بقلم : رزوق الغاوي
الإنجازات الميدانية التي حققها الجيش العربي السوري والقوات الرديفة مؤخراً في بعض مناطق الشمال والشرق السورية، قلبت موازين القوى لمصلحته، ومهدت لوضع خريطة طريق لعملية سياسية حقيقية عبر مؤتمر الحوار الوطني المرتقب انعقاده في «سوتشي» مطلع العام القادم.
ير أن تلك الإنجازات قد كشفت، في الوقت ذاته، النقاب عن حقيقة النوايا الأميركية الرامية إلى توظيف وجود «قوات سوريا الديمقراطية – قسد» في بعض المناطق السورية وخاصة النفطية منها، للتغطية على ما تبيته واشنطن من خطط لإبقاء قواتها في سوريا لأجل غير معلوم، ومواصلة احتلال جزء من الأراضي السورية، وجعل «قسد» رأس حربة لتكريس الوجود العسكري الأميركي غير الشرعي الذي ينتهك السيادة السورية، ولعل في زيارة وزير الدولة السعودي لشؤون الخليج ثامر السبهان إلى محافظة الرقة بصحبة المبعوث الأميركي بريت ماكغورك، ما يشير إلى وجود تنسيق أميركي سعودي يخدم النيات العدوانية الأميركية المبيتة تجاه سوريا.
إن ما يؤكد جدية المضي الأميركي بهذا الاتجاه، قرار الرئيس الأميركي دونالد ترامب السماح لوزارة الحرب الأميركية باتخاذ قرارات عسكرية تتضمن زيادة عدد القوات العسكرية الأميركية في سوريا، هذا ما أكدته تقارير إعلامية حول إرسال مئات من الجنود الأميركيين ومشاركتها بصورة مباشرة في عمليات ريف محافظة الرقة، حيث لفتت شبكة «فوكس نيوز» الأميركية إلى أنّ منح البنتاغون الأميركي سلطة اتخاذ مثل تلك القرارات، سيكشف عن العدد الفعلي للجنود الأميركيين في سوريا، والذي تشير دوائر البنتاغون إلى أنه يتجاوز الألفي جندي، وسط تصريحات لمسؤولين أميركيين على رأسهم وزير الدفاع جيمس ماتيس تؤكد مواصلة تلك القوات احتلال بعض المناطق السورية، تحت زعم ضمان تطهير الأرض السورية من ذيول تنظيم داعش، والإشارة صراحة إلى أن الهدف المرحلي من استمرار الاحتلال يتمثل بتسليم المناطق التي كانت تحت سيطرة داعش إلى ما سماه مسؤولون أميركيون «حكومات محلية»!.
هذه التصريحات التي تطلقها الدوائر الأميركية بين حين وآخر، تحمل في طياتها محاولات واشنطن من خلال احتلال جزء من الأرض السورية لــ«وقت طويل» حسب ما أعلنته دوائر البيت الأبيض، والشروع في وضع مقدمات عملية لاستنساخ تنظيم «داعشي» باسم جديد، وخلق بؤر انفصالية تحت مسميات وشعارات مضللة زائفة، تتمكن الولايات المتحدة الأميركية من خلالها مواصلة الضغط على المواقف السورية من مختلف القضايا العربية والإقليمية، بما يخدم في النهاية الاستراتيجية الأميركية الخاصة بالمنطقة العربية ومحيطها الإقليمي.
في هذا السياق يقول الخبير الأمني بمعهد «نيو أميركان سيكيوريتي» نيكولاس هاريس: إن الولايات المتحدة ليست في عجلة من أمرها لسحب قواتها من سوريا، لافتاً إلى أن البنتاغون يقوم بوضع إطارٍ لإبقاء القوات الأميركية في سوريا لعدة سنوات، بينما يرى الباحث الفرنسي من معهد «هوفر للأبحاث» فابريس بالانش أن الأميركيين توصلوا إلى إستراتيجية جديدة واضحة في محاولة لضرب العلاقات بين دمشق وطهران انصياعاً لضغوط اللوبي الصهيوني في الولايات المتحدة الأميركية والمطالبات الإسرائيلية بذلك.
في السياق ذاته يُمكن القول إن الولايات المتحدة الأميركية وعبر ذراعها العسكري «قسد» تحاول بمختلف السبل والوسائل، اختراق الجهود الصادقة والرامية للتوصل إلى تسوية للأزمة الراهنة، سعياً لفرض نفسها لاعباً متطفلاً غير مَرَحَّب به على طاولة التسوية السياسية، بسبب انحيازها المطلق لمصلحة التنظيمات الإرهابية وتجاوزها خطوط السيادة السورية الحمر، الأمر الذي ستواجهه سوريا بحزم، ينطلق من قرارها التصدي لكل من يحاول انتهاك سيادتها الوطنية على ترابها الوطني، ومواجهة أية قوة مسلحة تحتل جزءاً من الأراضي السورية وتوجد فيها بصورة غير مشروعة ومن دون أي تنسيق أو اتفاق أو دعوة من الحكومة السورية بهدف مقاومة الإرهاب وأدواته، ما قد يضع البلاد أمام احتمال وقوع مواجهة بين الجيش العربي السوري والقوات الرديفة من جهة، و«قسد» المدعومة من الولايات المتحدة الأميركية والتنظيمات الإرهابية المدعومة من السعودية من جهةٍ أخرى، ما قد يؤدي إلى رفع وتيرة التوتر في العلاقات الروسية الأميركية، ما سينعكس بالتالي سلباً على الجهود الروسية الرامية للتوصل إلى تسوية سياسية تنهي الأزمة الراهنة في سوريا.
ثمة تساؤلات كثيرة حول ما قد يحمله القادم من الأيام من تطورات، ففي هذا القادم الأجوبة الصريحة التي نأمل أن تصب في خدمة المصالح الوطنية العليا للبلاد، مع الأخذ بالحسبان حصول تداعيات ربما لا تكون في الحسبان، تستدعي لمواجهتها المزيد من الحيطة والحذر وانتهاج السبل الكفيلة بذلك.