اقتصادي

ملامح توتّر التّجارة البحريّة تبدأ في الظّهور على وجه الاقتصاد العالمي

سفينة شحن تعبر البحر الأحمر

إسلام محمد

تفرض سلسلة التوترات المتصاعدة في منطقة البحر الأحمر وتصاعد هجمات الحوثيين على السفن البحرية، سيناريوهات متأزمة وتداعيات سلبية على مستقبل التجارة البحرية ومؤشرات الاقتصاد العالمي خلال عام 2024.

ومع استمرار التداعيات الخطيرة بالمنطقة والتأثير على سلاسل التوريد العالمية وحركة السفن، تتقلص فرص التعافي الاقتصادي العالمي المنشود، بل يُنذر الأمر بأزمات حقيقية وتباطؤ اقتصادي عالمي ومعدلات تضخم مرتفعة.

وتعتبر منطقة البحر الأحمر ممراً ملاحياً حيوياً للاقتصاد العالمي، لما يمثله من 15 بالمئة من إجمالي التجارة البحرية العالمية، والربط القوي بين حركة التجارة من جنوب شرق آسيا وأوروبا وإليها.

وتشهد الساعات الأخيرة جهوداً ومحاولات مستمرة بهدف مواجهة تصاعد الأحداث في المنطقة، وأحدثها موافقة وزراء خارجية الاتحاد الأوروبي، على مهمة بحرية لحماية الملاحة الدولية في منطقة البحر الأحمر من الهجمات التي يشنها المسلحون الحوثيون، وتشمل المهمة التي يقودها الاتحاد الأوروبي، وتسمى “أسبيدس”، إرسال 3 سفن حربية أوروبية وأنظمة إنذار مبكر محمولة جواً إلى البحر الأحمر وخليج عدن والمياه المحيطة.

أزمة مُرتقبة

خبراء واقتصاديون أكدوا في تصريحات خاصة لـ”النهار العربي” أن استمرار تصاعد أزمة وتوترات منطقة البحر الأحمر تُنذر بأزمة حقيقية وتدهور لمؤشرات اقتصادية كثيرة، في ظل تراجع حركة التجارة البحرية وتهديدها المستمر عبر إحدى أهم القنوات والمضائق حول العالم (قناة السويس).

توقع الخبراء أن يشهد العالم في ضوء تلك الأحداث تباطؤاً اقتصادياً قوياً ومعدلات تضخم مرتفعة وتراجعاً قوياً على صعيد معدلات النمو، في ضوء إرتفاع تكاليف الشحن نظراً إلى البحث عن ممرات مائية بديلة للمنطقة، وارتفاع تكاليف خدمات التأمين.

وأضاف الخبراء أن توترات منطقة البحر الأحمر ستؤدي إلى أزمة قوية بسلاسل التوريد العالمية، وهو ما سينتج منه ارتفاع الأسعار بصورة قوية خلال المرحلة المقبلة، ودخول اقتصاديات في مرحلة من الركود مع استمرار تلك الأزمة.

ركود وتأثر التعاقدات الجديدة

ويرى الربان صالح حجازي، خبير الشؤون البحرية، في تصريحات خاصة لـ”النهار العربي”، أن تأثير استمرار الأزمة وتصاعد توترات منطقة البحر الأحمر انعكست على تراجع ما بين 40 و45% من حركة التجارة عبر منطقة البحر الأحمر وقناة السويس، لتجنب هجمات الحوثيين. 

وأضاف أن “طبيعة التجارة البحرية عبر العديد من الممرات المائية حول العالم تشهد عمليات قرصنة على فترات، وسط اتخاذ إجراءات أمنية لتجنب تلك العمليات. إلا أن ما شهدته منطقة البحر الأحمر منذ 19 تشرين الثاني (نوفمبر) الماضي، والتصرفات غير المبررة من جانب الحوثيين، ورد فعل الجانب الغربي، وإرسال عمليات أمنية متعددة الجنسيات لتأمين التجارة في البحر الأحمر، واستهداف إرسال قوات أوروبية مؤخراً، كلها أدت إلى تصاعد الأحداث بصورة كبيرة”.

وأوضح حجازي أن تأثر الممر الحيوي بمنطقة البحر الأحمر وقناة السويس والتي تشهد مرور 30% من تجارة الحاويات وغيرها، من الأهمية الاستراتيجية القوية لهذا الممر، سيؤدي إلى مؤشرات سلبية وركود اقتصاديات كبيرة خلال المرحلة المقبلة.

وأضاف أن تأثر التجارة البحرية سينعكس مردودها السلبي على تأخر وصول البضائع بين الدول، وارتفاع تكلفة المصاريف والأسعار العالمية بمختلف الخدمات والمنتجات، وهو ما سيتضح بصورة قوية خلال الأيام القليلة المقبلة، في ضوء التعاقدات الجديدة والتي بدأت في أعقاب انتهاء أعياد الميلاد.

تداعيات ومؤشرات 2024

ويؤكد الدكتور مصطفى بدرة، الخبير الاقتصادي، في تصريحات خاصة لـ”النهار العربي”، أن استمرار المشهد الحالي وتصاعد هجمات الحوثيين على السفن والتجارة البحرية، ستؤدي إلى تأثر الأوضاع الاقتصادية العالمية بصورة كبيرة خلال 2024.

وأضاف أن ملامح التأثر السلبي المتوقعة خلال العام الجاري تتمثل في تباطؤ اقتصادي عالمي، يتبعه زيادة معدلات التضخم، وتراجع معدلات النمو، وارتفاع تكاليف الشحن والغاز والبترول، وارتفاع تكلفة الخدمات التأمينية، بالإضافة إلى ركود قوي لدى بعض الاقتصاديات.

وتوقع بدرة أن تسفر أزمة حركة التجارة البحرية حول العالم عن تراجع قوي باقتصاديات العديد من الدول، وأن تؤدي إلى انعدام تأثير التوجهات الحالية والخاصة بالتشديد النقدي على التضخم.

وأشار إلى أن هناك عدداً من الدول الأوروبية بدأت في دخول تلك المرحلة، وفي مقدمتها إنكلترا، فضلاً عن اقتراب دولة مثل ألمانيا من ذلك، مؤكداً أن استمرار التدهور الحالي في المنطقة وتأثيرها على تدهور التجارة البحرية له تداعيات وآثار سلبية ليس فقط على صعيد دول البحر الأحمر؛ بل على مختلف الاقتصاديات.

فترة التصحيح

وأكد الدكتور مصطفى بدرة، أن استمرار الأوضاع الحالية وتصاعد الأحداث دون وجود حلول سريعة من قبل المجتمع الدولي، سيؤدي إلى صعوبة عودة الأوضاع الاقتصادية العالمية لمسارها الطبيعي مرة أخرى.

وأضاف أن تصحيح ثقة الاقتصاد العالمي من جديد في المنطقة عقب انتهاء الهجمات والصراعات الحالية، يتطلب مزيداً من الوقت، ما قد يمتد إلى قرابة العامين لعودة مرور الخطوط الملاحية العالمية من جديد بمنطقة البحر الأحمر.

وطالب المجتمع الدولي بضرورة وضع التوقيت في عين الاعتبار لإنهاء التحديات، خاصة أن دور قناة السويس لا يتعلق بمصر فقط، بل إنها تمثل قناة عالمية وممراً ملاحياً عالمياً، يؤثر على اقتصاديات كثيرة حول العالم، مع استمرار الأزمة في المنطقة ويؤدي إلى نتائج اقتصادية غير مبشرة.

قناة السويس

ووفقاً لوكالة “بلومبرغ” في كانون الثاني (يناير) الماضي، فإن حركة الملاحة في قناة السويس تراجعت 41 بالمئة عن ذروة عام 2023، وسط تصاعد التوترات جنوبي البحر الأحمر بسبب استهداف الحوثيين سفناً. وتعتبر قناة السويس إحدى أهم القنوات والمضائق حول العالم وأقصر طرق الشحن بين أوروبا وآسيا.

ومؤخراً كشف الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، عن تراجع إيرادات قناة السويس، بنسبة تتراوح بين 40 و50 بالمئة.