معاناة ما بعدها معاناة!

5

 

د. محمد حسين الدلال

تقول إحداهن: «لا أدري.. بعد أن تم تخفيض رواتبنا وبشكل مفاجئ، هل أقرر أنا وزوجي أن نخرج أولادنا من مدارسهم الخاصة؟»، ويقول أحد الموظفين: «عليّ التزامات وديون وقروض للبنك، ومن الصعب السداد بعد خفض المرتب، فهل يؤدي بي ذلك الى السجن مستقبلاً؟»، ويقول الثالث: «أنا في منتصف مرحلة بناء بيت العمر، وبعد تخفيض الراتب ومع الالتزامات المالية لن أستطيع إكمال البنيان، فهل أبيع الأرض بما عليها؟»، ويقول الرابع: «بسبب تخفيض الرواتب لم أستطع دفع إيجار الشقة التي أسكنها مع عائلتي حالياً، وأنا مضطر للبحث عن شقة أخرى أصغر قد لا تتناسب وحجم عائلتي»، وتقول سيدة من السيدات: «كنت ماخذة قرض من البنك وكان من المتوقع أن أسدد القرض خلال 3 سنوات، وبعد تخفيض الراتب طلبت من البنك إعادة الجدولة، فكانت الجدولة الجديدة تمتد الى عشر سنوات مع زيادة التكلفة والعبء المالي علي».

ما سبق امثلة بسيطة من حالات عديدة من المعاناة التي يمر بها عدد من المواطنين والمواطنات ممن تم تخفيض رواتبهم بشكل مفاجئ ومن دون مراعاة لمراكزهم القانونية أو منحهم مهلة أو سابق انذار للعاملين في الأمانة العامة لمجلس الامة وفي عدد من الجهات الحكومية الأخرى، ومع هذا التخفيض في الراتب يمر أغلبهم وأهاليهم بوضع مالي واجتماعي صعب للغاية، ومن المتوقع في المستقبل القريب ارتفاع حالات المعاناة مالياً واجتماعياً ووظيفيا ونفسياً.

أشار عدد من وسائل الإعلام الكويتية إلى خطورة المساس برواتب موظفي الدولة من دون مراعاة لأوضاعهم المالية والاقتصادية، ففي افتتاحية لجريدة القبس بتاريخ 22 مايو الماضي بعنوان «رواتب الموظفين ركيزة الاستقرار الاجتماعي» نبهت الى «التزام الدولة الرواتب والبدلات ليس مجرد بنود مالية، بل التزام قانوني وأخلاقي، يضمن الاستقرار الاجتماعي للأسر، بالدرجة الأولى، ويحفظ الثقة بين الدولة وموظفيها، وأي خفض مفاجئ في رواتب أو بدلات «موظفين مستقرين» في مواقعهم منذ سنوات، قد يحمل تداعيات كبيرة على أوضاعهم العائلية، ويزيد الأعباء المالية»، وذهب تقرير اقتصادي للخبير الاقتصادي الأستاذ محمد البغلي نشر في جريدة الجريدة بتاريخ 26 يوينو الماضي الى الإشارة للخطايا من وراء التخفيض بالقول: «فخطيئة الخفض المفاجئ للرواتب لموظفي الدولة لا تنحصر فقط في خطورة تغيّر المركز المالي والقانوني والوظيفي لعدد قليل أو كبير من الموظفين مع صعوبة ترتيب الأوضاع لمجموعة من المقترضين تراجع دخلهم الشهري بما يناهز 50 في المئة من الدخل السابق، ولا في المساس باعتبارات النظام المصرفي من حيث مدد السداد ونسب الاستقطاع قواعد التمويل، ولا فقط في مجرد ضرورة أن يواكب الخفض المالي سياسات ناجعة على صعيد الحد من التضخم، إنما أيضاً على طبيعة فهم فلسفة إصلاح سوق العمل..».

قيل في المثل: «التراجع عن الخطأ فضيلة»، وقيل في تصحيح الخطأ أو الاجتهاد إن ذلك من قبيل النضج وأخلاق الكبار، وهو الأمر الذي يدعونا لتوجيه نداء للحكومة بضرورة مراجعة كل الإجراءات والقرارات الخاصة بتخفيض رواتب موظفي الدولة في الأمانة العامة لمجلس الأمة، وفي غير ذلك من الجهات حتى لا تتفاقم حالة المعاناة القائمة، وحتى لا نشهد أزمات اجتماعية ومالية ونفسية تعصف باستقرار الكثير من الأسر الكويتية. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أحب الناس إلى الله تعالى أنفعهم للناس، وأحب الأعمال إلى الله تعالى سرور تدخله على مسلم، أو تكشف عنه كربة، أو تقضي عنه ديناً».

قانون العمل الخيري

تبحث الحكومة وبالأخص اللجنة المكلفة بالتعامل مع نشاط العمل الخيري الكويتي حالياً إصدار قانون منظم للعمل الخيري، وهذا البحث والسعي لقيام قانون منظم للعمل الخيري أمر مطلوب، خاصة إذا روعيت فيه عدد من الاعتبارات، وأول تلك الاعتبارات أن يكون الهدف من القانون التنظيم والتطوير والدعم والرقابة المسؤولة على أداء النشاط الخيري دون أن يتجه هذا التنظيم ليصبح سبباً لإعاقة أدوار العمل الخيري أو إيقاف إنطلاقه أو الحد من نشاطه، وثاني تلك الاعتبارات أن يتضمن القانون المقترح تعزيزا لصور التنسيق بين الجمعيات الخيرية والجهات المختصة في الدولة من أجل تحقيق أهداف الكويت الداخلية والخارجية ليكون بذلك العمل الخيري القوة الناعمة المساندة للدولة، ومن الاعتبارات التي يجب مراعاتها هو أن تنظيم العمل الخيري لا ينجح بقرارات أحادية متفردة، بل برؤية تشاركية تعزز الشفافية والشراكة بين الدولة والجمعيات القائمة بنشاط العمل الخيري، وقد أبلغني صديق مسؤول في إحدى جمعيات العمل الخيري أن اللجنة التي تبحث القانون لم تستدعِ أي طرف يمثل جمعيات العمل الخيري، وذلك لسماع مرئياتهم بشأن القانون المزمع إصداره، وعليه فإنه من المستغرب أن تبدأ لجنة تنظيم العمل الخيري مناقشة مشروع ينظم القطاع الخيري دون الاستماع لأي طرف من الجمعيات الخيرية المعنية، ومن شأن تجاهل ممثلي هذا القطاع الحيوي إضعاف للثقة المتبادلة بين طرفي العمل والرقابة، ويعد تكريساً لنهج إقصاء أهل الخبرة في الميدان، ويجعل القانون المزمع بعيداً عن الواقع، وعرضة للنقد في ظل غياب فهم طبيعة عمل الجمعيات الخيرية.

 

 

التعليقات معطلة.