمين في إقليم كردستان العراق مصيراً دراسياً مجهولاً، بعد إعلان وزارة التربية العراقية نيتها إغلاق ممثليتها في الإقليم، والتي تشرف على مجموعة من المدارس التي يزاول فيها التلامذة النازحون من باقي محافظات العراق، ومنذ سنوات، دراستهم، وليس لديهم بدائل أخرى. 

تعميم وزارة التربية العراقيةفي منتصف شهر شباط (فبراير) الماضي، عمّمت وزارة التربية العراقية على مكاتبها التمثيلية في محافظات أربيل ودهوك والسليمانية، كتاباً ذكّرت فيه المعنيين بقرار مجلس الوزراء العراقي، القاضي بإغلاق كل المخيمات وعودة النازحين من الإقليم إلى مناطقهم التي نزحوا منها قبل نهاية شهر تموز (يوليو) المقبل، وبالتالي نيتها إغلاق كل المديريات والمؤسسات المرتبطة بها في التاريخ ذاته، طالبةً من الموظفين اتخاذ الإجراءات اللازمة لتطبيق الأمر الإداري قبل نهاية الموعد المحدّد. مديريات التربية العراقية التابعة مباشرة للحكومة المركزية موجودة في إقليم كردستان منذ العام 2014. فبعد سيطرة تنظيم “داعش” على مناطق واسعة من وسط العراق وغربه، نزح قرابة المليونين ونصف مليون مواطن عراقي إلى إقليم كردستان، فقرّرت الحكومة إنشاء مجموعة من المؤسسات الخدماتية لهم ضمن الإقليم، تشرف عليها مباشرة وتغطيها مالياً ولوجستياً. لكنها منذ نحو عام صارت تُصدر قرارات تُنبئ بإقفالها، معتبرةً أنّ الظرف الأمني والمعيشي في المناطق التي كان يسيطر عليها تنظيم “داعش” صارت آمنة ومؤاتية لعودة النازحين، وبالتالي يمكن تفكيك المخيمات في مناطق النزوح. أثمان باهظةناظم سعد الله نازح عراقي يتحدّر من بلدة بيجي في محافظة صلاح الدين، ويقيم منذ سنوات في بلدة بالقرب من مدينة أربيل، وافتتح ورشة للصيانة الكهربائية، يشرح في حديث لـ”النهار العربي” التأثيرات التي قد يخلفها مثل هذا القرار على حياته المعيشية والعائلية. ويقول: “بالنسبة لنا ولعشرات العائلات في هذه البلدة، فإنّ الأمر لا يتعلق بإغلاق المخيمات التي لا نقيم فيها أساساً، بل بالاضطراب الذي قد يصيب حياتنا العادية، والتي يشكّل التعليم جزءاً رئيسياً منها. أربعة من أولادي يزاولون الدراسة في المرحلتين الابتدائية والمتوسطة، ولا يمكن لهم الدخول والاندماج في مدارس تُدرّس اللغة الكردية أو الإنكليزية بسهولة، فيما المدارس العربية الخاصة في إقليم كردستان تطلب بالحدّ الأدنى دفع مبلغ 1500 دولار كقسط سنوي لكل تلميذ، وهذا ما يتجاوز 50 في المئة من دخلنا السنوي. ولا يمكن إنهاء العمل الذي أسسته طوال عشر سنوات والعودة إلى مدينة لا تشهد أوضاعاً أمنية مستقرة”. 

 لجنة التربية في البرلمان العراقي طلبت من وزارة التربية العراقية إبقاء الممثليات التابعة لها في إقليم كردستان، إلى حين ما سمّته “تهيئة الأوضاع الخدماتية والأمنية والتربوية والصحية في مناطق عودة النازحين”. وهو مؤشر إلى صعوبة تنفيذ القرار مباشرة، لأنّ المؤسسات التربوية والتعليمية هناك تعمل بأقصى طاقتها، ومن الصعوبة بمكان استيعاب المزيد من التلامذة، حتى لو وافق ذووهم على العودة أساساً. وقرّرت اللجنة استضافة وزير التربية العراقي إبراهيم نامس لمناقشة الأمر تفصيلاً. احتجاجات ومطالبورداً على قرار الوزارة، وفي محاولة للضغط على الحكومة المركزية للتراجع عن سياستها، تظاهر المئات من النازحين العراقيين المقيمين في إقليم كردستان أمام مقرّ الأمم المتحدة وسط مدينة أربيل، احتجاجاً على القرار المتخذ، ومعتبرين أنّه يمسّ بالحقوق الأساسية لهم ولأبنائهم في الحصول على تعليم مجاني ومناسب وبلغتهم الأم، العربية. وزارة التربية العراقية رفضت التحرّكات الاحتجاجية والضغوط، معتبرة أنّ قرارها هو جزء من تطبيق شامل للسياسة الحكومية بحق النازحين واللاجئين العراقيين، ولا تستطيع اتخاذ إجراءات قد تحول الإقامة الموقتة لعشرات الآلاف من النازحين إلى إقامة دائمة في إقليم كردستان، تتكفّل الحكومة المركزية بهم وتقدّم حاجاتهم اليومية وخدماتهم. 

 الكاتبة والباحثة مايا أحمد شرحت في حديث لـ”النهار العربي” الأبعاد السياسية والثقافية للقرار، قائلة “إنّ حكومة رئيس الوزراء محمد شياع السوداني تريد تحقيق إنجاز واضح وملموس، تستطيع طرحه والدفاع عنه أمام القواعد الاجتماعية العراقية، وأن يتحول إلى برنامج وطرح سياسي شامل يؤدي إلى إغلاق ملف النازحين”. ورأت “أنّ الحكومة تحاول أن تثبت جدّية عملها، وطيها لملف تنظيم “داعش” الإرهابي. لكن ذلك لن يكون من دون آثار واضحة وبعيدة المدى، فإما عودة شبه إجبارية للنازحين، وتالياً تفكيك شبكة من العلاقات الاجتماعية والحياتية والثقافية التي تكونت طوال السنوات الماضية، ما قد يشكّل نزوحاً آخر، أو بقاؤهم في إقليم كردستان من دون مؤسسات الحكومة المركزية، وتالياً اندماجهم في الحياة الاجتماعية والتعليمية في الإقليم، وهو ما لم يحصل حتى الآن بسبب ما كانت توفره الحكومة المركزية العراقية من قبل”. لا تُعرف الأعداد الحقيقية للتلامذة العراقيين في إقليم كردستان، لكن التخمينات تقول إنّهم يتجاوزون 150 ألفاً، يشرف على تعليمهم المئات من المدرّسين وأعضاء الجهاز الإداري. ويُعتبر تقديم فرصة التعليم الجيد من قصص النجاح النادرة في سيرة النزوح العراقي طوال السنوات الماضية، وحصلت الحكومة العراقية بموجبه على إشادة من العديد من المنظمات والمؤسسات الدولية.

التعليقات معطلة.