ربما يتذكر أصحاب الذاكرة القوية تلك الأيام التي كانت فيها اجتماعات البلدان الأعضاء في منظمة الدول المصدرة للنفط، “أوبك”، تشغل حيزاً كبيراً من أخبار الصحف والإعلام، وكيف تضخّمت التغطية التي نالها أحد تلك الاجتماعات بشكل مروّع حين أقدم الإرهابي “الثعلب كارلوس” على احتجاز الوزراء الأحد عشر الحاضرين. وعلى أمل أن يكون عنصر الإرهاب غائباً عن الاجتماع المقرر هذا الأسبوع في فيينا يومَي الخميس والجمعة، من المتوقع أن يتصدّر هذا الاجتماع العديد من الصفحات الأولى والعناوين الرئيسية.
وحتى قبل الانخفاض الذي شهده مؤشر “داو جونز” الصناعي يوم الثلاثاء المنصرم بمعدل 800 نقطة تقريباً والذي نتج عن شكوك بشأن صفقة تجارية مع الصين، كان رد فعل السوق غاضباً على المؤشرات الاقتصادية. فقد انخفض سعر النفط بنسبة 30 في المائة منذ تشرين الأول/أكتوبر – وإن كان هذا الخبر ساراً بالنسبة للمصنّعين، فهو ليس كذلك بالنسبة لشركات النفط أو على الأخص لمنتجي الزيت الحجري كون هذا المنتج لا يحقق أرباحاً إذا تدنّى سعر البرميل عن الـ 50 دولار.
وما زاد الوضع تعقيداً هو العوامل السياسية المتضاربة، حيث سمح الرئيس ترامب فعلياً لولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان بالإفلات من العقاب على مقتل الصحفي المعارض جمال خاشقجي نظراً للأهمية الكبرى التي تتمتع بها الشراكة الأمريكية السعودية، ومن ثم جاء الفيديو الذي تظهر فيه المصافحة الاستثنائية بين الأمير محمد بن سلمان – القائد الفعلي للمملكة العربية السعودية – والرئيس فلاديمير بوتين خلال قمة مجموعة العشرين التي انعقدت في بوينس آيرس في نهاية الأسبوع الماضي. فمنَ هي الدولة صاحبة العلاقة الرئيسية المميزة، الولايات المتحدة أم روسيا؟
لقد قد تم إضعاف موقف البيت الأبيض بشكل أكبر في الرابع من كانون الأول/ديسمبر الحالي حين بدا أن كبار أعضاء مجلس الشيوخ الأمريكي قد توصلوا – في أعقاب الجلسة التي جمعتهم بمديرة “وكالة الاستخبارات المركزية” جينا هاسبل – إلى الاستنتاج بأن الأمير بن سلمان متورط في مقتل خاشقجي كما كان يخشاه الكثيرون.
والبند الرئيسي في جدول أعمال وزراء نفط “أوبك” هو كيفية التوصل إلى اتفاق بشأن خفض الإنتاج بحيث يكون السعر مرتفعاً بما يكفي لدعم مختلف احتياجات ميزانياتهم المحلية. وهذا يعني في معجمهم إرساء الاستقرار في السوق، أما في المعجم الأمريكي فيعني ذلك ارتفاع الأسعار في محطات الوقود، ومن هنا جاءت التغريدات التهجمية التي لا ينفك الرئيس ترامب يوجّهها إلى المنظمة عبر موقع “تويتر”.
بيد أن اجتماع الخميس الذي ضم وزراء النفط العرب في الغالب – إلى جانب نيجيريا وفنزويلا وإيران وبضعة دول أفريقية – ربما قد فقد من أهميته بسبب اجتماع آخر يُعقد يوم الجمعة ويضم الدول المنتجة من خارج منظمة “أوبك”، وأبرزها روسيا. إذ يعتقد العديد من أعضاء “أوبك” أن السعودية وروسيا ستبرمان اتفاق يخدم مصالحهما المتبادلة دون الاكتراث بباقي الدول.
وفي هذا السياق نقلت صحيفة “وول ستريت جورنال” في الخامس من كانون الأول/ديسمبر عن لسان مسؤولٍ لم تحدَّد هويته قولَه إن وزيرَي النفط الروسي والسعودي، الكسندر نوفاك وخالد الفالح، يعيشان “علاقة رومانسية” على مستوى السياسات. وعلى ضوء “الصداقة الحميمة” التي تجمع بين الأمير محمد بن سلمان وبوتين، يبدو أن الولايات المتحدة أصبحت مجرد متفرّج مكتوف الأيدي.
ومع ذلك، ربما لا تزال التوجهات البعيدة المدى تبدو جيدة لأمريكا: فصفحة “بيغ ريد” للمقالات البارزة في عدد الرابع من كانون الأول/ديسمبر من صحيفة “فياننشال تايمز” كانت تحت عنوان “«أوبك»: لماذا يضع ترامب السعودية في وضع ميؤوس منه”.
هل يمكن أن تؤدي أنشطة هذه الأسبوع، مقرونةً بما يبدو تنامياً حتمياً في دور الزيت الحجري، إلى نهاية “أوبك”؟ من المحتمل جداً. فقد استُهِلّ هذا الأسبوع بإعلان قطر انسحابها من المنظمة الاحتكارية اعتباراً من الأول من كانون الثاني/يناير 2019. وفي الواقع لدى قطر أسباب اقتصادية معقولة لاتخاذ هذه الخطوة، فهي تنتج كمية صغيرة نسبياً من النفط ولكنها تنتج وتصدّر كمية ضخمة من الغاز الطبيعي (الأكثر نظافة). من هنا، ينبغي عليها التركيز على تطوير هذه الميزة النسبية.
إلّا أنّ قطر أيضاً على خلاف دبلوماسي مع السعودية، التي تقود حملة حصار تجاري على قطر منذ منتصف عام 2017، متذرّعةً بجملة شكاوى ومتّهمةً الدوحة مبدئياً بلعب دور الجار الشرير. لذلك فإن انسحاب الدوحة من “أوبك” اعتُبر على نطاق واسع خطوة ازدراء واستهزاء من قبل قطر تجاه الرياض. ولكن ما يزيد الوضع إرباكاً هو أن الملك سلمان، الذي لا يزال عاهل السعودية على الأقل بالإسم، قام في الرابع من كانون الأول/ديسمبر بدعوة نظيره القطري الأمير تميم إلى المشاركة في قمة «مجلس التعاون الخليجي» – وهو المجلس المحتضر إلى حد كبير – المقرر انعقادها في الرياض في التاسع من كانون الأول/ديسمبر.
وشخصياً أراهن على أن الأمير تميم لن يحضر القمة إنما سيوفد إليها أحد كبار وزرائه. ولكن من يعلم ما قد يحدث؟ ففي هذه الأيام، ثمة مرادفٌ سياسي خيالي لمؤشر “داو جونز” يشهد هو الآخر تقلبات واسعة.
سايمون هندرسون هو زميل “بيكر” ومدير “برنامج برنستاين لشؤون الخليج وسياسة الطاقة” في معهد واشنطن.
مشاركة